نهوض المرأة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الرابع



صالح سليمان عبدالعظيم
2007 / 1 / 4

بصدور تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2005 هذا الشهر، تكتمل الحلقة الأولى من التقرير، والتي حاول القائمون عليه تقديم تصور شامل لكيفية إقامة وتأسيس نهضة إنسانية في الوطن العربي، وذلك من خلال القضاء على النواقص الثلاث في الحرية والمعرفة وتمكين النساء. ويأتي هذا التقرير ليضع المرأة العربية في القلب من عملية التنمية الإنسانية في العالم العربي، مؤكداً أن أية تنمية مجتمعية حقيقية في الوطن العربي لن تتم، ولن تتحقق، بدون تطوير حقيقي للمرأة، وبدون تحسين فعلي للظروف المعيشة التي تحيط بها.

صدر التقرير الأول للتنمية الإنسانية العربية في أبريل عام 2003، بعنوان "التنمية الإنسانية في البلدان العربية، خلق فرص للأجيال القادمة". وفي هذا التقرير تم تحديد الجوانب الهامة الخاصة بمستقبل الأجيال العربية القادمة، وحصرها في ثلاثة جوانب عريضة هى المعرفة والحريات السياسية وحقوق المرأة. لقد جاء التقرير الأول بمثابة مخطط عام لتحديد الإشكاليات الهامة التي تواجهها التنمية الإنسانية في البلدان العربية، بهدف فتح آفاق جديدة أمام الأجيال القادمة نساءً وأطفالاً ورجالاً.

جاءت التقارير الثلاثة التالية، لتتناول هذه الجوانب بشكلٍ أكثر توسعاً وتفصيلاً. حيث صدر التقرير الثاني في أبريل 2004 بعنوان "نحو إقامة مجتمع المعرفة"، وتلاه التقرير الثالث في أبريل 2005 بعنوان "نحو الحرية في الوطن العربي"، وأخيراً جاء التقرير الرابع مـتأخراً بنحو نصف عام تقريباً عن المواعيد التي ظهرت فيها التقارير السابقة، ليكمل تلك الجوانب الثلاثة بعنوان "نحو نهوض المرأة في الوطن العربي". ويُلاحظ في التقارير الثلاثة أنها بدأت بكلمة "نحو"، التي تحمل القصدية تجاه تحقيق هدف أو رغبة ما. فما قدمته التقارير الثلاثة الأخيرة مثَّل رغبة حقيقية من جانب القائمين عليها بضرورة التغيير وأهميته في الوطن العربي، من أجل تفادي مسار "الخراب الآتي" الذي حذر منه التقرير الثالث، والذي "تتجمع، لشديد الأسف سُحبه في أكثر من بلد عربي محوري"، على حد قول التقرير. َ

في هذا السياق، يمكننا أن نناقش التقرير الرابع والأخير، بوصفه أولاً نهاية مرحلة أولى من إصدارات تقارير التنمية الإنسانية العربية، وبوصفه ثانياً يتناول قطاع هام ومحوري من المجتمعات العربية وهو قطاع المرأة، والظروف المختلفة التي تحياها، وبوصفه أخيراً محاولة تنشد تغيير تلك الأوضاع، من أجل نهوض المرأة، وتفعيل وجودها في المجتمعات العربية المختلفة.

وقبل أن نناقش متن التقرير فإن غلافه يمنحنا فضاءً تأويليا لا يمكن لأى قارئ أومحلل أن يتجاهله. فالغلاف جاء معبراً عن الكلمة الأسيرة لصناع التقرير، والتي تتصدر عناوين التقارير الثلاثة الأخيرة، أعني كلمة "نحو". جاء الغلاف مزيجاً من اللونين الأصفر والأزرق الفاتحين، بتشكيلات خلفية رقيقة تشي بالطابع الإسلامي أو الشرقي. يتصدر الغلاف وجه إمرأة مرسوم بملامح متناسقة جميلة، وشعرٌ مُنسدل، تنظر إلى أعلى بتطلع وهدوء. وفي الخلف منها يرتفع ذراعان، أقرب للأنوثة، يحملان كتاباً تظهر من خلفه شمساً مُشعة بحنان دافئ. وفي الجهة المقابلة، طائر يطير برقة فارداً جناحيه على أقصاهما على خلفية زرقة سماوية ناعمة.

لا يمكن للمرء أن يعرف إلى أين تنظر المرأة بالضبط، فعيناها غير موجهتين نحو الكتاب أو الشمس، ربما كانا أقرب للنظر للطائر المسالم منهما للكتاب أو الشمس. كما أنها، أى المرأة، لا تنظر إلى الأسفل حيث الأرض والواقع والحقيقة، لكنها تنظر إلى الأعلى حيث السماء، أو حيث أفق ما لا نراه نحن، بينما تراه هى وتتحسسه وتتلمسه بعينيها الحانيتين. الغلاف بمجمله جاء هادئاً رغم احتوائه على الشمس والسماء والطائر المحلق والمرأة الجميلة، وبالمثل جاء التقرير هادئاً رغم تناوله لموضوع ساخن وحاد ومثير للمشاحنات مثل موضوع واقع المرأة العربية، وأفق تغيير الظروف الخاصة بها.

كيف استطاع التقرير أن يحافظ على هذا الهدوء وهذه السكينة، مثله في ذلك مثل هذه التشكيلات المُحيرة الذي تصدرت غلافه؟ ولماذا لم تتصدر غلافه صور حقيقية لنساء عربيات من شرائح اجتماعية مختلفة، ومن دول عربية مختلفة؟ وهل استطاع التقرير أن يتجاوز نظرة إمرأة الغلاف، غير المحددة والهائمة، ليوجه إمرأة الواقع العربي نحو رؤى محددة وواقعية؟ وكيف استطاع التقرير أن يقف بموضوعية حقيقية غير ملتبسة موقفاً تفسيريا وتأويليا حقيقيا من ظروف وأوضاع المرأة العربية المعاصرة؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عليه من خلال تناولنا للجوانب المختلفة الخاصة بالتقرير. ورغم ذلك علينا ألا ننسى دائماً وضعية الغلاف الغامضة والملتبسة، لما لها من ارتباط واعي أو غير واعي بمتن التقرير ذاته، وبالقائمين عليه.

ينقسم التقرير إلى قسمين، متفاوتي الحجم. يتعلق أولهما بفهم وتحليل تطورات التنمية الإنسانية في الوطن العربي منذ صدور التقرير الثالث في أبريل 2005 وحتى يناير 2006. بينما يتعلق القسم الثاني، وهو الأكبر، وبشكل أساسي، بموضوع التقرير الرئيسي، أي بنهوض المرأة في الوطن العربي.

ركز القسم الأول من التقرير على قضية الإصلاح السياسي في العالم العربي، وهى القضية المحورية للتقرير الثالث. وأهم ما يلفت النظر هنا هو تركيز التقرير على الدور الكبير والهام للتيارات الإسلامية، ليس فقط فيما يتعلق بقضية الإصلاح، ولكن في حركية المجتمع العربي بشكلٍ عام. ويُحسب للقائمين على هذا التقرير، رغم اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية والأيديولوجية والجغرافية، عدم تأثرهم بالهجمة العالمية الشرسة على الإسلام والمسلمين، وتأكيدهم على الدور البالغ الأهمية له في تشكيل الوعى المجتمعي العام والتأثير فيه، بما في ذلك وضعية المرأة العربية، والأوضاع المحيطة بها.

لقد أكد التقرير على ضرورة التفرقة بين بعض التيارات الإسلامية العنيفة التي لا ترى التغيير إلا من خلال العنف، وتلك التيارات الإصلاحية الأخرى التي ارتضت بالإندماج ضمن عملية التغيير السلمي والمتداول للسلطة. ويضرب التقرير أمثلة لتلك التيارات الإصلاحية بحركة الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وحركة المقاومة الإسلامية جماس في فلسطين، وحزب العدالة والتنمية في المغرب. ويشدد التقرير على أهمية هذه الحركات في المجتمعات العربية من خلال القاعدة الشعبية العريضة المُدعمة لها، وعلى ضرورة عدم تجاهلها في أية عملية سياسية مستقبلية تنشد التغيير والحراك السياسيين.

وإذا كان التقرير يؤكد على أهمية التيارات الإسلامية الإصلاحية، فإنه يتناول في قسمه الأول تصاعد أنشطة المجتمع المدني في العالم العربي من خلال الكثير من المنظمات والمؤسسات المختلفة. ويشير في هذا السياق إلى الدور الكبير والمؤثر الذي لعبته وسائل الإتصال الحديثة في تفعيل هذه المؤسسات والمنظمات المدنية، مثلما حدث مع حركة "كفاية" المصرية، التي استفادت من الإنترنت، ومساحة انتشارها، من أجل التواصل مع أعضائها، ومع النشطاء والحقوقيين في مصر، وفي العالم العربي.

ورغم ذلك يرى التقرير أن العالم العربي مازال يعاني من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتعقب للنشطاء السياسيين وملاحقتهم، وإغلاق لمقارهم. واللافت للنظر هنا أن الإصلاح السياسي في العالم العربي، قد جاء مُلاحَقاً بضغوط الخارج والحرب على الإرهاب، وبممارسات السلطات السياسية القمعية في العالم العربي، التي حاول الكثير منها الالتفاف على عملية الإصلاح، والتهرب من التغييرات المرتبطة بها. ويري التقرير أن الممارسات الإسرائيلية في فلسطين، والأمريكية في العراق، تلعب دوراً ضاغطاً على جود الإصلاح في العالم العربي، بل إنها تؤدي إلى تهديد التنمية الإنسانية في العالم العربي برمته.

لقد مثل هذا القسم مقدمة تعريفية، رغم طولها النسبي، لواقع الإصلاح في العالم العربي المعاصر، وانعكاس ذلك على واقع المرأة العربية، وبشكلٍ خاص في ضوء توجهات التيارات الإسلامية الإصلاحية. والخلاصة التي انتهى إليها هذا الجزء هو ذلك التلاقي الحادث الآن بين البيئة الداخلية العربية القمعية والبيئة الخارجية الدولية الضاغطة في اضعاف امكانيات تحقيق التنمية الإنسانية المنشودة في العالم العربي، وعلى رأسها نهوض المرأة وتغيير واقعها المعيش.

في القسم الثاني من التقرير، وهو القسم الأكبر كما أسلفنا الذكر، يتناول التقرير الجوانب المختلفة المرتبطة بكيفية نهوض المرأة في العالم العربي. ويؤكد التقرير منذ البداية على "نهوض المرأة" وليس على "النهوض بالمرأة"، لافتاً النظر بأن الأولى تعني دوراً فاعلاً للمرأة في عملية النهوض الخاصة بها، بينما تعني الثانية بأن هناك من يأخذ بيدها من أجل النهوض بها. لذلك، كان التقرير واضحاً، من حيث ضرورة قيام المرأة ذاتها بعملية النهوض، وبالأعباء الملقاة على عاتقها في هذا السياق.

ورغم ذلك، يمكن القول، بأن عملية النهوض الذاتية للمرأة العربية التي قدمها التقرير لم تكن واضحة بالقدر الكافي، كما أنه لم يقدم آليات حقيقية، واقعية ومحددة، يمكن من خلالها تفعيل دور المرأة ومساعدتها في عملية نهوضها. فالتقرير يؤكد منذ البداية على ضرورة قيام المرأة بالتغيير لواقعها المعيش، بدون أن نرى أية قوى اجتماعية حقيقية يمكن أن تنخرط فيها المرأة وتمارس أدوارها الحقيقية من خلالها، وتقوم بعملية النهوض والتغيير.

وكما يُحمد للتقرير انفتاحه الداخلي على التيارات الإسلامية الإصلاحية، فإنه يُحمد له أيضاً انفتاحه على التيارات الفكرية الغربية والمفاهيم النسوية المرتبطة بها، وعدم حساسيته تجاهها، رغم تأكيده في النهاية على أن قضايا المرأة يجب التعامل معها في ضوء السياق الاجتماعي الذي تعيش بين جنباته، وفي ضوء التحديات المختلفة التي تواجهها. فالتقرير رغم أنه يؤكد على التداخل العالمي بين الثقافات المختلفة، والتأثيرات المختلفة للثقافات الغربية على العالم العربي، فإنه يؤكد على الصعوبات التي تكتنف أية محاولات لنقل تجارب أخرى وفرضها على السياقات المحلية؛ فالتغيير لابد وأن ينبع من السياقات المحلية ذاتها، في ضوء فهم التوجهات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية البنيوية المجتمعية الداخلية.

يرى التقرير أن المرأة في العالم العربي تُواجه العديد من التمايزات التي تصب في النهاية في مصلحة الذكور. فالمرأة تعاني من الحرمان في مجالات عديدة مثل التعليم والعمل والصحة والحريات الشخصية مقارنة بما يحصل عليه الرجل. ويرى التقرير أن الظروف التي تواجهها المرأة مرتبطة بتأثيرات البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في العالم العربي. فهذه الأوضاع التمييزية التي تعاني منها المرأة ناجمة عن تكاتف هذه البنيات وترابطها بما يؤدي في النهاية إلى استحكام الحصار الاستغلالي حول المرأة وتقليص فرصها الحياتية مقارنة بما يحصل عليه الذكور.

يرى التقرير بأن البنى الثقافية العربية تلعب دوراً كبيراً في تكريس وضعية المرأة العربية المُجحفة، ويرى أن الموروث الديني يلعب دورأً كبيراً في تكريس هذه البنى الثقافية ذات النظرة الدونية للمرأة. وفي هذا السياق، يدعو التقرير الفقهاء المستنيرين إلى التعامل مع روح النص القرآني السامية في ضوء التحولات التاريخية الراهنة، مستدعين قدراتهم التأويلية الإبداعية من أجل تحسين وضعية المرأة العربية. كما يدعو الإعلام العربي أيضاً لأن يتجاوز تلك الصور النمطية الساذجة التي يقدمها للمرأة العربية. فالإعلام العربي، بقدر ما يقدم بعض النماذج النسائية الجيدة، فإنه، وبشكلٍ عام، يحيل المرأة العربية إلى مجرد سلعة إعلانية ساذجة يتربح من ورائها.

يرتبط بهذه البنية الثقافية الدينية المتوارثة والمستمرة، بنية مجتمعية تسلطية استبداية تدعم استغلال المرأة، وتتكاتف مع باقي البنيات الأخرى من أجل تعظيم مكانة الرجل، وتعظيم مكاسبه. يأتي على رأس هذه البنى الاجتماعية القبيلة والنظام الأبوي، حيث تخلق القبيلة محددات تُعلي من شأن الرجل، وتسمح له بالإستئثار بالميراث، وعدم مشاركة المرأة له، مع ما يرتبط بذلك من حقوق ومكانات تُعلي من شأنه، وتمنحه امتيازات اجتماعية ومادية هائلة، مقابل استغلال المرأة والتحقير من شأنها.

إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى الدور الهائل الذي تلعبه الأسرة العربية في تعظيم مكانة الذكور والحد من امكانيات الإناث والتضييق عليهن، حيث تبرز مقولات الشرف وصيانة المرأة والحفاظ عليها ومنعها من الخروج من المنزل. ويشير التقرير إلى جرائم الشرف التي يرتكبها الذكور من الإخوات أو الآباء ضد بناتهن، والقبول المجتمعي لهذا النوع من الجرائم، بل والاحتفاء به في بعض المجتمعات العربية.

ويلعب التعليم في العالم العربي دوراً كبيراً في تكريس هذه الرؤية الدينية والقبلية والأسرية للمرأة. حيث يكشف التقرير عن قلة المقررات التعليمية التي تحض على المساواة بين الجنسين، وقلة نسبة النساء اللاتي يشتركن في وضع هذه المقررات التعليمية مقارنة بنسبة الذكور، مع ما يحمله ذلك من تحيزات وتقييمات مُسبقة يفرضها الرجال على المقررات التعليمية التي يضعونها والتي لا تُنصف الإناث غالباً، وتمنحهم بعض حقوقهن المستلبة مجتمعيا.

يؤكد التقرير على ضرورة تغيير قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي بسبب تحيزاته المفرطة ضد المرأة، ووقوفها في صف الامتيازات التي يحصل عليها الذكور. وأخيراً، يؤكد التقرير على ضرورة تحسين الظروف الاقتصادية نظراً للانعكاسات السلبية للفقر على المرأة، وبشكل خاص في ضوء صعوبة حصولها على فرص عمل مناسبة. فتحسين الظروف الاقتصادية المجتمعية في العالم العربي، يؤدي بدرجة أو بأخرى إلى تحسين الظروف المعيشة للمرأة، ضمن تحسين الشروط الاجتماعية الأخرى.

ورغم الأمثلة الإيجابية العديدة التي يقدمها التقرير، والتي تمنحنا نماذج مشرفة للمرأة في العالم العربي وخارجه، فإن هذه النماذج تمثل مجرد أمثلة فردية للإمكانيات الهائلة التي يمكن أن تكونها النساء العربيات، لكنها لا تعكس في النهاية واقع المرأة العربية المتدني. ويطرح التقرير في النهاية رؤية استراتيجية هدفها تحسين أوضاع المرأة في العالم العربي يُطلق عليه "جناحا نهوض المرأة". يرتبط الجناح الأول بالإصلاح المجتمعي للنهوض بالمرأة، ويرتبط الجناح الثاني بقيام حركة مجتمعية واسعة وفعالة في المجتمع المدني العربي، تنضوي تحتها النساء العربيات والرجال المناصرون لنهوض المرأة العربية.

ورغم أن التقرير يصف رؤيته هذه بالإستراتيجية، فإنها لم تكن واضحة الوضوح الكافي، الذي يضمن متابعتها وتنفيذها. فعلى الأقل لم تحدد لنا هذه الرؤية بشكلٍ محدد طبيعة القوى الاجتماعية الحقيقية التي يمكنها أن تكفل لهذه الرؤية عناصر المتابعة والتعهد والنجاح. فالمجتمع المدني، الذي يمنحه التقرير اهتماماً كبيراً، لا يعبر عن قوى فعلية حقيقية ملموسة، بل يمكن القول بأنه مازال يتسم بالضعف الشديد، وبسلبيات وآفات المجتمعات والحكومات العربية ذاتها. كما أن النساء أنفسهن لا يعبرن عن مصالح ورؤى واضحة لمقاومة الاستغلال الواقع عليهن.

وفي هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن واحدة من مناطق الضعف في التقرير أنه لم يمنح النساء الفقيرات الكادحات، في الريف وفي الحضر على السواء، إلا مساحة محدودة جداً منه، على الرغم من كونهن يشكلن السواد الأعظم من عموم المرأة العربية المعاصرة، بل إننا لم نسمع أي صوت يعبر عنهن ضمن ضفتي التقرير. وفي هذا السياق، يمكن القول، بأن التقرير قد عبر عن الطبقة الوسطى والنخب النسائية في العالم العربي أكثر من أية شرائح نسوية أخرى.

لقد تناول تقرير هذا العام، مثله مثل تقارير السنوات السابقة، القضايا الكبرى في العالم العربي، مثل المعرفة والحريات، وهو الأمر الذي سمح له بالعبور السريع والعابر على طبيعة تشكيلات القوى الاجتماعية في العالم العربي، والصراعات القائمة فيما بينها. لكن الأمر سوف يختلف عند التركيز على قضايا مجتمعية محددة، مثل التفاوتات الاجتماعية في العالم العربي بين الأغنياء والفقراء سواء داخل الدول العربية ذاتها، أو بين بعضها البعض، أوالتركيز على قضايا الفساد الشائعة في العالم العربي، أو حتى تناول قضايا التحضر في الوطن العربي والمشكلات الناجمة عنها. وهنا لن تصبح تلك اللغة التعميمية الهادئة المحايدة صالحة للتناول العلمي، حيث يجب التدقيق الوصفي والتحليلي في طبيعة القوى المهيمنة في العالم العربي والصراعات القائمة فيما بينها، وهو ما سوف يقحم التقرير بالتأكيد في صراعات ومناوشات جديدة. على كل الأحوال، سوف تكون الحلقة الجديدة من موضوعات التقرير أشد خطورة وأكثر صعوبة، من حيث ضرورة تجاوز الطابع التعميمي الذي لا يغضب أحد، رغم ارتفاع أعداد الغاضبين الذين لا يعجبهم شيئاً، إلى التركيز المتعمق الذي يُشرِّح المجتمع العربي بشكلٍ أكثر دقة، وربما بشكلٍ أكثر فضحاً وتثويراً.

أخيراً، وكما حيرتنا نظرات إمرأة الغلاف، فإن التقرير حيرنا تجاه الكيفية التي يمكن أن نغير بها واقع المرأة العربية، وقذف بنا في استراتيجيات واسعة فضفاضة بدون سند اجتماعي حقيقي. ومن هنا جاء الغلاف متسقاً مع متن التقرير بشكلٍ كبير، فهناك واقع سيئ ومشكلات كبيرة تواجهها المرأة العربية، لكنها رغم ذلك لم توجه عينيها صوب طريق وهدف محددين، تختارهما بعناية، وتساندها قوى اجتماعية محددة وقوية غير مستلبة وغير مهترئة. وفي النهاية لا يسعنا سوى القول بأن المرأة العربية نفسها، والقائمين على التقرير أنفسهم، هم جزء لا يتجزأ من مجتمع مازال يبحث عن أفق للنظر المحدد، وعن حلم التغيير المنشود!!

د. صالح سليمان عبدالعظيم
كاتب مصري
[email protected]