- صفحات من كتاب الأنثى-



وديع العبيدي
2007 / 1 / 6

المرأة هي الحلّ.. أو حلّ الحلول..
- صفحات من كتاب الأنثى-

قبل الكلام..
[في استطاعتكم أن تخنقوا صوت الدفّ، وأن تحلّوا أوتار القيثار، ولكن، مَن الذي يستطيع أن يأمر القبّرة، بأن لا تغني!] – جبران
*
[إذا سئلت ما هو أجمل شيء في الوجود، لقلت: المرأة. وإذا سئلت ما هو أجمل شيء في المرأة، لقلت: الجسد. وإذا سئلت ما هو أجمل شيء في جسدها، لقلت: القلب. وإذا سئلت ما هو أجمل شيء في قلبها، لقلت: الروح. وإذا سئلت ما هو أجمل شيء في روحها، لقلت: المحبة. وإذا سئلت ما هو أجمل شيء في المحبة، لقلت: العطاء (تضحية). وإذا سئلت ما هو أجمل شيء في العطاء، لقلت الحياة. وإذا سئلت ما هو أجمل شيء في الحياة، لقلت: المرأة.] – و.ع
*
*
مدخل..
كانت [المرأة] صدارة أية فكرة على مدى تاريخ الانسان، سواء ارتبطت الفكرة بالمرأة عضوياًً وبنيوياً، أم لا، وما زالت كذلك. كما يمكن تأويل (فشل) كثير من تلك الأفكار والمشروعات، إلى عدم وضع [المرأة] في مكانها الصحيح من المنظومة، وإيلائها الأهمية والفعالية الجديرة بها. فتهميشها – قولاً وفعلاً- في المنظومة الاجتماعية، والدينية، والسياسة، لم يعدْ، إلا وبالاً على هذه المنظومات، التي أثبتت، بما لا يقبل الدحض، فشل الأيديولوجيا الذكورية في قيادة المجتمع البشري، وإعادته إلى – الفردوس المفقود!- الذي كانت [المرأة] سبباً في طردها منه، حسب الإسطورة الدينية. ولا غرابة، أن أساطين الفلسفة والفكر والمجتمع، آمنوا مبكراً بتلك الأهمية الستراتيجية، أمثال ابن رشد وابن عربي من القرن الثاني عشر. إلى أفكار رفاعة الطهطاوي [1801- 1973] ومحمد عبده [1849- 1905] وتلميذه قاسم أمين [1863- 1908] في العصر الحديث. بينما مثلت مؤلفات (طوق الحمامة) لابن حزم الأندلسي، و (غزل النساء) للجاحظ البصري، و(أحكام النساء) لابن الجوزي البغدادي، زوايا متباينة لكريستال ثيمة [المرأة]. وكما أمكن تهميش دور أخت موسى النبي المعروفة (ماريا اليهودية أو ماريا النبية)* [Maria Prophtissa (Mary the Jewiss)] جرى الحكم بإحراق (جان دارك) واستمر الكليروس رافضاً وجود (إمرأة) في المجلس -البابوي-. غير بعيد من مراهنة الفكر الديني على استشراء الفساد والضلال، علامة لعودة الحكم (السماوي)، يأتي ازدياد الاهتمام بمسألة [المرأة] إزاء الطريق المسدود الذي وصلت إليه (الحضارة الأميركية). المرأة هي الأصل.. المرأة هي الحلّ. هي الأم.. وهي الرجاء. وكما يقول المثل الألماني: لا شيء متأخر، للبدء من جديد. أتمنى أن يجد العالم نفسه في صحوة حقيقية إزاء هذه [الثيمة]، ليس عاطفية ولا براغماتية تكتيكية.
فهل تستطيع المرأة، أن تخرج المرحلة المأزومة هذه من عنق الزجاجة؟.. وهل يتيح لها الفكر الذكوري فرصة حقيقية وحرية كافية لممارسة دورها (الفاعل) الطليعي في حركة الحياة المعاصرة؟. هذا، يقتضي من المرأة، نفسها، أن تكون أهلاً وكفؤا (جاداً)، لممارسة طليعيتها (الايجابية)، وأن تبذل جهدها لتسجيل نقلة نوعية على طريق تحرير [جسدها (و) فكرها] من سطوة منظومة التقاليد البالية، لرسم صورة مشرقة للحياة الانسانية، وإعادة (الأمل) في الحياة على الأرض، بعدما حولتها، النظم السائدة حتى الآن، جحيماً موصداً.
*
راهنية المرأة..
" دون وعي بالبداية، لا يمكننا أن نفعل شيئاً." (ادوارد سعيد)

محاولة النظر للمستقبل، تستلزم، تحديد نقطة للانطلاق، في الماضي أو الحاضر. وتقتضي، دراسة وتحليل ميكانزمات اللحظة الراهنة (نقطة البداية)، للتوفر على فهم واستيعاب موضوعي متكامل يؤهل للتعامل مع المرحلة التالية. وأوضاع المرأة اليوم، عالميا وعربياً، تختلف عن السابق اختلافاً نوعياً محدوداً. ولكنها ما زالت حافلة بالسلبيات والاستغلال والانحطاط. ومظاهرها الشكلية أكثر من الجوهرية. فأوضاع المرأة البريطانية ، - حسب دراسة نشرتها (ESRC)-، لم تتحسن خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة،. بينما حققت المرأة في بلدان غربية أخرى مثل ألمانيا والسويد نقلات متقدمة في ممارسة دورها في المجتمع. بالمقابل ، شهدت أوضاع المرأة العربية، تغيرات نوعية خجولة، خلال القرن الماضي، على صعيد التعلم والتحرر الاجتماعي والاقتصادي، بشكل جعل الرجل، يحسب لها، ألف حساب، بعد أن كانت مجرد قطعة (ديكور)، لتأثيث منزل العائلة، أو (آلة) لتقديم دور اجتماعي وخدمي (جنسي) محدد.
لكن حركة التطور الاجتماعي، تختلف عن سيرورة العلوم والأنظمة العقلية، بكونها،لا تسير في خط متساوق مستمر نحو الأمام، وانما تمرّ بانقباضات وانبساطات تموجية، تتقدم مرة، وترتدّ، أخرى، وبالتالي فأن ما يفترض فيه تحقيق خطوة إجتماعية، يتحول إلى نصف أو ثلث خطوة. لكن إلقاء حجر في بركة ساكنة، أفضل، من تأملها وهي ساكنة.
*
المرأة العربية بالأرقام..
وضع المرأة العربية، ليس واحداً في طبيعته، وانما هو متفاوت، ومرتبط بتعددية البيئات الاجتماعية والاقتصادية، والتي تنقسم إلى أطر سياسية متعددة أولاً. وداخل كل إطار سياسي، تنقسم اجتماعياً إلى مجتمع القرية ومجتمع المدينة، وتتفاوت اقتصاديا حسب معدلات الغنى والفقر ، والعمل والبطالة. يشكل المجمتع القروي نسبة تتفاوت بين [60- 75%] في البلاد العربية. وتصل درجة الأمية بين النساء إلى درجة [60- 80%]. بينما تصل البطالة النسوية إلى (83% ). وفي دراسة أجرتها لجنة تابعة لمجلس الانماء في الأمم المتحدة أن نسبة المشاركة السياسية (البرلمانية) للمرأة العربية لا تزال أقل من (10%)، وفي دولة متقدمة نسبياً مثل مصر – قياساً لبقية البلاد العربية- هي (3%)، وفي بلاد أخرى خليجية، محرومة من المشاركة السياسية، أو كثير من الحقوق المدنية والاجتماعية. ان الحركة النسائية وحركة المجتمع المدني ، إذا كانت قد حققت منجزات طيبة حتى اليوم، فأن كل هذه المنجزات، هي في مهبّ الريح، أمام اشتداد المدّ الأصولي السلفي، الذي يهدد بإعادة أنماط الحياة العربية إلى ما كانت عليه قبل عشرات القرون. وهذا ما يرفع معدلات المواجهة الحقيقية، ليس بين الحداثة والتقليد، في أطره الشمولية ، وانما، بالتحديد، في مكان البؤرة، [المرأة]. هل هي كائن إنساني، أم جسد؟.. هل هي كيان كامل، أم تابع ناقص؟.. أكيد أن عجلة التاريخ، في المحصلة العامة، لن ترجع للخلف، مهما بلغت ضراوة الوسائل. ولكن بناء الأمل، يلزمه، جهد مركز وعاقل، لمنع العجلة من الارتداد.
*
العقدة ورأس الخيط..
في دراسة نشرتها [Sociology Review] البريطانية عن موضوعة الهجرة الدولية وأسبابها ومعالجاتها، تبين أن الاضطهاد الجنسي [jender] وليس [sexuality]، {أي الآثار المترتبة على الفصل والتمييز بين جانبي الجنس البشري}، أحد العوامل الرئيسة لهجرة النساء من الجنوب والشرق نحو المدنية الغربية. جدير بالذكر أن ظاهرة الـسنغل [single]، تمثل نسبة عالية في المجتمع (الغربي) المعاصر، وهي آخذة في التزايد السريع، وتعتبر (لندن) مثالاً بارزاً في هذا المجال. فأنواع الاضطهاد الاجتماعي التي تعاني منها المرأة الشرقية والعربية تحديداً، لا تنحصر فقط في أطر محددات الإتفاقية الدولية لحقوق الإنسان أو الإتفاقية الدولية لحماية (حقوق) المرأة، وانما تتعدى ذلك إلى أساليب التربية والنشأة المترسبة في النظرة الاجتماعية المتوارثة، داخل العائلة، بين الولد والبنت، أو بين الزوجة الأولى والزوجة الأحدث. ان الختان والحجاب و(إرهاب الأنثى)، والزواج المبكر[ under-age-marriage ] والزواج بالكره وتعدد الزوجات ، وهجر الزوجة ومهانتها بسبب المرض أو التواضع الاجتماعي أو زواج جديد، وانعدام حرية الفتاة، وتعسف تقسيم الإرث ، وحضانة الأطفال، بين العوامل المتزايدة الدافعة للهجرة [cultural pathology and liberal differences]. وبالمقارنة بالشباب (الذكور) الذين تمثل البطالة دافعهم الرئيس للهجرة، تبدو دوافع الهجرة النسوية أكثر تعقيداً. ان المشين في هذا المجال، ليس فيمن يأتي بتلك الممارسات، أو مؤسسات الدولة {الصمّ البكم}، وانما في ما يسمى بالمثقف العربي والحركات السياسية المتناسلة وغيرها من منظمات المجتمع المدني ، التي لم يخطر لها المطالبة بتعديل لوائح قانونية أو إضافة نصوص قانونية جذرية، تحظر أي نوع من أنواع الاعتداء أو التجاوز على حقوق وكيان الأنثى، وليس الاكتفاء بالترديد الببغاوي (الاعلامي) لشعارات المساواة والحقوق غير المقصودة. ان الاستهانة بحقوق المرأة [feminsm] أسفر عن الاستهانة بحقوق الانسان [jender] العربي إجمالاً. ففي مقال للدكتور جابرعصفور (الأهرام) عن {ظاهرة التكفير} في ثقافة مصر يتحدث عن كتاب عبد الحميد كشك الموضوع ضد كتاب نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) ويستغرق ثلث المقال في وصف صورة الغلاف (الإرهابية) المعلنة، دون أن يعنّ له الاشارة، كيف سمحت مؤسسة الرقابة الرسمية بنشر (صورة اعتداء معلن) بينما يجري تحريم وحظر كتب التنوير الفكري والمدني. فالمشكلة ليست في مظاهر الرداءة المتفاقمة والمتزايدة في السنوات الأخيرة، وإنما في غياب القانون المدني الذي يصون كيان الانسان وحقوقه من أي تجاوز أو اعتداء. وبدون صيانة حقيقية للانسان وحقوقه، مدعومة من الدولة والمجتمع، تستمر الاستهانة بحماية كيان المرأة وحقوقها، ويستمر غياب حرية الرأي والتعبير، [في إنتظار قرار دولي أممي أو أمريكي(!!)].
*
الرؤية العامة وتحديد الهدف...
من الأمور العويصة، التي تواجهها حركة المرأة العربية، هي تحديد الرؤية، الخاصة، المستقلة. وبدون هذه الرؤية، الخاصة، المستقلة، يستحيل ، تحديد هدف حقيقي موجب.
ليست هذه الإشكالية، خاصة نسائية، ولا جديدة، وانما ، تحدد كلّ مسائل الحياة والثقافة والسياسة والاقتصاد في المجتمع العربي. وهذه نابعة من خصيصة [الطابع] الشمولي، التي وسمت به نفسها، الثقافة العربية، أو الهوية الثقافية، أو الخطاب الثقافي، في شقيه الديني والسياسي. وبالتالي، فلا بدّ لأي ثيمة مناقشة، أن تصطدم، بأحد أضلاع المثلث المقدسة، [دين، دولة، تقاليد].
بالعودة إلى الماضي، كانت جميع انجازات الحياة المدنية في المجتمع العربي من منجز المدنية الغربية العلمانية. ولعب (النموذج) الغربي دوراً في استنهاض هم التطور عند رواد النهضة العربية والنسوية المعاصرة. بيد أن نزعة العداء والاختلاف، التي لم تستطع العقلية الاجتماعية، تجازوها، شكلت منذ البدء، عصا العرقلة. حاول البعض بأثر ذلك، وهو ما يروج اليوم، الزعم بتقديم بديل ذاتي، يضاهي النموذج (الغربي) أو يتفوق عليه. وتقدم الدكتورة فاطمة با بكر محمود*، قراءة مفصلة في مجال تيارات الحركة النسوية ، محددة أن [أميَز هذه التيارات، الخطاب العلماني الذي قادته هدى شعراوي، والخطاب الديني (الاسلامي) الذي قادته ملك حنفي ناصف]. وعلى الرغم من عدم اتفاق الطروحات (الاسلامية) في (تفاصيلها)، عكس شعاراتها الموحّدة، في ظل الانقسامات المذهبية والسياسية، وهو أمر قلّما يخطر للقارئ، فأن المفروض احتساب فارق الزمن في التعامل مع الفكر. وهل يصحّ اجترار ما كان قبل قرابة قرن – بدايات القرن العشرين-* ، حتى اليوم؟.. لماذا لا يتحرر العقل العربي من فكرة الثنائية، أبيض/ أسود، خير/ شرّ، يوجد/ لا يوجد، إلى نظرية الاحتمالات غير المنتهية. بالتأكيد ثمة في تراث الفكر العربي والشرقي والعالمي، من الأسس والمبادئ ما يمكن اعتماده أرضية انطلاق متميزة؟.. لماذا لا نبحث عن رؤية مستقلة من التراث والارتباطات التقليدية لأفق جديد؟.. أليست معاناة الحياة المعاصرة،- وهي متوارثة-، من طائلة التراث والثقافة التقليدية؟.. لقد حاولت الباحثة بابكر محمود التوصل إلى رؤية جديدة في هذا الاطار، أكثر انتماء للواقع (الأفريقي) المحلي، منها للثنائية الغربية العلمانية (أو/ و) التراثية الدينية، ولا بدّ، من استمرار العمل والبحث في هذا المجال، نحو رؤية أكثر استقلالية وواقعية، تضع أسس راسخة صحية لبناء أسرة ومجتمع معافى من الأمراض والعقد الوراثية. وإلى شيء قريب من هذا ذهب شاعر الشعب حافظ ابراهيم بقوله:
*
لندن
18 ديسمبر 2006
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش..
- ادوارد سعيد .. مقالات وحوارات- تقديم وتحرير محمد شاهين- بيروت - 2004 /ص102
- جبران خليل جبران – النبي- ترجمة: ميخائيل نعيمة- منشورات نوفل- بيروت- ط4- 2004- ص97
- جريدة الأهرام الدولي- يوم الخميس المصادف 14 ديسمبر 2006- تقرير لجنة الانماء.
- جريدة الأهرام الدولي – يوم السبت المصادف 16 ديسمبر 2006- جابر عصفور.
- – AICHEMY-the Art of Transformation - Jay Ramsay
- فاطمة با بكر محمود – المرأة الأفريقية بين الإرث والحداثة- دار كمبردج للنشر- ط1- 2002/ ص217
- Social Sciences - Review, University of Leicester- Nr.64, Autumn 2006
- Sociology Review, volume 16, Nr.1,September 2006

www.wadiobeadi.de.tl