المرأة في المجتمع بين العولمة والتاريخ



مزن مرشد
2007 / 1 / 11

طبقاً لما نراه ونسمعه، يبدو أن هيمنة السيطرة الذكورية لثلاثة آلاف سنة على الأقل من الحياة البشرية قد أوصلت العالم إلى هذا الإفلاس، ونحن لا نعلم بعد فيما إذا كانت السيطرة الأنثوية لبضعة آلاف من السنين أيضاً قد ساهمت بشكل أو بآخر بذلك .
كل ما نعرفه أن الأنثى بدورها استمتعت بزعامة العالم في حضارات بائدة،كان لها الأثر الأكبر في تشكيل حضارات لاحقة.
"جيمس فريزر" و"مرغريث ميد" وبقية الأنثرويولوجيين أكدوا أنه في المراحل الأولى جداً لتطور الإنسان ، قبل فهم سر الإنجاب البشري ،و قبل فهم ارتباط الجماع بالولادة ، قدست المرأة باعتبارها واهبة الحياة ، فالنساء وحدهن يمكنهن إنسال نوعهن ، ولم يكن دور الرجل في هذه العملية معترفاً به ، فإذا كانت هذه هي الحالة- فلابد أن ينظر إلى الأم على أنها الأب الوحيد لأسرتها ، ولهذا كان من الطبيعي أن يتخذ الأطفال اسم عشيرة الأم ، والتسلسل السلالي لابد أن يظل ضمن خط المرأة فينتقل من الأم للابنة ، وليس من الأب للابن .
كتب هيرودوث اليوناني قبل ذلك بقرون يقول : "في مصر نساء يتجولن في الأسواق العامة وينهمكن في العمل بينما الرجال يمكثون في البيت ويقومون بالغزل والنسيج" وكتب "كلود شيفر" عام 1939 "يبدو أن الوضع الاجتماعي للنساء وبالأخص أم الأسرة هو وضع رفيع في "أوغاريت" السورية، أما عمونيي كنعان فكانت النساء تعمل في الدوائر الرسمية وكتب "لاندرز" عن الوضع الرفيع للنساء لكونه متفقاً مع الممارسة البدوية ويقول أن الملكات كملكة سبأ مثلاً 950 ق.م قادت في ذلك الزمن القبائل العربية ....
هذا مختصر عما كان عليه وضع المرأة في عصور قديمة ربما أدت إلى ما نحن عليه اليوم من سيادة العقلية الذكورية ولا أريد هنا أن أفصل المجتمع إلى فصلين أنثوي و ذكوري لأنني أؤمن أصلاً بضرورة تلاحم جهود الطرفين لبناء مجتمع صحيح ينطلق من أسرة صحية في تربية أطفال أصحاء والصحة هنا هي صحة اجتماعية نفسية بالضرورة .
وفي العصور الأولى من التاريخ المدون تراجع وضع المرأة لتصبح إحدى ممتلكات الرجل التي يورثها أو يهديها ويبيعها أحياناً حتى اعتبرها في بعض المجتمعات عار على وجوده وعالة في معيشتها على رزقه فاستعبدت وأهينت وعوملت معاملة الخدم في منزل الأب والأخ والزوج لكن المرأة العربية كانت دائماً تحمل روح المبادرة والثورة ففي قمة هذا الاستعباد استطاعت أن تستلم سدة الحكم وأن تظهر كشاعرة أو موسيقية في مجتمع لا يعترف بها إلا وسيلة سعادة وغاية تسلية فقط .
وفي عصور متقدمة بعد ظهور الديانتين المسيحية أولاً والإسلامية بعدها عاد للمرأة بعض يسير من حقوقها فاحترمت إنسانيتها وقدست كأم عذراء للمسيح وكزوجة مرضية مؤمنة للرسول الكريم فقادت الجيوش وروت الأحاديث وأصبحت صحابية، وراهبة، وحجة جليلة، وقديسة ،ففي العهد المسيحي كان للمرأة دوراً في التبشير ونقل الرسالة والدعم المعنوي لليسوع الناصري وفي الإسلام كانت مرافقة للرجل في حروبه مشجعةً مناصرةً دخلت الإسلام فاعلةً متفاعلة هاجرت مع الرسول إيماناً بدينه وحاربت إلى جانبه وقادت المعارك كما فعلت عائشة حين قادت جيش المسلمين في معركة الجمل .
وفي عصور لاحقة من الانحطاط والجهل والاستعمار والتخلف تراجع وضع المرأة من جديد لتحبس داخل جدران منزلها وتحرم من أبسط حقوق الحياة في تقرير مصيرها واستمر هذا الوضع على حاله في المجتمع العربي حتى بداية الأربعينات بعد أن بدأت حركات المرأة التحررية في المجتمع الغربي ونقلت عدواها إلى المجتمعات العربية ففي عام 1942 استطاعت الأمريكية (ميرغريت بيغل) أن تحصل على البراءة في القضية التي رفعتها ضدها المحكمة الكنسية والتي استمرت منذ عام 1932 والتهمة الموجهة لها كانت تحريض النساء على عدم إطاعة الله في التحكم بوقت الحمل أي منع الحمل واستمرت في نضالها مدة عشر سنوات نفيت خلالها من الولايات المتحدة إلى إنكلترا واستمرت القضية في غيابها بكيل الاتهامات لها على أنها ملحدة ومحرضة لثورة النساء على أزواجهن لكنها بعد هذا النضال شرعت لبنات جنسها، من الأمريكيات، استخدام موانع الحمل وافتتحت مركزها الخاص بمساعدة النساء على حل مشكلاتهن.
امتدت حركة المرأة إلى كل بقعة في العالم بحيث يكاد ألا يكون هناك مكان لم يتأثر بها.وتعني حركة المرأة أشياء مختلفة بالنسبة للعديد من الناس الذين يعيشون في إطار حضارات متباينة وتقاليد دينية متعددة في شتى مراحل التنمية الاقتصادية والسياسية وتتمثل الرسالة المشتركة الوحيدة التي تقوم بها هذه الحركة في جميع أرجاء العالم،في الدعوة إلى الاعتراض على الوضع الراهن الذي ينطوي على التمييز ضد المرأة وينزلها إلى مرتبة أدنى من الخنوع والوهن.ويردد أعضاء الحركة على الصعيد العالمي أن ليس هناك ما يدعو إلى أن يقف الجنس عائقاً دون المساواة والحرية وفرص الاختيار.
ونصل في سياق حديثنا إلى النقطة الأهم وهي نضال المرأة العربية في سورية حتى وصلت إلى ما نراه اليوم من تمتعها باستقلال اقتصادي أدى إلى زجها جنبا إلى جنب مع الرجل في مختلف ميادين العمل وهو ما اكسبها حرية اجتماعية معقولة بالرغم من الاعتراض ولو الضمني على بعض النصوص التشريعية المجحفة بحقها حتى هذه اللحظة والتي لا أريد الخوض في غمارها هنا.
فمنذ مطلع القرن الماضي أوجدت المرأة لنفسها مكانا في معترك الحياة السياسية والاجتماعية رغما عن محيطها الذي لم يكن يتعامل معها إلا ككائن تابع لا يحق له أي مشاركة فعلية مهما بلغ حجمها في الحياة ،فعلى الصعيد السياسي ومنذ نشوء الأحزاب في سورية كانت المرأة تشكل نسيجا أساسيا في هذه التنظيمات وعلى مختلف الانتماءات سواء في حزب البعث أو الحزب الشيوعي أو القومي السوري وفي فترة ما قبل الاستقلال أي في بداية أربعينيات القرن الماضي شاركت المرأة في المظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي ورفعت الشعارات المنددة به، وساهمت بتقديم المساعدات للقوى الوطنية آنذاك وعلى الصعيد الثقافي كان هناك العديد من الصالونات الأدبية النسائية التي تركت بصمة واضحة على مسيرة الثقافة في سوريا ولعل هناك الكثير من النساء اللواتي برزن في تلك الفترة ومنهن نازك العابد وثريا الحافظ، وبعد الاستقلال لم تقف المرأة مكتوفة الأيدي تجاه المتغيرات السياسية في سورية فقد ساهمت بها بشكل آو بآخر ومما لاشك فيه أن الثلاثين سنة الأخيرة شهدت تطوراً ملحوظا لوضع المرأة في سورية حيث دخلت مختلف ميادين الحياة فأصبحت وزيرة وضابطة في الجيش وطبيبة ومعلمة تقف إلى جانب الرجل في جميع المهن التي يمارسها واستطاعت أن تثبت أن المرأة كائن من الدرجة الأولى مثلها مثل الرجل لا يتفوق عليها بشيء وخصوصا على المستوى الفكري،فأعطاها القانون حقوقها السياسية الكاملة في التصويت والترشيح ودخول المعتركات السياسية في مجلس الشعب وأعطيت الحق في أن تكون قاضية في المحاكم المدنية والجزائية الأمر الذي لم يحصل حتى الآن في البلاد العربية إلا في تونس وسورية .
وفي ظل التقدم التقني الذي غزا العالم في الفترة الأخيرة نجد أن تواجد المرأة على مساحة عريضة من المهام قد ازداد بكثرة وخصوصا في سياق ثورة العولمة الإعلامية التي اجتاحت العالم ومنه سوريا لكننا أولا لنحاول أن نفسر العولمة بمفهومها الواسع ولبس فقط في المجال الإعلامي إذ أنها تعني إلغاء الحواجز الجمركية والثقافية والإعلامية بين دول العالم كافة،أما على صعيد الإعلام فالعولمة هي الخروج من بوتقة المحلية الضيقة والدخول في النطاق العالمي الواسع فلم يعد هناك خبر محلي وآخر علمي إذ أصبحت أخبار العالم معممة ولا مجال لحصر الخبر ضمن أقاليم أو بلدان دون أخرى،وهنا نعود إلى مقولة كررت كثيرا لكنها تفسير بسيط للعولمة الإعلامية وهي أن الأرض قد أصبحت قرية إعلامية صغيرة، وفي الفترة الأخيرة دخلت سورية مجال البث الفضائي أو الإعلام العالمي لكنها دخلته كما فعلت كافة الدول العربية دون استثناء دخلته من باب محلي بحت وموجه لإنسان سوري أو عربي بالضرورة يعيش في الخارج ،إذ أنه ناطق باللغة العربية أولا وثانيا أنه يقدم نفس البرامج التي تقدم للمشاهد المحلي والذي يراعى فيه أن يكون مشاهدا متوسط الثقافة ومتوسط الطبقة ومتوسط الذكاء وبالتالي هي لا تلبي المشاهد المتخصص الذي تتمثل حاجاته الإعلامية بالتحليل والتفصيل والوقوف على الحيثيات.
هذا بالمختصر اعتراضنا على إعلامنا العربي بشكل عام ولكن ماذا عن دور المرأة فيه؟
لقد دخلت المرأة ميادين الإعلام الفضائي وشغلت مساحات واسعة فيه، والسبب الأهم الذي جعل المرأة حاضرة على هذا المستوى ، هو أن هذه التقانات لا تحتاج إلى أي جهد عضلي، وكل ما تستلزمه هو التفكير والمتابعة العلمية.
وعندما نشكر الفضائيات على تخصيصها قنوات خاصة بالمرأة نفاجأ بتواجد مغلوط لوضعها إذ تستخدم كأداة جذب وإثارة وترويج.و يهمش فيها موضوع العقل والتفكير والقدرات الذاتية التي تمنحها الاحترام والتميز على المستوى الانساني وبدل أن تكون العولمة أداة تطوير بالنسبة للمرأة ، أعادتها بشكل أو بأخر إلى الصورة القديمة التي طالما حرص الذكر على قولبة المرأة ضمنها، وهي كونها كائنا جنسياً بحتاً ، وأهمية وجودها تعتمد على هذه الصورة المغرقة في الدونية المتمثلة بأنها أداة لاستمرار نسله، ووعاء لرغبته.
أما محطاتنا الفضائية العربية التي تتخذ من العولمة شعارا عريضا لبثها نجدها لا تخرج عن النطاق المحلي الضيق ولا يتعدى حضور المرأة فيها أكثر من فتنة المشاهد واغرائه بإظهار مفاتنها لجعل أكبر عدد من المشاهدين يتابعون قنواتها ولا يتعدى حضورها الفكري عن مقدمة قارئة للبرامج غير فاعلة بها، وعند تخصيص برامج خاصة للمرأة نجدها لا تقدم إلا آخر أخبار الموضة وتقنيات التجميل الحديثة وبرامج المنوعات الخفيفة، وكأن المرأة لا يهمها من هذه الدنيا إلا التسلية والاهتمام بمظهرها ولا دور لها في الحياة إلا كمتلقي ومستهلك فقط.
وتتناسى الدور الكبير للمرأة في تنشئة أسرتها وتأثيرها في شخصية أبنائها، كلنا يعلم أن الأم هي أساس المنزل وباستطاعة أي منا أن يتوقع مستوى المرأة الفكري والحضاري والثقافي عندما يستمع لأحاديث أبنائها فالمرأة هي مرآة المجتمع وبانيته وليست نصفه فقط.
وعلى هذا تكون المرأة قد أمسكت بفوائد العولمة من ذيولها .