المرأة.. مومياء العروبة والإسلام المقدسة!..



فاتن نور
2007 / 2 / 15


قد يفزعنا الواقع..ولكن هل يفزعنا الخيال!
لنتخيل.. حركة اصلاح سياسي تعم المملكة العربية السعودية..ونظرا لجذرية الاصلاح..تعتلي العرش الملكي امرأة، لتصبح اول امرأة تنال شرف خدمة الحرمين!! وأول امرأة تعتلي عرشا عربيا!!
هل فزعتم من شطحة خيال!...
هل ارعبتكم محض فكرة خرجت عن زنزانة السائد والمألوف!..لماذا؟...

لو قفزنا الى الوراء لنقف على تخوم الربع الأخير من القرن السادس الميلادي، واقتربنا من الاجتماع الذي عقدته الكنيسة الكاثوليكية في اوربا/فرنسا لبحث شأن المرأة، سندرك حجم تلك النظرة الدونية التي حفت تاريخ المرأة،اذ ان محور البحث لم يتعد عن سؤال مفاده..هل المرأة انسان ام لا!..وقد فض الاجتماع لصالح المرأة باعتبارها انسان،إلا انهم اتفقوا على انها انسان مخلوق لخدمة الرجل ليس إلا!...

لو وقفنا على واقع حال المرأة العربية بقفزة مماثلة الى ذات الحقبة وتخومها المعرفية ولكن في الطرف الآخر من العالم،سنجده لم يكن بأسوأ من حال مثيلاتها في الغرب وبقية الاصقاع، إلا ان واقع الحال قد تغير بعد نزول الوحي، فبعد عقود معدودات فقط من ذاك الاجتماع الذي اعلنت فيه الكنيسة عن يقينها المعرفي،بأن المرأة انسان من الدرجة الثانية!.. برزت نصوص ترفع المرأة الى مكانها الطبيعي وتكرم الإنسان بجنسيه- مثلما يثار-،ومنها على سبيل المثال :

(يا أَيُّها النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ) /الحجرات
(ولقد كرمنا بني آدم) / الإسراء
(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )/ البقرة
(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)/ التوية

بعد لهاث تلك القفزة لا بد لنا ان نعود الى واقع اليوم ، ماذا سنرى...

في اوروبا وفرنسا تحديدا..سنرى سيغولان رويال،امرأة،زوجة وام لأربع،تشق دربها وبكل اناقة نحو قصر الأليزيه بعد فوزها على رئيس الوزراء الأسبق فابيوس ووزير الاقتصاد الأسبق دومينيك ستروس داخل الحزب الأشتراكي، ولتثبت اقدامها كأول امرأة ترشح لمنصب الرئاسة في تاريخ الحزب وأول امرأة مرشحة لرئاسة الدولة الفرنسية..تلك صورة..
...وصور كثيرة لا تحصر عن حضور المرأة الفاعل في جميع نواحي الحياة،ولعل حضورها في الواجهات السياسية القيادية، والأقبية البرلمانية كعضو ناشط،بل كقائد اول لبرلمانات دول عظمى،كقائد لأحزاب وتيارات فكرية وكحامل لحقائب وزارية،لعل حضور كهذا يجعلنا نقف على حجم التغيير الجذري الذي اصاب قيمة المرأة فرفعها من دركها السفلي ومنحها دورها الطبيعي لممارسة الحياة بكافة اصعدتها، فلا تحجيم تقره ضرورة مطلقة....

اليوم المرأة تلتقي المرأة لا للثرثرة والتحدث عن الطبيخ والتفريخ..فرئيسة تلك الدولة تلتقي نظيرتها/نظيرها، ووزيرة خارجية تلك الدولة تلتقي نظيرتها/نظيرها، للتحاور الدبلوماسي في قضايا محورية عالمية،اصبحت الدول تتواصل مع بعضها البعض، تفض نزاعاتها او تصعّد،تبرم المعاهدات او تفسخ.. وما الى ذلك من امور..
عبر طاقات نسائية وكفاءات اثبت قدرتها على الأدارة والقيادة،على منافسة الرجل ومشاركته لمعالجة متغيرات الحياة وتشعبات المصالح وتسيير دفة الحياة..لو تأملنا دور المرأة في الحياة السياسية ما بعد الحرب العالمية الثانية سنجد ما يقارب الخمسين امرأة تقلدت منصب رئيس/رئيس وزراء( ناهيك عن المناصب القيادية الأخرى) في دول كثيرة منها..افريقيا الوسطى،مالطة،جزرالأنتيل الهولندية،الباكستان،الهند،نيكاراغوا،منغوليا،غيانا،الصين الشعبية،اسرائيل،رواندا،كندا،البرتغال،ايسلندا،فنلندا،نيوزلندا
...ودول كثيرة لا نجد من بينها دولة عربية واحدة!..ولو نظرنا الى السلطة السياسية العالمية اليوم سنجد للمرأة اشراقة متصاعدة لا يستهان بها..

الفارق الكبير بين صورتي الأمس واليوم في الطرف الآخر من العالم يجعلنا- لربما- نقدر حجم الجهد الأنساني الذي بذل والذي تفجرت خلاله ملكة العقل بطاقات فكرية،ثورات اصلاحية وفلسفات انسانية انتشلته من حضيض الفهم التقليدي لقيمة الأنسان..
لو نبشنا كل ما يقع بين الصورتين من تاريخ مديد،سوف لن نخرج بمعجزة آلهية نسخت الصورة الدونية لواقع المرأة آنذاك الى صورتها الأنسانية الفاعلة في عصرنا هذا، ما نسخها هو العقل الأنساني وقدرته الفذة في التغيير والإبتكار،في انتاج المعارف والعلوم،ومعالجة الواقع ومقارعته بأدوات عصره..

اما الفارق الكبير بين صورتي الأمس واليوم في طرفنا نحن فقد يبدو مفزعا..ويجعلنا- لربما- نقدر حجم الجهد الأنساني ونوعه الذي بذل بموازة الجهد المبذول على سوح الطرف الآخر ولكن بالإتجاه المعاكس،فبعد تلك النصوص التي بدت مشرقة ومتفوقة آنذاك، اذ رفعت المرأة الى ذروة المجد والتعظيم،وقمة التكريم والتبجيل، نكاد لا نصدق حجم البؤس الذي حف واقع المرأة في كافة ميادين الحياة في عصرنا هذا...
فبينما تناضل امرأة هناك لقيادة دولة..تناضل امرأة هنا لقيادة مركبة!..ولا اطيل في سرد الأمثلة..

سوف لا نصدم فيما لو وصلت سيغولان - الأفرنج- الى كرسي الرئاسة فالديموقرطيات الغربية تعبث بها النساء مذ حين!!..
لكننا سنفزع لو وصلت سيغولان- العرب- الى عرش ملكي او اميري او جمهوري ..
..لماذا ؟
..مالذي ينقص المرأة العربية المسلمة؟
مالذي ينقص عقولنا كي نستوعب زعامات نسائية في شتى ارجاء العالم ولا نستوعبها في بلداننا ؟
لماذا حققت المرأة الغربية حضورا مميزا في الميدان السياسي وغيره من الميادين بينما تقوقعت نظيرتها العربية اسيرة دورها النمطي؟
هل نساء الغرب اكثر حيوية وكفاءة من نساءنا؟
هل لنا ان نقيس مدى تحضر الشعوب بمدى تفوق المرأة، واضعين نصب اعيننا تاريخها المرير وصرحها السقيم الذي ابدعته حضارة الإحتكار الذكوري..؟
هل نسأل كم تحضرنا ام كم تخلفنا حين نطل برؤوسنا على واقع المرأة؟
هل تفوقنا على الفراعنة بصناعة المومياء المتحركة بالطاقة الظلامية!!..هل ما قلته يبدو مضحكا.. هيا لنضحك جميعا على خيبتنا...
كيف نرد الشبهات في الداخل والخارج الاسلامي تلك التي تثار حول قيمة المرأة ومكانتها،والواقع يشي بتكريس تلك الشبهات وتتويجها بالقانون..

كيف نبوب مكانة المرأة المدججة بذروات وقمم مستعصية الفهم اذ لا واقع يجسدها،فهي حبيسة الواقع الأفتراضي/التجميلي المكتوب،واسيرة الصورة الرمزية المتسمرة في بطون امهات كتب التراث التي صعدت بالمرأة الى عنان السماء بخفي حنين(هذا لو اغفلنا تلك الكتب التي وضعت المرأة جنبا الى جنب الحمار والكلب،وما شاكلها)،ومتون كتب الفقه والتشريع التي سوقت الجميل باضعاف وزنه،وأوّلت الدميم وجمّلت دمامته،صنعت من المستقبح مستحبا،ومن المستحب مستقبحا وحسب العرض والطلب،واطنان مجلجلة لا تحصر من أطروحات التنظير والتطبير بين الشرق والغرب،التي اثرت مكانة المرأة ولكن في سلال اللغو والثرثرة حصرا وحشرا،تلك السلال المعلقة على هامش الحياة والفكر الأنساني بلا رصيد يلامس ارض الواقع..
تساؤلا ت كثيرة...وللحديث لا بد من بقية...

فاتن نور
07/02/13