معاناة المرأة في العراق اليوم



صباح قدوري
2007 / 3 / 8

في الوقت الذي نحتفل بيوم المرأة العالمي في 8 آذار/ مارس من كل سنة، نجد ان معاناة المرأة العراقية لاتزال متواصلة ومتفاقمة وتواجه صعوبات وتحديات كبيرة.ان وتيرة التقدم في مجالات المساواة بينها وبين الرجل ما زالت بطيئة جدا وفي تراجع مستمر،وبذلك اصبحت هي المتضررالأول في بنية المجتمع العراقي . تعرضت المرأة العراقية خلال العقود الماضية وخاصة في فترة النظام الديكتاتوري المقبور الى ابشع اشكال الاضطهاد والارهاب والقمع والتفرقة والقتل والحروب والحصارات والمعانات اليومية. واليوم يستطيع اي مراقب للوضع العراقي التأكيد، بان البلاد غارقة في صراعات طائفية وعرقية ومذهبية ودينية بالاضافة الى موجات العنف والقتل والاختطاف الاعشوائي، حيث وتشارك فيها مليشيات، وفرق موت، وقوات مرتزقة، وبقايا ازلام النظام السابق، وتنظيم القاعدة، واستخبارات دول تطمع الى توسيع نفوذها في العراق، مع استمرار حالة الاحتلال الى اجل غير مسمى،هذا بالاضافة ايضا الى ضعف في اداء الحكومة لمهامها السياسية والوطنية والاجتماعية والاقتصادية في العراق الممزق.ان عشرات الارواح الذين يختفون يوميا ويخلفون ورائهم زوجات محطمات،عليهن ان يكافحن لاطعام عوائلهن ويفرضن احترامهن. كما تسبب عمليات التهجير القسري الطائفي، في نزوح الآف الاسر العراقية من بيوتها ومدنها بحثا عن الامان في مناطق اخرى داخل وخارج العراق، ويؤثر ذلك على جوانب الحياة في الاسرة العراقية ، التي تتحمل المرأة فيها المسؤولية اللأولى . لقد تحملت المرأة العراقية نتائج ما يحدث على الساحة العراقية من قتل على مستويات عديدة ابتداء من البيت الى العمل والمدرسة والجامعة. لقد ترملت الكثير من النساء ، وفقدن الازواج والابناء والاباء والاخوة، وازدات من الضغوطات النفسية عليهن وكذلك في اعباء الحياة ، فضلأ عن عمليات الاغتيال التي تعرض لها النساء من قبل بعض الحركات المتطرفة . أن النظرة الضيقة في العلاقات بينها وبين الرجل في الحياة الخاصة والعامة،لاتزال سائدة في المجتمع العراقي، وخاصة في المناطق النائية، رغم ان القوانين تنص على المساواة الافتراضية بين الجنسين، لكن الواقع يعكس تهميش تام للنساء ولا يترك لهن اي خيار في اتخاد القرار بخصوص حياتهن،واصبحت كثير من الارامل مجبرات على الزواج باشقاء ازواجهن،او فرض الحجاب الاجباري،اومنع الخروج الى الشوارع وحرمان من الذهاب الى المدارس واماكن العمل،وامام أنظار أسرهن وأطفالهن تم قتل واغتصاب وقطع روؤس ورمي جثث في الشوارع والاحياء السكنية وغيرها. لقد تفاقم مؤشرالعنف المنزلي والنفسي ضد المرأة، والذي يقع في خانة الحوادث غير مسجلة،وذلك بسبب ضعف التشريعات والتعتيم الواضح على هذه الظاهرة،سواء من قبل الموسسات الحكومية او من مؤسسات المجتمع المدني المعنية، هذا بالاضافة الى عدم تملك المرأة العراقية ضمن الوضع الراهن،وعي تام والقدرة المعنوية والمادية والثقافة القانونية، لجمع الادلة والوثائق اللازمة لاثبات ذلك والدفاع عن نفسها.لازال تتهم المرأة وتحمل المسؤولية في قضايا الانفصال والطلاق، وبذلك تصبح الضحية الأولى في هذه العملية، ويالتالي لا تضمن لها فعليا كافة حقوقها الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بسبب ذلك. هذا بالاضافة الى محاولة التقليل من شخصيتها الاجتماعية والنظرة الاستخفافية اليها من قبل المجتمع ، وتحميلها كل النتائج السيئة الناتجة من جراء عملية الانفصال والطلاق.لاتزال فكرة تعدد الزوجات قائمة في المجتمع العراقي، ومتفاوته بين الريف والمدن، لكنها اصبحت ظاهرة شائعة في الاونة الاخيرة ،ولا تنسجم مع روح العصر ومبدء المساواة بين الرجل والمرأة.وهي ظاهرة تؤدي الى تفكك في الاسرة من النواحي كافة منها الاسرية والتربوية والاخلاقية.فلابد من حصرهذه الظاهرة،وذلك عبر الارشادات والتوجية والتوعية التربوية، كي نصل الى نتائج ايجابية اساسية لنجاح الحياة الزوجية المستقبلية.في مجال العمل، ما زال الوضع بائس، وان نسبة تفشى البطالة في صفوف المرأة العراقية، لاتزال عالية وشروط العمل غير متساوية، منها في مجال الاجور والرواتب والمناصب القيادية في العمل،وخاصة في القطاع الخاص،هذا عدا عن ظاهرة التحرش الجنسي التي تمارس وتعرض النساء اللاتي يتقدمن بالشكاوي الى الملاحقة والحصار وغيرها من المضايقات والاجراءت التعسفية ضدها، فابسطها مثلأ، انهاء عملها.ان عدم ضمان مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، يعوق نمو ورخاء المجتمع والاسرة،ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة، وبالتالي نرى النساء في حالات الفقر،لا ينلن الا ادنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الاخرى.
كشف "تقرير التنمية الاسانية العربية للعام 2005 " الذي اصدره برنامج الامم المتحدة الانمائي،ان اوضاع النساء في المنطقة العربية شهدت "تقدما جزئيا" لكنها لا تزال تعاني تميزا في غالبية المجالات.واشار التقرير الذي حمل عنوان " نحو نهوض المرأة في العالم العربي" الى "فجوة معرفية" بين الاناث والذكور في المنطقة بسبب التميز بين الجنسين في التعليم. تعاني المراة العراقية تفرقة واضحة في مجال التعليم .ان نسبة تفشي الامية بينها هي اكبر بكثير من الرجل، لذا يجب ان تعامل المرأة بنفس مستوى الرجل،من خلال تخصيص مقاعد دراسية كافية لها، في جميع مراحل الدراسية المختلفة ، وتحفيزها للدراسة من خلال الدعم المادي، وضمان تامين العمل لها بعد اكمال الدراسة ، وخاصة في مستوى التعليم الجامعي والدراسات والزمالات العليا في الداخل والخارج .واكد التقرير ان النساء لا يحصلن على رعاية صحية كاملة ، كما ان مشاركتهن السياسية "رمزية" على رغم التقدم في هذا المجال.كما واشارملخص التقرير الذي عرضه كبير معديه عالم الاجتماع الدكتور نادر فرجاني، الى ان "العمليات السياسية في البلدان العربية ما زالت بعيدة عن تمثيل المرأة ومتطلباتها وشواغلها"على رغم ان " الضغط الاجتماعي ادى الى تحفيز تغيرات ايجابية معينة".غير ان "دور المرأة في الحكومة ومركز القرار ما زال مشروطا وتجميليا، ومشاركتها اتسمت بالطابع الرمزي، من دون مد التمكن الى القاعدة العريضة من النساء". رغم ان الدستور أقر ضمان حقوق المرأة في المشاركة السياسية وغيرها بشكل يتساوى مع حقوق الرجل في المجتمع باسره،وحدد نسبة مشاركة المرأة في الجمعية الوطنية العراقية بحد ادنى لا يقل عن 25%من مجموع اعضاء الجمعية ، الا ان دور الفعلي للمراة ، سواء في البرلمان او في المناصب القيادية للحكومة، اوتوليها للوظائف في مجال السلك الدبلوماسي والمنظمات الدولية في الخارج، او في نشاط السياسي والعمل في منظمات المجتمع المدني، لاتزال ضعيفة وفي تراجع مستمر، ولا تتناسب مع طموحاتها وقدراتها الحقيقية.
ان الانظمة الديكتاتورية القمعية عملت على تلاعب بقضايا المرأة العراقية حسب مصالحها السياسية، واليوم تعاني المراة ايضا من صعود حركات الاسلام السياسي الى السلطة، وان ازمة مع الاسلاميين لا تربط فقط بخطابهم ونظرتهم المحافظة ازاء مكانة المرأة، وانما في ايديولوجيتهم الاوسع.
وضمن هذا المشهد الماساوي الذي تمر بها المرأة العراقية، وتهميش دورها في المجتمع والتي تشكل اكثر من نصفه، فان النساء نلن نصيبا مزدوجا من الانتهاكات الجسيمة تحت وطاة الاغتيالأت والخطف التي تتعرض لها على يد جماعات مسلحة وفي مناطق مختلفة من العراق، هي حربا ضد المرأة والانسانية. كما ان التركيبة القبلية والعشائرية للمجتمع وعقل الرجل العراقي لا يعطيها هامشا كبيرا،ولاتزال تسود فيها عادة قتل المرأة على خلفية( الاخلال بالشرف )، وتدين بهذه العادة وتمارسها كاسلوب تربوي يهدف الى ما يسمى بالحفاظ على سمعة العشيرة او العائلة ومكانتها في المجتمع!!!،وغيرها،هذا بالاضافة الى وطاة الاحتلال وزج مئات منهن في السجون العراقية والامريكية.
واليوم تتزايد بشكل مستمر ومنتظم هجمات وحملات التفرقة بين المرأة والرجل من قبل بعض رجال الدين من الخطباء في الجوامع وفي المناسبات الدينية،ومدعومة بالمقالات من قبل مؤيدي الفكر السلفي.وذلك باعتبار المراة "بانها مخلوقة فقط لانجاب الاطفال والقيام بالاعمال البيتية"، و يؤكدون على، "بان مسالة المساواة بينها وبين الرجل اصلأ غير موجودة،والذين يدعون بذلك،هم من اناس البعيدين عن مشيئة وارادة الخالق، الذي خلق الانسان من الجنسين الذكر والانثى،المختلفين بيولوجيا ووظيفيا وفي الحقوق والواجبات، ويبقى هذا الخلاف الى ابد الابدين"!!!.ويؤكدون ايضا " بان الحجاب فرض من فروضه(عز وجل)،وانه لابد منه ولا غنى عنه لتفادي الفسق والرزيلة والزنى وغير ذلك من محرمات (سبحانه وتعالى)...، وهو رمز اخلاق المراة، ويعبرعن الهوية الدينية والقيم الاسلامية!!!"، وغير ذلك من الأفكار والاقاويل الباطلة التي لا تمس باية حقيقة دينية اوقانونية اوانسانية اواخلاقية تجاه هذه المسالة. بالتاكيد لا تمت افكار اصحاب هولأء الى الدين بصلة، وهي تدل وتعبر عن فكر التخلفي والثقافي والسياسي والاجتماعي السلفي لدى هؤلأء الناس تجاه قضية المرأة العادلة والفارضة نفسها ضمن متطلبات وجوهر العصر، والتي يجب الاهتمام بها ومعالجتها على صعيد الدولة والدين والمنظمات المعنية.
وبهذه المناسبة نتذكرالابيات الشعرية الخالدة للشاعر الكردي جميل صدقي الزهاوي ، قالها قبل اكثر من سبعين عاما، ولاتزال تشكل منعطفا تاريخيا ثوريا في مجال الدفاع وتحرير المرأة العراقية ، عندما قال:
مزقي يا ابنة العراق الحجابا
واسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه واحرقيه بلا ريث
فقد كان حارسا كذابا
متى يتم رفع الظلم والتبعية والتفرقة عن المرأة التي تعاني من كل هذه المأسي وعدم الاحترام؟!.
يجب ان تقوم المؤسسات الثقافية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني وخاصة النسوية وحقوق الانسان منها بدورها ومسؤوليتها الاخلاقية والانسانية والتاريخية،على رفع المستوى الثقافي والوعي للمرأة ، لكي تتحصن من اي هجمة ثقافية تحجم من دورها في المجتمع.التخلص من العادات والتقاليد البالية التي تثقل كاهل المجتمع،واعادة النظر في السياسات المتبعة نحو تاهيل الاسرة ومساعدتها في القضايا الأجتماعية والأقتصادية والثقافية، فضلأ عن التعاون والتنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة لوضع الحلول اللازمة من خلال اجراء المسوحات والاحصائيات لما تعانيه المرأة والاسرة العراقية. من الضروري ايضا تعديل المادة 41 من الدستور العراقي الجديد والخاصة بالاحوال الشخصية،والمهيمن عليها روح المحاصصة والطائفية والدينية،وخاصة ما يخص منها بحقوق المرأة العراقية،ورفض لمبداء مساواة المرأة بالرجل،من خلال جعل الشريعة الاسلامية اساسا في معالجة قضايا الزواج والطلاق والميراث والنشوز والنفقة والمهر والحجاب وغيرها.من الضروري التاكيد على ضمان بقاء قانون الاحوال الشخصية(188) لسنة1959 المعدل وتفعيله، لكونه شاملأ ويعزز روح المواطنة لدى الجميع، ويتضمن على الضمانات الاكيدة لحقوق المرأة العراقية. كذلك ضمان جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، وجميع الوثائق الدولية التي تقر بمساواة المرأة بالرجل في كل حقوقها. والاخذ بشكل جدي في حل مشاكلها،وتفعيل دورها في المجتمع من خلال اشراكها في صنع القرار السياسي والاجتماعي والنشاط الاقتصادي.
اجمل واحر التهاني القلبية الى المرأة العراقية ونساء العالم اجمع ، بمناسبة عيدها العالمي. فلننتهز هذه الفرصة وكل المناسبات الاخرى،لنشارك ونحتفل ونعلن فيها جميعا، تضامننا مع نضلات المرأة العراقية،ومن اجل الحرية والمساواة والسلام وحقوق الانسان والديمقراطية وحماية المرأة والاسرة والدفاع عن حقوقها المشروعة ،وانهاء كل اشكال العنف والارهاب والقمع والتميز ضد النساء، في اية بقعة من الكرة الارضية.واتمنى ان تصبح مسالة حقوق المرأة في عراقنا الحديث ، موضوع اهتمام كل الخيرين والمهتمين بشؤون المرأة ،وجعل قضيتها في المقام الأول، وذلك من اجل الاقرار بدورها الفعلي من خلال مشاركتها في صنع القرارات لبناء عراق جديد ينهض بمهامه الوطنية، وتوحيد الجهود والحفاظ على السيادة الوطنية، والقضاء على العنف والارهاب باشكاله المختلفة، وبناء واعادة بناء الاقتصاد الوطني في اطار (استراتيجية التنمية الوطنية المستدامة)، ورفع شان العراق في المحافل، الاقليمية، والدولية، والعالمية.