حقوق المرأة..وعي في الحرية/اسئلة في الضرورة...............ملف المرأة



علي حسن الفواز
2007 / 3 / 8

حظيت حركة حقوق المرأة بزخم واسع من الاهتمامات الدولية التي كرست شرعيتها اعلى جمعية استشارية في العالم من خلال اعلان عقد الامم المتحدة للمرأة في المكسيك عام 1975 ،والذي وضع اللبنات الاساسية لقيم التصدي لكل الظروف المعرقلة لتكريس حقوق المرأة ضمن اطر قانونية وتشريعية ، فضلا عن هذا الاعلان العالمي وضع في اجندته اتجاهات الشروع نحو توسيع مديات هذه الحقوق من خلال تعزيز دورها في التنميات الاقتصادية الوطنية،باعتبار ان التنمية هي المجال الاوسع للتكافوء والحراك الحيوي في جوانب تكريس الحقوق الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والخدماتية والاسرية ..
لقد كرس القرار3505 (د-30) الذي اتخذته الجمعية العامة في اعقاب مؤتمر المكسيك هذه الاتجاهات من خلال التأكيد على ان(( دور المرأة في عملية التنمية يجب ان يكون جزءا لايتجزأ من اقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد) والذي مهد فيما بعد لصدور الكثير من الاتفاقيات التي تنص على القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة والتي دعت جميع الدول الى التوقيع عليها والالتزام بنصوصها وانتهاج كل الوسائل للقضاء على ظواهر التمييز ضد المرأة وتجسيد ذلك في دساتيرها الوطنية وكلك في التشريعات الاخرى ،ووضع كل الكفالات الضامنة لذلك.. وقد كان العراق من الدول التي وقعت على هذه الاتفاقية عام 1981 رغم عدم توقيعه على الاتفاقية الخاصة بالاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة،وهي التي وردت في لائحة حقوق الانسان الدولية التي صدرت في 10/ك1 /1948 والتي اعترفت بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية للانسان الذي يعني في شموله الرجل والمرأة...
ان تعزيز القيم الانسانية لنضال المرأة الاجتماعي والفكري ينطلق من وعي الضرورات التي تجعل من مسؤولية المرأة اكثر فاعلية في الحراك السياسي ،على اساس ان ما تحقق للمرأة العراقية خلال السنوات الماضية يعدّ مكاسب مهمة ينبغي وضعها في السياق الصحيح الذي يفعّل كل الجهود والامكانات التي تدفع بالواقع الاجتماعي العراقي الى مديات اكثر تعبيرا عن قيم الحرية والنضال الديمقراطي ،ومنها الغاء القرار 137 الصادر عام 2004 فضلا عن ما حظيت به من الحقوق الدستورية في مجال الحصول على مقاعد برلمانية ومسؤوليات وزارية وادارية وبنسبة 25% والتي وضعت قواعد مهمة على طريق تعزيز دور المراة في العملية السياسية و شراكتها ومساواتها الاجتماعية والسياسية، واعترافا بدورها الفاعل في مستقبل البناء الاجتماعي ..
و لاشك ان هذه الاستحقاقات التي تجسدت في اطار البرنامج السياسي تدعو بالمقابل الى شرعنة كل الامكانات التي من شأنها ان تعزز هذه المكاسب على صعيدالاستحقاق الوطني العام وعلى مستويات الثقافة الاجتماعية ،والعمل على تواصل الجهد الخلاق عبر اليات النضال السلمي المشروع باتجاه الغاء كل القوانين السابقة المجحفة بحق المرأة و شرعية دورها الكامل في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية..
ان تنشيط الفاعلية الثقافية التي تنطلق من وعي اهمية دور المرأة في بناء المجتمع المدني ،وتنمية الخبرات والكفاءات في مجال البناء الاجتماعي والثقافي ،يعكس في جوهره ضرورة التوافر على حقائق ومعطيات الوعي الحقوقي الاساسي الذي يعزز الجوانب الايجابية في تنمية العلاقات الانسانية داخل العائلة والمؤسسة والبنيات الاجتماعية الاخرى بما يسهم في انشاء اطر اخلاقية وحقوقية وثقافية تكفل حماية المرأة والاسرة والطفولة، وفي تأمين الشروط الحقيقية لعمل المنظمات المدنية في مجال حقوق الانسان لكي تعزز الجهود التي تتعاطى مع مشاكل خطيرة في بنية المجتمع العراقي ومنها مشكلة الامية خاصة بين النساء ومشكلة البطالة وضمان حقهن في العمل دون تمييز ،ومشاكل قوانين الاسرة والاحوال الشخصية والحقوق المدنية للمرأة ،والتي تحتاج الى جهود كبيرة ليس باتجاه وضع برامج واسس لتقعيد فلسفة الاطار الدستوري الكافل لحقوق المرأة فقط وانما السعي الجاد لتعميق المديات الثقافية الاجرائية في المجالات الدستورية والحقوقية والديمقراطية والمهنية ،والدعوة الى تشكيل مؤسسات مدنية تتبنى الدفاع عن المرأة وحقوقها الاساسية الواردة في الاتفاقيات الدولية ومنها (مناهضة التمييز ضد المرأة وحقوق الطفل وتحريم التعذيب)..
ولاشك ان الدفاع عن حقوق المرأة لايعني التجاوز على الاعراف الاجتماعية المكرسة في بيئتنا الاجتماعية والثقافية ،وتخليق فضاءات ومفاهيم وسلوكيات قد تستغلها بعض القوى لمنع المرأة من التمتع بكامل حقوقها الانسانية والدستورية ،وانما هو الدعوة الى الالتزام الامين بالكثير من الحقوق التي شرعها القرآن الكريم والسنة النبوية والتي تضع المرأة في مكانها الاخلاقي والقيمي الصحيح بعيدا عن التخريجات التي حاولت ان تقسر حرية المرأة وحقوقها وتضعها في اطار محدد من التحريم والعزل الذي يهمش دورها الانساني والتربوي والاخلاقي في بناء المجتمع واجياله ...
ان البحث عن منطلقات جديد لنشر مفاهيم الثقافة الحقوقية بين النساء يحتاج الى بناء اسس متينة تنطلق في جوهرها من ايماننا باننا نبني دولة حديثة تؤمن بالمساوة والحقوق المدنية للافراد والجماعات ،وتؤمن بالخيارات الديمقراطية التي تحترم الانسان وشرعية انتماءاته الاثنية والعرقية والقومية وتعدد خياراته السياسية والثقافية ،وهذا يضع المرأة في ذات المستوى الاجتماعي مع الرجل من حيث الحقوق والواجبات بعيدا عن كل المقاييس التي تفترض حساسية النوع الاجتماعي(الجندر) والجنس ،وما يمكن ان يؤثراه على طبائع السلوك الاجتماعي والخيارات العملياتية في جغرافيا الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ....
ومن هنا تبرز اهمية الفاعليات الثقافية كعنصر مؤثر في تفكيك الكثير من اشكالات الوعي السلبي النكوصي وتأمين الشروط الميدانية والاجرائية لتكريس خطاب الوعي الحقوقي الانساني من خلال نشر وتعميم مفاهيم الثقافة الحقوقية والدستورية وتوفير الشروط اللازمة لعمل المنظمات النسائية المدنية ودعم انتاج وتسويق البرامج الثقافية للمرأة في وسائل الاعلام وفي اطار عمل المؤسسات الثقافية المدنية ،وتوفير اليات الدعم المادي لانجاح واستمرار هذه الفاعليات ..
ولعلنا ندرك ان الواقع الاجتماعي العراقي بكل عقده ومخزوناته الاشكالية يعاني الكثير من الاشكالات التي تواجه وضع اليات وعي هذه الحقوق في سياقها المدني والاخلاقي والاجرائي امام تعقيدات خطيرة ، وربما امام ضغوطات تصطدم بمخلفات الوعي الشعبي وانماطه الرهابية الصادمة ،فضلا عن تداعيات مرحلة ما بعد سقوط النظام الشمولي بكل اشكالها العنفية والارهابية وانماط ثقافتها المتخلفة ..،ولكن ثقتنا بنضال المرأة الاجتماعي وثقتنا بقوى التنوير الثقافي والسياسي عبر تعدد اطيافهم السياسية والاصرار على اعطاء الجميع حقوقهم وامتيازاتهم في اطار الدولة الدستورية المؤسساتية الديمقراطية،، يشكل ضمانة تستحق مواصلة الجهد والنضال والاصرار ،لتكريس علامات مهمة وحقيقية على طريق البناء الحضاري الانساني للدولة الجديدة ومنع ظهور أي شكل من اشكال القهر الاجتماعي والظلم الانساني ضد أي مكون من مكونات المجتمع ...
وهذا ما يؤكد اهمية الثقافة الحقوقية والدستورية التي تعمق فاعلية الوعي وتدفع باتجاه ايجاد اطر تشريعية وقانونية وثقافية تنحني على تأمين المسؤوليات الكافلة لها وكذلك استمرارية فاعليتها في الاداء والتواصل،مثلما تدفع باتجاه الدفاع عن حقوق شرعية تمثل حقوق الانسان في ضرورات الوجود والحرية والرفاهية والمعيش وبناء الحياة الصالحة في اطار كفالة دستورية وقانونية..