عانس سعودية تبث أوجاعها لقساة قومها



محمد عبد المجيد
2007 / 3 / 7


أوسلو في 2 مارس 2007

مَنْ يحمل قضيتها؟
من يبعث رسالتَها؟

تخيلتُها وهي بين الجدران الأربعة، تنتظر أنْ يأتيها وليّ أمرها بخبر لطالما صرختْ كل مسامات جسدها باحثة عنه، وقامت لله، تعالى، آلاف المرات قبل وبعد صلاة الفجر تدعوه أن يستجيب لها، ولكنها واحدة من مليون أو مليونين أو أكثر من نساء المملكة العربية السعودية اللائي تعففن حتى يأتي الله بأمره، ولكن المؤسسة الدينية اختطفت أمر الله وضنّت به عليهن.
تقترب الفتاة من عامها الثلاثين أو الخامس والثلاثين أو يجري الصفر حثيثا محاولا الوقوف بجانب الأربعة لتودع مع الأربعين فرصة الزواج، لكن المجتمع منشغل بقضايا أخرى، وقسوة الرجل تختبيء ظلما وجورا خلف تعاليم دينية ليس لها من الاسلام سند أو دليل أو برهان نصف ساطع.
المجتمع كله يدفن رأسه في الرمال، ويلقي بالتبعة على القضاء والقدر، ويطعم تلك المسكينة خليطا من الصبر والإيمان بالغيب مهددا ومتوعدا إياها بالويل والثبور إن اشتكت لغير الله.

كيف تراه؟
إن الرجل الذي خلقه الله وخلق المرأة وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا ينبغي أن تهيَء لهم، رجالا ونساء، فرصة التعارف العفيف، والثقة الأسرية والعائلية، وأن تذهب تلك الوساوس والشكوك إلى الجحيم.
كيف لتلك المسكينة التي تغطي وجهها خشية أن يراها رجل فيبتهج الشيطان ويقيم حفلا صاخبا بمناسبة رؤية رجل لوجه امرأة يعلن فيه انتصاره على قوى الخير أن تتزوج؟
الحل الوحيد أن يتفضل ( الرجل ) ويتحدث مع رجل آخر، ويصف امرأة أو فتاة مختبئة خلف خمار، ثم يأتيها خبر الموافقة أو الرفض دون أن تنبس ببنت شفة.
في الثانية عشرة من العمر تخطو أولى مراحل البلوغ، ويتعرض الجسد لتغييرات سريعة، وتنتصب الشهوة، ويتلقى الخيال مئات من الصور المختلفة التي لا تستطيع أي مؤسسة دينية أن تطاردها.
إنها فترة الاعداد للخصوبة، وبعدها بعدة سنوات يكون العقل قد استعد نضجا وفكرا وحرية اختيار ليساهم في تشكيل الرأي النهائي، فهناك ملايين من الرجال تراهم ويرونها في مجتمع تكون مهمة السلطة فيه توفير الأمن والأمان.
لكن كيف بالله عليكم تستقيم أمور امرأة بين جدران أربعة، وإذا خرجت فتخفي نعمة الله عليها وهو الوجه الذي تتعرف من خلاله على الناس، ويعرفها الآخرون، وتكتمل منظومة الانسجام أو التنافر بين نصفي المجتمع؟
كل يوم يحمل أملا، وكل ليلة تأخذ معها ما بقي من أمل الأمس لتضيف جزءا متناهيا في الصغر من يأس الغد..
وبعد سنوات من العذاب، والأوجاع، والآلام، والحرمان يكون الخيال قد اُنهك تماما، وتصبح المساحة التي يحتلها اليأس أضعاف تلك التي كان الأمل يرتع ويلعب فيها.

الجنس .. هذا الحاضر الغائب مسموح للرجل أن يتحدث عنه، وأن يتباهي به، وأن يحدد مواقيته وشبقه، وأن يتزوج متى شاء وكيفما أراد، أما تلك المسكينة التي لا تريد أكثر من رجل واحد لها فقط، تراه ويراها ولو كان كل أفراد الأسرة حاضرين، فأحلامها تحت أحذية قساة رجال قومها.
إن عليها أن تقبل القضاء والقدر، أما الرجل فيصنع القضاء والقدر.
لماذا لا تخرج المرأة كاشفة وجهها، منخرطة باحترام في مجتمعها، متحدثة مع الآخر وهي مسؤولة أمام الله وضميرها؟
إن تغطية وجه المرأة في المجتمع السعودي مسؤول مسؤولية شبه كاملة عن أوجاع وعذابات وآهات ودموع عوانس الدولة.
سيقول القساة وغلاظ الروح والقلب بأنها دعوة للانحلال، وأن المرأة ملكة في بيتها يأتيها رجل لا تعرفه لكن ولي أمرها يشهد على خُلُقه، ثم تراه لمرة واحدة كأنه لعبة حظ أو ورق كوتشينة، ولد .. رجل .. شايب!
هذا المرض المزمن الذي صنعه الرجل ضد الرجل، فوصف الرجال بأنهم ذئاب إن شاهدوا وجه المرأة لن يتركوها بسلام تناسوا أنه أيضا من الذئاب.
إننا في عصر الانترنيت والفضائيات فإذا فجرت تلك الثورة التكنولوجية المخيفة رغبات مكبوتة لدى عوانس المملكة فإن طوفانا قادما قد يقلب الحياة عاليها سافلها، وحينئذ لن تستطيع المؤسسة الدينية أن تستخدم عصاها أو ترفع المصاحف فوق ألسنتها أو تطلب التعفف حتى يأتي أمر الله.
الحياة الزوجية حق للمرأة واختيارها شريك المستقبل أولى تلك الحقوق.
عندما تبلغ الفتاة السعودية عامها الثلاثين ولم يتقدم لها رجل مناسب لأنها خلف خمار أو نقاب ولا تعمل في مكان فيه رجال يرونها فإن جريمة حرمانها من الزواج يتحملها كل رجل في المملكة سواء من السلطة أو من المؤسسة الدينية أو من أهلها.
في العام الثلاثين تكون الفتاة قد اتجهت قبلها بخمس سنوات إلى العد التنازلي في الخصوبة، ولا يبقى غير الحرمان والبكاء ومشاهدة قصص الزواج والحب الأخرى والحلم بطفل تضمه إلى صدرها وترضعه، ومزيد من الانهاك للخيال الذي لا سطوة لأحد عليه ، فإذا كان الرجل يحلم بالحور العين، فإن تلك العانس التي هدتها، وأرهقتها، وأتعبتها الرغبة الجنسية لأكثر من خمس عشرة سنة لن تكون إلا حطاما صحيا ونفسيا وعصبيا يتحرك كأنه امرأة أو .. بقايا امرأة.
الاحصائيات الرسمية تقول بأن عددهن بلغ المليون فتاة سعودية عانس.
وغير الرسمية تضاعف العدد ضعفين أو أكثر.
إنها جريمة بكل المقاييس يشترك فيها أولو الأمر والمؤسسة الدينية ورجال المملكة وقساتها والمصلحون والعلماء والاعلام والمثقفون والأحرار ..
أكاد أسمع نحيبها وهي تضع وجهها الناعم الأملس فوق وسادتها، أو تسجد لله في صلاتها وتدعوه أن يرسل إليها شريك العمر، ووالد أبناء وبنات يملئون عليها البيت حبا ورحمة وضحكا وضوضاء..
يغمض الرجل عينيه، ويغض الطرف عن أصل المشكلة، ربما لأنه ليس أبا لابنة تتقلب على نار في كل ليلة، وليس أخا يقرأ ما في عيني أخته من حزن عميق.
الحل هو المرفوض من قبل أصحاب الشأن!
أن يثق الرجل في ابنته وأخته وابنة بلده ، وأن يعلم أن شرط التعفف الذي وضعه الله لم يكن اخفاء الوجه، بل إن اخفاء الوجه خلف نقاب أو خمار هو الذي أدى لظهور أم الجرائم في حق الفتاة السعودية، أي الحرمان من أحضان زوج وقبلات طفل .
كل الرجال السعوديين مشتركون بنسب متفاوتة في أم الجرائم، هذا ما قالته دموع عانس.

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
[email protected]
www.Taeralshmal.com