هل أنصف الدستور العراقي المرأة ؟ نعم . ولكن.



هادي الخزاعي
2007 / 3 / 8

يوم 8 آذار، من الأيام التي تنشدُ أليه العقول والقلوب ، ففيه يرتقي وعي الأنسان الى ذرى علاه وهو يكرم المرأة، رحم البشرية والأرتقاء.
وبهذه المناسبة اتقدم لنساء العالم بالأحترام المداف بماء الورد، وللمرأة العراقية اتقدم بباقات القرنفل الملونه ، اتقدم لها بالحب والأجلال ، هذه الكائنة العابرة للحزن ، التي لم يسكتها أو يكفها عن المطالبة بأستحقاقاتها الضائعة منذ قرون كل ذاك وهذا الضيم الذي عانته وتعانيه. الف تحية للعراقية الصامده وهي ترمي قفاز يدها بوجه الموت المجاني متحديتا كل شلالات الدم التي يتسربل بها الجسد العراقي جراء الهمجية والتخلف ومعاداة الأنسان . فأنت ايتها العراقية الأصيلة منبع ألهام لا ينضب ن ومن فتات سوح نضالك استلهمت كتابتي المتواضعة هذه ، فلعل في هذه الكتابة شئ من وفاء.

* * *

لا يكتسب الدستور، أي دستور، اهميته من كونه أساس يرتكز عليه البناء القانوني للبلد، ولكن اهميته تتجاوز ذلك عندما يكون ذلك الأساس مرتبط بشكل منصف بمصالح الناس، الذين يقوم الدستور من اجل تنظيم حيواتهم بما لا يخلق حالة من حالات الحيف لأي من مكوناتهم سواءا كانت بيلوجية اوعرقية او مدينية اوأثينية.فهل انصف الدستور العراقي المرأة.
لقد افتتح الدستور في ديباجته بالآية " ولقد كرمنا بني آدم " ثم يبتدأ المتن بجملة " نحن أبناء الرافدين " . أن هذين العنوانين العامين يضعان قارئ الدستور او دارسه أما حقيقة ان المشرعين الذين كتبوا بنوده قد أخذوا بعين الأعتبار على انهم لم يضعوا فواصل او جدرانا بين مكونات المجتمع لا من حيث الجنس ولا من حيث العرق. وقد تعاطوا مع عنصري المجتمع ، المرأة والرجل من زاوية واحدة أذ لم يضعوا أشارة الى وجود مسافة بينهما. وهذه خصيصة تشريعية نافذة الوعي حضاريا وأنسانيا. وقد اورد الدستور في أكثر من مكان هذا التساوي بدءا من عنوان الديباجة وبداية متنها كما أشرنا، وصولا الى ما يتعلق بالخصوصيات كما في مواد الباب الثاني التي أشارت المادة منه 14 الى أن " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل او الدين او المذهب او المعتقد أو الرأي او الوضع الأقتصادي أو الأجتماعي " . ثم ترد في المواد التاليه مفردة ( فرد ) التي لا تشير الى الجنس او النوع، وهذا يؤكد التساوي بين المرأة والرجل، فنجد في ثانيا من المادة18 ما يؤكد هذا التساوي ، بعيدا عن التأويل الذي ربما يفكر به البعض حيث يقول النص " يعد عراقيا كل من ولد لأب عراقي اولأم عراقية ، وينظم ذلك بقانون " . وهذا الحق المكتسب الذي تميز به الدستور الجديد عن بقية دساتيرالعراق يمنحنا الثقة بأن النظرة الى المرأة في شرعته ،أنما هي نظرة التكافئ مع الرجل، رغم أن ما اسجله على هذه المادة من ملاحظة عابرة، انه قدم الرجل على المرأة في السياق النصي حيث يرد ذلك في كل نصوص المواد ذات العلاقة ، بالوقت الذي كان يتوجب على المشرع ان يقدم المرأة على الرجل من منطلق حضاري ليس غير. وأيضا يذهب الدستور في المادة 20 الى ذلك التأكيد فيقول " للمواطنين رجالا ونساءا حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والأنتخاب والترشيح " وكذلك يؤكد المشرع حق الوالدين على الأبناء وكذلك حقهم على الدولة بأعتبار ان الأسرة التي اصل قوامها المرأة والرجل، أساس المجتمع ، كما جاء في أصول المادة 29 من هذا الدستور. كما أن المادة 30 تؤكد كفالة الدولة للأسرة وبالتخصيص الطفل والمرأة. وهي نظرة ثاقبة لطبيعة المجتمع العراقي الذي عانى من تشوه ملموس في بنيته، فرضه عليه النظام الشمولي السابق، كالأمية وفقدان فرص العمل وروح العسكرة التي هيمنت على كل شئ وسيادة القوانين العشوائية الأرادوية التي خلقت فجوة كبيرة بين المرأة والرجل التي أفقدتها كينونتها عبر تفاصيل ممارسات الحملة الأيمانية، وما ترتب عليها من تشويه أجتماعي.
أن هذه المواضع وغيرها التي خصت المرأة ، وبالأسم، أنما تضع القارئ او الدارس امام يقين الأنصاف الذي سعى المشرع الى تثبيته في هيكلية الدستور العراقي الجديد، ومن خلالها يمكن للمرء أن يقول أن الدستور قد أنصف المرأة ، وتعامل معها على انها والرجل يتساوون في الميزان القانوني، يتساوون بالحقوق والواجبات وبكل ما تناوله من موضوعات.
الى هنا والأنصاف في ركب الدستور وفي جيب المرأة. ولكن !!. وهذه ال ـ لكن ـ رغم افتراضيتها وعموميتها تقودنا الى ما بعد تلك النصوص التشريعية. الى كيفية تطبيق تلك النصوص . أذ لابد من آليات وضوابط لترى هذه التشريعات النور، ومثلما تفرح العائلة بالحمل، بغض النظرعن صفة الجنين ، انثى كان، ام ذكر وهو في رحم امه. فأننا استبشرنا خيرا بالدستور، رغم أننا لا ندري كيف ستكون ماهية القوانين والآليات التي تعطي الحياة لهذا التساوي . فالمرحلة التي تلي اقرار الدستور، هي مرحلة تفعيله عبر تشريع القوانين التي تمهد للتنفيذ. وهذه المرحلة حساسة الى درجة غاية في الدقة، فمظهر جميع الدساتير يبدوا ورديا في ديباجته ونصوصه، غير أن القوانين التي تسن لتحقيق أرادة الدستور التي هي المحطة الأخيره التي يبتدأ منها التنفيذ منها ، هي التي تعطي لهذا الكيان التشريعي شكله الحقيقي، والتي من هذه القوانين نستشف المصداقية وعدم التأويل بما يتناسب وأرادة قوة أجتماعية محددة اوتناسب رغبات وأرادات قوى مستأثره بالحكم.أن وحدة الشكل والمضمون في أطار وحدة الموضوع يجب أن تكون اللون الأخير الذي يعطي للدستور مكانته الرصينه. وهنا لابد من القول بأن المرأة لا يكتمل أنصافها دستوريا إلا بسن القوانين التي تعتمد الأسس التي وضعها الدستور والتي هي بالمجمل منصفتا للمرأة. و بمعنى عام ، يجب أن يكون حساب البيدر مساويا لحساب الحقل.