نوال السعداوي-مناضلة



سالم جبران
2007 / 3 / 7


مجبولة من القمح والفولاذ والورد!
في بداية القرن العشرين، وخصوصاً ارتباطاً بثورة 1919 في مصر، قامت هبّة اجتماعية تستنهض همم الشعب المصري للعصرنة والتفاعل مع التقدم الإنساني. وكان طبيعياً أنه بين الظواهر الجديدة، الثورية، كانت مشاركة النساء في النضال الوطني في الشارع. وارتباطاً بذلك تصاعدت الدعوة إلى تعليم الفتاة، وإلى مشاركة المرأة في العمل والنشاط السياسي، وخلع الحجاب عن الوجه وعن العقل، فكما قال الشاعر الوطني التقدمي العراقي جميل صدقي الزهاوي :" وهل الطائر إلاّ بجناحين يطير؟".
إن المخاض الديمقراطي المنفتح على العصر، في عالمنا العربي يعيش انكساراً وانتكاساً منذ حوالي قرن. وقيام "الدكتاتوريات الوطنية" حيّد الشعب وحركته الشعبية، وفكّرت باسمه ونيابة عنه. وصار التصفيق للقائد هو كل الدور المطلوب من الجماهير. إن تعطيل وتغييب الدور الجماهيري المبدع هو ما جعل الحركات الأصولية، الرجعية، والظلامية أحياناً تتحول إلى الحركة السياسية المعارضة الفعالة بأشكال مختلفة. الأنظمة جميعاً قمعت اليسار وعملت على تدمير كل الحركات الاجتماعية واليسارية والنقابات، بينما غضّت الطرف عن الشعوذة التي تدعو باسم "الدين" إلى الانسلاخ عن العصر وعن القِيَم الإنسانية الديمقراطية والمتنورة.
إن فساد الأنظمة، بالإرهاب والقمع واختلاس الثروة الوطنية، هو ما قاد إلى تراجع الفكر القومي واتساع رقعة الديماغوغيا الدينية الظلامية المعادية للتقدم بوصفه" غريباً عن تقاليدنا"!
وقد وصلنا الآن إلى وضع بائس فيه ظاهرتان مأساويتان:
الاولى: انحسار القومية المعاصرة وانفلات الأصولية الظلامية الدينية.
الثانية:صرف النظر عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الملتهبة وتمحور النقاش حول المظهرية الدينية: مع الحجاب أو ضد الحجاب، كأنما بالحجاب يرتبط مصير ومستقبل أمتنا العربية!!
إننا نلاحظ الآن أنه بالإضافة إلى إرهاب النظام السياسي العربي الحاكم للجماهير العربية، هناك إرهاب "شعبي"، "إسلامي" يبدو أحياناً، كما في مصر، أكثر عنفاً وقهراً وضغطاً من الإرهاب السلطوي.
إفلاس النظام العربي الحاكم، وبقاؤه بفضل قوّة البطش فقط، هو ما يجعل الأصولية الدينية الرافضة للقومية المعاصرة والرافضة للتقدم الاجتماعي، تنفلت مجنونة رافضة للعصر ولأبسط القِيَم العصرية، كالمساواة بين المواطنين جميعاً، بغض النظر عن الدين، والمساواة للمرأة، والتعددية الثقافية والتحالف مع العلم والمعرفة والمنطق الإنساني.
أليس عاراً على أمتنا العربية أن الإنسانة المناضلة البطلة الدكتورة نوال السعداوي أقل حرية في مطلع القرن الحادي والعشرين من هدى شعراوي في العشرينات من القرن الماضي؟!!
نثق أن نوال السعداوي جُبِلَت من طينة المصلحين الأبطال الذين لا يخافون. ولكن قلقنا هو على مستقبل شعب مصر، حين تتغلغل في أوساطه الأصولية "الشعبية"، المتخلفة المعادية للتقدم، المرعوبة من كل تجديد.
إن حملتنا العربية العالمية تضامناً مع نوال السعداوي ، هي حملة تضامن مع ألوف النساء العربيات الباسلات في السعودية ودول الخليج والمغرب والعراق وسورية والأردن ومصر، إنها حملة مع التنوير ضد الظلام، مع التعددية ضد التخوين والتخويف، مع العلم ضد الشعوذة، مع المساواة الكاملة غير المشروطة للمرأة، ضد الفلسفات الظلامية المناورة التي تريد استمرار التعامل مع المرأة كأداة لمتعة الرجل وماكنة لتفقيس الأطفال الجياع، مع الديمقراطية ضد التسلط، مع انعتاق الفكر ضد الإرهاب بكل أشكاله .
يجب أن نقول بأقصى الصراحة والوضوح والحزم إن هناك حاجة إلى طرح منهج شامل ومتكامل للعصرنة الاجتماعية والسياسية والثقافية، يكون بديلاً منهجياً وبرنامجياً للواقع العربي الراهن الذي يقوم على استعباد الشعوب وتغييب عقولها وسلب إرادتها، حتّى تتمكن الأنظمة من الاستعباد السياسي ونهب كل خيرات أوطاننا العربية.
تحية إلى نوال السعداوي، تحية إلى كل المناضلات الباسلات، من نقابيات وعاملات وفلاّحات ومحاضرات وكاتبات ومفكرات، تحية إلى كل القوى النهضوية المتنورة في أمتنا الرافضة للدجالين والمتمسكة بتراثنا العربي الإنساني الديمقراطي الذي يلخصه شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري، بقوله"
كذب الظِّن ، لا إمام سوى العقل
مشيراً في صبحه والمساء!
(سالم جبران- شاعر ومفكر وإعلامي فلسطيني يعيش في الناصرة)