بمناسبة الثامن من مارس -النساء والاضطهاد المزدوج-



عبد الغني اليعقوبي
2007 / 3 / 8

في المغرب، وعلى غرار العديد من الدول في العالم، أن يكون الانسان امرأة و معاقة في ذات الوقت يعني تمييزا مزدوجا إن لم نقل إقصاء مزدوجا .
بالفعل، لقد عرفت أوضاع النساء عموما، خلال العقدين الأخيرين، عدة تحولات بفضل جهود الدولة ونضال الحركة من أجل حقوق النساء، لكن العديد من المعيقات على المستوى القانوني والسوسيو اقتصادي لا زالت تحول دون تمتع النساء بكافة حقوقهن مقارنة بالرجال. أما إذا أضيف للانتماء حسب الجنس، حالة إعاقة فإن النتيجة تتمثل في وضع شديد الهشاشة بالنسبة للنساء المعاقات.
هناك مجموعة من العراقيل الثقافية التي تجعل النساء المعاقات يعشن على هامش المجتمع، كما لو كن مختلفات عن باقي النساء وغير معنيات بطموحاتهن، وفي هذا الاطار تسود فكرة كون المرأة المعاقة لا تستجيب للضوابط والمرجعيات التي يعتمدها المجتمع في تعامله مع المرأة " العادية " . فالمرأة المعاقة لا يمكنها في أي حال من الأحوال أن تحسن القيام بدور الزوجة ولا أن تكون أما، كسائر الأمهات، " إنها لا تصلح لشيء" مما يجعلها " مستهلكة وغير منتجة". لتوضيح ذلك، نورد بعض المؤشرات المستقاة من الحياة اليومية للمرأة المعاقة.
الصحة:
.يبدأ تهميش المرأة المعاقة منذ الصغر، ومن بين تجليات الاهمال معطيات تتعلق بانتشار بعض الأمراض. فقد أبرزت بعض الدراسات المنجزة بالمغرب أن مرض الشلل، وهو السبب الرئيسي للاعاقة الجسدية خلال الستينات كان مرتفعا لدى الأولاد (76 بالمائة) مقارنة بالبنات (24 بالمائة) في الوقت الذي كان من المنتظر أن يكون متساويا بين الجنسين. ويرجع الفرق المسجل بين الأولاد والبنات لكون الأسر تذهب بالأولاد الى الطبيب وتعالجه بسهولة أكبر مقارنة مع البنات المصابات مما يجعل العديد من هؤلاء يمتن من جراء الإهمال. من جهة أخرى, الفتاة المعاقة لا تتوفر على نفس حضوض الطفل للحصول على وسائل العلاج و على الأدوات التعويضية والخدمات المتعلقة بإعادة التربية من اجل الحد من الإعاقة .
التمدرس:
إذا كان تمدرس الفتاة , و خاصة القروية منها ما زال ضعيفا فإن حظ الفتيات المعاقات أضعف. إن نسبة الأمية مرتفعة في وسط النساء المعاقات من كل الأجيال مقارنة بباقي النساء وبالرجال المعاقين. فعمليا، لا الأسر ولا المجتمع يوليان أهمية خاصة لتعليم المعاقة وتكوينها، بل هناك من يعتبر هذه العملية هدرا للجهد و المال لأن الفتاة المعاقة، حتى إن تعلمت فهي لا تتوفر على أدنى حظ لان تصل إلى استقلالها المادي, بل ستظل محتفظة على الدوام " بوضع الطفل " المتكل على الآخرين. بالنسبة لمن تخطين الحاجز وولجن المدرسة، فإنهن يعانين، مثل رفاقهن، من نقص كبير في الولوجيات بالنسبة للمعاقين جسديا، وأكثر من رفيقاتهن من البنات من غياب المرافق الصحية في البوادي. مع ذلك، وحسب شهادات عدة تتشبث الفتيات بالمدرسة ويعتبرن الحصول على تكوين جيد بوابة نحو الحصول على شغل والاندماج في الحياة الاجتماعية.
الشغل;
يعتبر الشغل أفضل حماية ضد الفقر بالنسبة للأشخاص المعاقين. مع ذلك، فإن 10,1 في المائة فقط من الأشخاص المعاقين, معظمهم من الذكور , يمارسون نشاطا اقتصاديا. إن هزالة هذا الرقم توضح بان الأشخاص المعاقين حتى عندما يتوفرون على قدرات لا تقل قيمة عن سائر مواطنيهم, فإن تلك القدرات لا تعتبر كافية لتحمل مسؤولية أو اتخاذ أي قرار. والمرأة المعاقة توجد في حالة إقصاء من مبادرات التشغيل, اكتر من الرجل المعاق. إن هذا الإقصاء لا ينتج فحسب عن التهميش الحاصل في ميادين التعليم و التكوين، بدليل أن هؤلاء الفتيات يشاركن في الحياة اليومية لعائلاتهن (الأشغال المنزلية، تربية الأطفال...) بل ويساهمن في تنمية الموارد المادية للعائلة عن طريق القيام بأعمال الخياطة و التطريز و الحياكة وغيرها من المواد التي يتم تسويقها. وحتى في هذه الحالات، فإن الأسر ، نادرا ما يعتبر هذه المساهمة، الأمر الذي يؤدي إلى استنزاف طاقات النساء المعاقات في أعمال تفيد الآخرين دون أن تضمن لهن موردا خاصا يحميهن من الحاجة، ويساهم في ضمان استقلاليتهن .
الحياة الاجتماعية:
اعتبارا لهيئتهن الجسدية و ليس لإنسانيتهن, توجد النساء المعاقات, خلافا للمعاقين من الرجال، في وضعية إقصاء من الزواج ، وحرمان من إمكانية تكوين أسرة. وإذا حدث أن تم الزواج فإنه يكون غالبا إما في إطار عائلي أو مع شخص معاق. و في هذه الحالة بالتحديد, فان غياب الإرشاد الطبي كثيرا ما يؤدي إلى ولادة أطفال معاقين ( عن طريق الوراثة / التشابه في صنف الدم..) (3). تعاني النساء المعاقات، أكثر من غيرهن، لسوء المعاملة و للتحرش الجنسي و الدعارة القسرية , مما يعرضهن للإصابة بالأمراض الجنسية و الحمل غير المرغوب فيه، واللجوء الى عملية الاجهاض التي تتم في سرية و صمت و عن طريق الشعوذة.
خاتمة:
إن النساء المعاقات كثيرا ما يستدخلن وضع التهميش الاجتماعي الذي يفرضه عليهن المجتمع، وتعيد إنتاجه قنوات التنشئة كالاعلام والمضامين المدرسية حيث لا تظهر المرأة المعاقة في أدوار عادية كعاملة وأم ومواطنة. ومن نتائج ذلك ضعف تعبيرهن عن حاجياتهن وهزالة مشاركتهن بشكل مباشر في الحركات المطلبية من اجل تفعيل حقوقهن. من جهة أخرى , يلاحظ ضعف اهتمام الجمعيات العاملة في مجال المرأة من جهة، ومجال الإعاقة من جهة ثانية بهذه الشريحة من المغربيات.
لقد كثر الحديث عن حقوق الإنسان، بل وحصل تقدم في هذا المجال خلال العقد الأخير، لكن حقوق الإنسان التي لا تقبل الانتقائية مطالبة بأن تدمج الوضع الخاص بأكثر الفئات حرمانا من حقوق الإنسان، حتى لا يكون الاختلاف عاملا لإقصائهن. إن تبني وتطبيق استراتيجيات مندمجة لفائدة النساء المعاقات في مجالات التعليم والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية عامل أساسي لتسهيل اندماجهن وتحقيق مواطنة قائمة على تفعيل الحقوق والواجبات. لقد صدق المغرب على العديد من المواثيق الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان و من ضمنها العهدان الدوليان واتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل... ومجموع هذه الآليات تفرض على الدولة أولا، وعلى كافة المتدخلين المعنيين بأوضاع المرأة والإعاقة بذل مجهود خاص للانتقال بشكل ملموس من النظري إلى العملي