المرأة السورية وظاهرة الابداع 2



مازن شريف
2007 / 3 / 7

ينعم المجتمع السوري بنساء وهبهن الله العقل والحكمة والجمال، نساء عشقن الحرية على مر العصور، وتفاعلن ضمن المجتمعات التي عشن فيها. لقد هاجرت (أليسار) بنت ملك صور إلى قرطاجة وأسست مدينة الثقافة، ورحلت شقيقتها (أوروبا) إلى سواحل اليونان حيث اكتشفها إمبراطور اليونان بعد أن سحرته بجمالها الأخاذ، فتزوجها وأطلق اسمها على إمبراطوريته التي كان يحكمها لتكون اليوم قارة أوروبا. وبرزت (زنوبيا) السورية الملكة العظيمة التي ازدهرت مملكتها بانتشار العدل والديمقراطية وكثافة المعرفة والترجمة وإطلاق الحريات العامة، حتى وصلت إلى درجة من الرقي الإنساني ضاهت به حضارة روما والحضارات الشرقية على حد سواء؛ كل هذا ساهم في إعطاء المرأة النصيب الأكبر من حريتها.. تلك الملكة التي أحبها شعبها وأحبته وضحت بحياتها من اجله، فضلت الموت على أن يذل شعبها وانتهت بعد أن أسرت إلى روما.
وبعد زنوبيا ومنذ الاحتلال الإسلامي لبلاد الشام، لم تنعم امرأة بالقوة والجرأة، إلا ما ندر، ولم يذكر التاريخ حادثة واحدة لامرأة نالت شهرة زنوبيا أو سابقاتها. فالمجتمع الذكوري الذي فرض الإسلام بالقوة وبحد السيف، غيب دور المرأة ومنعها من الظهور وحضنها في زنزانة الرجل لتصبح سلعة، كما تذكرنا كتب التاريخ بالغزوات الإسلامية حيث كانت المرأة (جارية) توزع على الرجال كالغنائم من جمال ودواب وممتلكات أخرى، دون أن ينظر إليها على أنها مخلوق وإنسان تكتمل صورتها بالرجل وليست اقل أو أدنى منه عقلا أو فكرا.
وها نحن اليوم أمام بعض الظواهر النسوية في المجتمع السوري حيث برزت المرأة بشكل عقلاني ومنطقي فارضة نفسها ضمن حركة اجتماعية لا تتوقف، وبجرأة تكاد تخرج عن المألوف في المجتمع، فمنهن من حاول الظهور بطريقة أو أخرى لكن معظمهن فشلن في هذا الظهور لفقدانهن الجرأة وابتعادهن عن الانخراط في الحياة الاجتماعية والسياسية. ولربما حاولت المرأة الدخول في معترك الحياة السياسية لكنها بقيت أسيرة معتقدات المجتمع وأفكاره التقليدية الإسلامية، وما تزال غير ناضجة لهذا البروز، لأنها من جهة لم تتحرر من براثن النقص الذي يهيمن عليها وخضوعها لسيطرة الرجل الذي يملك العصمة بيده من جهة أخرى.
فالقوانين والتشريعات في القانون السوري (اغلبها مستوحى من التعاليم الإسلامية) تجيز للرجل كل الممارسات ضد المرأة كي لا تحصل على حريتها التي تبحث عنها، وخوفا من منحها الحرية الجنسية التي تعتبر من المحرمات بالنسبة للرجل المسلم، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في معالجة اخطر أمراض المجتمع في تعامله مع المرأة؛ فمهما علت في مناصبها تبقى تحت رحمة الرجل ولا يمكن لها أن تخرج عن هذه الطاعة طالما انه بإمكانه أن يتزوج متى شاء ويطلق متى شاء ويخلع المرأة كما يخلع حذائه، ليكمل دورته الإسلامية الرباعية في أفضل الأحوال دون أن يتجاهل لحظة واحدة عدم التفريق بين العقل والسرة وما تحتها.
هذا العصر المتطور الذي نعيش فيه، دفع المرأة لان تعي حقيقة ما يدور حولها والتفكير في مخرج يليق بها كأنثى وأم وأخت وابنة، فبدأت بالعمل والإنتاج بغض النظر عن الظروف القاسية من فقر واضطهاد وعبودية. فهي تسعى للاستقلالية بخروجها عن قواعد وضوابط وتشريعات المجتمع الإسلامي الذكوري، متوجهة بذلك إلى بناء قاعدة صلبة تمكنها من إبراز شخصيتها ضمن مجتمع شرهٍ لشهواته وبعيد كل البعد عن مظاهر التحضر والإنسانية.. فتراها صارت طبيبة ومعلمة ومهندسة وما إلى هنالك من أعمال تبرز قدراتها العقلية والفكرية، فهي الأديبة والكاتبة والشاعرة والمدرسة في الجامعة والزوجة والمربية أيضا.
وتجد في المجتمع السوري عددا من النساء غير متزوجات لرفضهن مبدأ الشريعة الإسلامية في فرض الزوج (وان كن لا يعترفن بذلك صراحة) كما ينادي به هؤلاء الجهلة ممن لا يعرفون المرأة، إلا أنها حاجة لإشباع رغبات الرجل الحيوانية دون الاكتراث بقدراتها العقلية وحالتها النفسية أو الصحية فتراه يقودها إلى مضجعه لينال شهوته غير عابئ بهذا المخلوق اللطيف صاحب القلب الجميل والأنوثة الشبقة التي تسحر كل رجل بجمالها ونظراتها الذكية وابتسامتها الجميلة وطلتها البهية وأناقتها.
وبعد أن صار العلم ليس حكرا على الرجل فقط وتعداه ليطال المرأة حتى في البادية، تحولت المرأة إلى قوة علمية من الصعب تجاهلها لذلك فانك تجد الكثير من المسلمين يرفضون الزواج من المرأة المثقفة خوفا على أنفسهم من أن يصبحوا في سلتها أو في حقيبتها الصغيرة عندما تجالس الرجال، ويشعر الكثير من الرجال بالضعف أمام تلك المرأة المثقفة لذلك يبتعدون عنها ويصفونها بالمسترجلة أو يحاولون الوصول إليها فقط لإهانتها أو إصغارها في أعين الآخرين، وكأن عالمهم ليس إلا (جنس فقط) ويقتصر على العضو الذكري.
كم هو مؤسف هذا الواقع الذي نعيشه خاصة عندما تجد أشباه الرجال من المسلمين ينقادون وراء نزواتهم وشهواتهم وينظرون إلى المرأة على أنها فضيحة في المجتمع فيسارعون لتزويجها في سن مبكرة كي يتخلصوا من العار"حسب زعمهم" خوفا من فقدان غشاء البكارة قبل الزواج غير عابئين بالنتائج، أو بإرادة الفتاة التي ترغب في تكميل تحصيلها العلمي أو ترغب في أن تعيش حياتها حرة كريمة، متجاهلين بذلك كل مقومات وقدرات العقل البشري الذي وهبه الله للإنسان سواء أكان رجلا أم امرأة. لقد بدأت النساء ترفض هيمنة القوانين المجحفة بحقهن وبشكل خاص تلك المتعلقة بالزواج أو ما يسميه الشرع الإسلامي "عقد النكاح" الذي يفرض على الرجل باعتباره المتسلط والحاكم الأقوى (الرجال قوامون على النساء)، أن يحدد سعر المرأة (المهر) كما يشاء ويكتب ذلك في هذا العقد المشؤوم (صفقة السجن الخالد) مقدما ومؤخرا بحجة انه ينصف المرأة ويضمن لها حقوقها في الدنيا وفي الآخرة كاملة غير منقوصة.
وعندما يرميها في الشارع "لثلاث" سيكون هذا العقد ضمانة تحفظ لها عيشا كريما إلى أن تلقى في مزبلة مسلم آخر لتكون جارية له أو حتى عبدة.
فبحق السماء كيف يقبل العقل البشري بصفقة (بيع وشراء) المرأة وهل للمرأة سعر؟ لتباع كما الأغنام والمواشي؟ كم من النساء السوريات يعرفن أن ذلك غبن بحقهن وإجحاف وينزل من قيمتهن أمام القانون والمجتمع، وإذا ما أرادت الطلاق عليها أن تتوسل لزوجها ليقبله في حال أنها تجد استمرار الحياة الزوجية معه باتت مستحيلة فتتخلى عن مهرها وعن كل شيء في سبيل حصولها على حريتها التي سرعان ما تدخلها سجن المجتمع الجاهل ليصفها بأبشع الصفات ويعلن عليها الحد لتصبح صيدا سهلا لكل من ذوي الشهوات والنزوات.
كم من النساء ترفضن هذا الأسلوب وتعتبرنه إهانة لهن كونهن طبيبات ومهندسات ومدرسات وأستاذات جامعة ومعلمات ومرشدات ومربيات أجيال، وكم تشعر المرأة بالاستياء من نظرة الرجل لها عندما يعتبرها سلعة لا أكثر، مغرر فيها ولا تستطيع مقاومة نظام غارق بالفساد الأخلاقي والاجتماعي وكله باسم الشريعة الإسلامية وتعاليمها السمحاء كما يدعون.

ألا يحق للمرأة أن تطلب الزواج المدني؟ ألا يحق لها أن تكون الرائدة في مجالها وفي محيطها الاجتماعي والسياسي ايضا؟ أليست إنسانة أثبتت أنها قادرة حتى على إدارة مؤسسات المجتمع المدني وتتفوق على الرجل بهذا؟ إنها مأساة تعاني منها المرأة في سورية.
إن المرأة في الساحل السوري تختلف عن تلك التي تسكن بقية المدن السورية بغض النظر عن انتمائها المذهبي أو الديني فقد كافحت وحصلت على جزء كبير من حريتها فتراها ونتيجة لثقافتها وعلمها باتت هي التي تبادر في طلب الزوج أو اختياره ضمن مجتمع تسوده تقاليد وعادات ما زالت باقية منذ بداية عصر الإسلام والجهل.
فمن خلال زياراتي الأخيرة إلى سورية وبالتحديد إلى الساحل السوري وجدت أن للمرأة مكانة في المجتمع الذي تعيش فيه فهي تنعم بحريتها إلى درجة كبيرة مقارنة ببعض المناطق الداخلية، فتراها تعمل في كافة المجالات تقريبا، ناضجة تتفاعل مع الرجل ضمن منظومة إنسانية ديمقراطية مبنية على الاحترام المتبادل، لا تتزوج في سن مبكرة ولا تتزوج قبل أن تتابع تحصيلها العلمي وتحظى بوظيفة تليق بها، وتشارك الرجل في أغلب الأحيان بأكثر مما يشارك هو في تكاليف الحياة، تسافر بمفردها وتتابع اختصاصها العلمي، فتبدو ملاكا يضفي رونقا جميلا على العلاقات الاجتماعية، فتقود سيارتها وتلبس ما يحلو لها غير عابئة بما تراه في المجتمع الذكوري حيث جزء منه ما زال ينظر لها على أنها عورة بحد ذاتها.
وما ظاهرة المرأة السورية الجريئة التي بدأت تظهر في المجتمع السوري وليس فحسب إلا احد البراهين على حصول المرأة السورية والساحلية بالتحديد على كم كبير من حقوقها في حرية الرأي والتعبير وفي كل مظاهر المجتمع السوري الحديث.
أيتها المرأة لقد اكتشفت بان لديك القدرة على هزم الرجال فهيا انطلقي واخلعي عنك رداء الذل والمهانة.. ثوري على نفسك أولا واصقليها وهذبيها وارفعي ذاك الغطاء واتركي لعقلك أن يتنفس فهو بحاجة إلى الأوكسجين لان أوكسجين العقل هو المعرفة.. قارعي ظالمك وانهريه ودغدغي مشاعر عقله وقولي له إياك والعبث بمقدسات المرأة صاحبة القلب الجميل والأظافر الناعمة لأن كل من يحترم المرأة فهو رجل.