الى أبى في 8 آذاريوم المرأة العالم



سميرة الوردي
2007 / 3 / 9

أبي الحبيب
زمنٌ طويلٌ مضى منذ أن رأيتُك آخر مرة، لم أُدرك حينها أنها ستكون الأخيرة الى هذه اللحظة، كم فصول أربعة مرت في ربوع بلدنا الحبيب وأنا بعيدةٌ عنك. أبي أتمنى أن يكون 8 آذار الحالي خاليا من دماء العنف والطائفية والقهر بكل مدياته، فكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا .
لعلَ أن يتحقق الأمن وحلمك وأمي بنهوض مجتمع خالٍ من كل أنواع التخلف والعنف . لكنها رحلت لأنها لم تتحمل الضيم الذي امتهنها منذ مقتل أبيها الى مقتل ولدها ، استلب كرامتها واستقرارها وإنسانيتها.
رحلتْ أمي وتركتك وحيداً ، قبل هروب الصنم، ولم تتكحل عيناها برؤية زوال الطغيان والطاغية، أنت صمدت رغم سنوات المحن والحصارالثقافي الذي فُرض عليك، أتذكرك وأنت تحاول اقناعي بعدم جدوى الرحيل وترك الأهل والأحبة، خفتََََََََ علي َّ أن ألحق بأخي وأختي وأتيهُ في غربة لانهايةَ لها.
لم أندم على شئ كندمي لعدم الاستماع اليك، وها أنا أجني ألم الفراق . خوفي على ولدي كان أكبر مني .
وها خوفي يزداد كلما فكرت في العودة ، فقوى الظلام مازالت تستميت في دحر كل ما هوجميل وخلاق، علمتنا منذ الطفولة أن لا سلاح أقوى من العقل ، وأن السلام و ليس الإستسلام، هو قوة هائلة في انتزاع الحرية وبناء المجتمعات، ما زال صوتك يتردد صداه في خافقي وأنت تُلقي كلماتك وأشعارك المؤثرة ومطالبك بالحرية والتحرر في مقر أنصار السلام واتحاد الأدباء وفي جنبات مدينتا الخالدة ذات التراث العظيم . صورتك مازالت فتية وشامخة وأنت خلف القضبان بعد مظاهرة سلمية تقودها ورفاقك الذين جار عليهم الطغيان فاستشهد من استشهد وتغرب من تغرب ورحل عن الحياة من رحل. مازالت بعض أبياتك الجميلة وانت تخاطب ضمائر الناس تغذي نفسي وتنتشلها من الوهن:
رأيتُ في أسواق بغدان ـ شيخا وقورَالسمت نوراني
يبحثُ عن حاجتِه سائلا ـ فــي كــلِ سوقٍ كلََََ دكـان ِ
قلتُ له ياشيخ ما تبتغي ـ قـلْ لـي تفزْ مني بعرفـان ِ
فقـال :مـيزانا مثاقيلَـه ـ دقـيقـةً مـن غيـرِ نقـصان ِ
قلتُ له ياشيخ إنا هـنا ـ لا نزنُ الشئَ بميزان
أبي أنت أول من علمني معنى الحرية واحترام حرية الآخر، وأنت أول من أجبرني على أن أتعلم وأكونَ أنا نفسي من غير تلك الإزدواجية التي تحمل الكثير من النفاق والأمراض والتخلف، وأنت أاول من ناضل في العشيرة من أجل حقوق المرأة ووقفت مع كل فتياتها كي لاتُمتهن كرامتهن ولكن سنين الضيم غطت على صوتك إلا أنها لم تستطع قهره ولا حبسه .
اليوم يطلبون مني أن أكتب عن الحجاب ماذا أكتب يا أبي سأكتب وأقول إنك أول من علمني الحرية بكل مدياتها وأنك تعتبر الحجاب قيدا من القيود الكثيرة التي كبلت المرأة .
كيف لي أن لاأُحبَك وأفتخَر بك وأن تكتبِ نشيدالحرية لتموز1958 الخالد ليتردد صداه من أحيائنا الوادعة:
كلُ شئ بعد تموزجديد ـ السما والأرضُ والفجرُ الوليد
هزج الفلاح والناي البعيد ـ وغناء الطيرفي الحقل المديد
كان أملُك قويا بالتغيير لكن قوى الشر أجهضت وخانت ودنست تلك الثورة الفتية والتي خُطط لها لتكون سلمية ولكن يد الشر تغلغلتْ اليها وثَّلمتْ فيها الى أن اغتالتها ومناضليها .
peace)) تلك أول كلمة أتعلمها من لغة أجنبيه وأنت تلصق بوستر غطىَّ بصورة حمامة سلام، على الجدار الأمامي لغرفة الضيوف في بيتنا القديم قبل دهر من التاريخ، ثم حولت يداك المبدعة تلك الحمامة الى باج ٍ ذهبي صغير علقناه رمزَ سلام ومحبة على صدورنا حتى انتزعته يد الطغيان والقسر .
خفت علينا كثيرا من حقدهم الأسود فنضالك السلمي قضَّ مضجعَهم فاغتالوك بابنك وهو في أول شبابه، بنيت عائلة حرةً محبةً سعيدة، لكن الأوغاد أحالوا سعادتها موتاً، ودماراً وغربة
عمرا مديدا يا أبي رغم أُنوفهم
إني أكنُ لك كل المحبة والتقديس، يا معلمي الأول ، يا فريدا بين الرجال
ويا نصيراً لكل نساء الأرض ضد كل أنواع القهر والاستبداد.