الثامن من آذار



رشيد كرمه
2007 / 3 / 8

بمناسبة 8 آذار يوم المرأة العالمي ...أقدم مساهمتي الأدبية المتواضعة كهدية ٍلك ِ وأجدد تطوعي الذي اعلنت عنه ُيوم تعلمتُ ان حب الوطن من الأيمان نصيراً وعضيدا ً لمطالب المرأة أينما كانت وكيفما كانت وأهيب ُ بالمرأة ان ترفع صوتها عاليا ً لرفع الحيف والقيود التي تفرض عليها وأولها الحجاب لأنه ينال من كرامتها ويقلل من شأنها ويدخلها دائرة الإتهام ......... إن إحتفال كل شعوب الأرض بيوم 8 آذار ليس إعتباطاً . لقد ناضلت المرأة طيلة عقود من السنين من أجل حقها في العيش بكرامة ٍ كونها إنسان تتمتع كالرجل بأحقيتهما فيما مُنحا من هبات ٍ( إلهية ٍ) وتكريما ًربانيا ً ومسؤولية ٍفي مفهوم ومعنى واضح وصريح ومتكافئ حيث يقول دستور المسلمين القرآن : _ ثــُم َ جعلناكم خـلائـف َ في الأرض _ وحيث لا يشرح او يبين هذا النص الآمـِر على شكل الخليفة وجنسه ِ تم إستهلاك خليفة الله ( المرأة ) بمسوغات وحجج ونوازع شتى ..وهذا ماتطلب نضالا حازما ومستمرا ً في نيل الحقوق كـحق إبداء الرأي والتصويت وحقها في العمل مستفيدةً من الهبات والثورات هنا وهناك ...وعلى مر العصور .
الحديث عن المرأة يعني الحديث عن الخَلق , والكون , والبشرية . فمن بين الكثير من النظريات والفرضيات والتصورات المثالية والمادية . إشتهرت نظرية آدم و حواء بفعل تصور ٍدينيٍ بحت ...إذ خلق الله آدم على صورته في الجنة ثُم خُلقت حواء من ضلع آدم . وكما تقول ( ماري الدبس ) رحلة القهر بدأت من هنا من سفر التكوين_ أُنظر مجـلة النهج العدد 41 _ إذ حُمِلت حواء سبب طرد أبو البشر آدم من الجنة لإغوائها له بعد أن وسوس لها ,, الشيطان ,, ولم يكتفي الرب بالعقوبة المتساوية لكليهما بل أضاف لحواء عقوبة ثالثة (وبا لآلام ستلدين أولادك )_ الإصحاح . وكانت المرأة سيدة المجتمع في العصر ألأمومي , .. وكان الناس يكنون باسم أمهاتهم وكان أول نص أدبي في التأريخ لآمرأة بابلية ( إبتهال آنانا أو عشتار....)لأبنة سرجون الأكدي.
ومن باب المقارنة والمقاربة ولا غرابة في ذلك ان رائدة الفضاء (فالنتينا كروبسكايا ) وغيرهن من المبدعات إمتداداً لأول إمرأة إبتكرت القناطر من جذوع الأشجار كطريقة إتصال وعبور الى فضاءات أُخرى .
كانت المرأة حاسرة الرأس وطليقةُُ ٌُ في الترحال والتجوال فيما يسمى بالعصر الجاهلي وكانت تاجرة , وشاعرة ,وفارسة , ومدافعة عن حقوقها وحقوق قومها . فكانت خديجة , والخنساء وخولة وهند..مع هذا كان الوأد نصيبها..( وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) ...القرآن الكريم ثم جاءت الطفرة الكبرى والثورة حيث جاء الأسلام ومنع الوأد (إذا المؤدة سألت بأي ذنب قتلت ) .
ولكن فيما تحصل المرأة أو تحقق نصراً هنا تخسره هناك.. فما أن تحقق لها أن العيش في مرحلة البدء بالدين الجديد _ الإسلام _ دون الموت في ما قبل الإسلام حتى نزلت مرتبتها !! وأصبح الرجل قواماً عليها ( سورة النساء في القرآن الكريم ). ودخلت في ملكيته كأي سلعة تشارك أربعا او أكثر من نظيراتها في الخلق في مهمة إشباع حاجة الرجل الجنسية ( وتزوجوا مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم .....)

سئل عالم ديني مسلم فيما إذا كان يحق للمرأة العمل السياسي فقال نعم ولكنها _ لا _تصلح أن تكون قائدة ( لا يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة ).. حديث نبوي. رغم هذا فهناك بلقيس ملكة سبأ , وشجرة الدر وبي نظير بوتو ....ومئات غيرهن حققن نجاحا منقطع النظير يعجز الرجل عن مجاراتهن , والأولى هنا وقبل كل شئ ان نحذف كلمة ( لا ) من أصل الحديث المذكور أعلاه ...
كما صار عليها أن تمتنع عن الحديث في الكنيسة _ سُئـِلَ البابا يوحنا بولص فيما إذا كان للمرأة حق العمل فأجاب : بامكانهاأن تحقق ماتشاء من الأمور غير أنها _ لا _ تصلح للكهنوت ...!!!!!!!!!!!!!!!! لقد أشار فريدريك إنجلز الى الهزيمة والإنتكاسة الكبرى للجنس النسائي إبان عصر الأمومية ( تطلق المرحلة الأمومية على المجتمعات والحكومات والأسر أو المجاميع التي ترأسها المرأة , ويعتقد الأنثروبولوجي السويدي , يوهان ياكوب, ان المجاميع الأمومية كانت منتشرة في سائر المناطق وفي البدايات الأولى لتشكيل عصور التكامل الإجتماعي ) .
يقرر المنهج التأريخي أن مسار التحول الإجتماعي إنطلق من المرحلة الأمومية لينتقل بعد ذلك الى النظام الأبوي ومن الممكن القول ان تعقد الحياة وما يفرضه التطور في البنى والأسس الإنتاجية والمجتمعية , إضافة الى شيوع ظاهرة التملك وتناميها وإتساع رقعة العمل تبعا للتطور في ذهنية البشر رجلا وإمرأة ( ذكرا ً و اُنثى ) فرض تأثيره المباشر على إنفصال محل العمل والسكن مما أسهم بنحو ما في تكريس موقع الرجل ضمن العائلة ..يذكر ( ول ديورانت , في موسوعته قصة الحضارة 1/60طبعة بيروت دار الجبل 1988م : كانت المرأة إذ ذاك لو استثنيت ـ ما يقعدها أحيانا من عوامل بيولوجية ـ مساوية للرجل تقريبا في طول قامته , وفي القدرة على الإحتمال , وفي سعة الحيلة والشجاعة , ولم تكن بعد قد أصبحت مجرد زينة او ( تحفة ) او مجرد لعبة جنسية , بل كانت حيوانا ًكالرجل قوي البنية قادرا ً على أداء العمل الشاق مدى ساعات طويلة , بل كانت لها القدرة إذا دعت الضرورة على المقاتلة حتى الموت في سبيل أبنائها وعشيرتها .
ان المكاسب التي حققتها المرأة في المجال الإقتصادي والإجتماعي والتربوي والسياسي هي التي أدت إلى ظهور مرحلة الأمومية , المرحلة التي كان فيها كل من الرجل والمرأة يستفيد من خيرات الطبيعة دون بذل إي جهد إنتاجي وبشكل متساو ٍ ( انا اقصد المرحلة التي أدرك فيها الإنسان شؤون الزراعة وإعمار الأرض ) .
وكانت العائلة في المرحلة هذه تابعة للأم حيث يدخل الرجل في عائلة المرأة التي يحق لها الإستغناء عنه ( طرده ) إذا كان عاجزا ً أو مبتلى بعيوب , فالنساء تدير المنزل وتنظم شؤون الإنتاج , علاوة على ماعهدته الطبيعة لهن من أمور الإنجاب , وكان الذي يتبقى للرجل هو الدفاع عن مجموعته وحسب .....
كان الغذاء في تلك المرحلة يكفي للجميع , ويبدو أنه لم يكن الكذب والظلم والإجحاف آنذاك قد ظهر بعد , وتولت المرأة مسؤوليات القائد والقاضي , ومهمة توزيع الطعام بشكل عادل , وبعد عهد من المساواة والتكافؤ إبتدأ العصر الأبوي ( جميلة كديور مؤلف كتاب رؤية من وراء جـُدر ).
يقول ( ديورانت ) حول أسباب أفول تلك المرحلة :
لما تقدمت الزراعة أخذ الجنس الأقوى يستولي على زمامها شيئا ً فشيئا ً, وكذلك وجد الرجل في إزدياد تربية الماشية مصدرا ً جديدا للقوة والإثراء والإستقرار , حتى الزراعة التي لابد أن تكون قد بدت لعمالقة العصر القديم الأشداء عملا باردا ً , أقبل عليها الرجل آخر الأمر بعد أن كان يضرب جوالاً في مناكب الأرض , وبذلك إنتزع الرجال من أيدي النساء زعامتهن الإقتصادية التي توافرت لـهن حينا ًمن الدهر بسبب الزراعة .
وكانت المرأة قد إستأنست بعض الحيوان , فجاء الرجل وإستخدم هذا الحيوان نفسه في الزراعة , وبذلك تمكن من أن يحل محلها في الإشراف على زراعة الأرض ,هـذا إلى أن إستبدال المحراث بالمعزقة قد تطلب شيئا ًمن القوة البدنية , وبذلك مكن الرجل من أن يؤكد سيطرته على المرأة , أضف الى ذلك أن إزدياد ما يملكه الإنسان مما يمكن تحويله من مالك إلى مالك آخر كالماشية ومنتجات الأرض , أدى إلى إخضاع المرأة للرجل إخضاعا ًجنسيا ً,
لأن الرجل طالبها بالإخلاص له إخلاصا ًيبرر له أن يورث ثروته المتجمعة إلى أبناء تزعم له المرأة أنهم أبناؤه , وهكذا نفذ الرجل خطته بالتدريج , واعتُرف للأبوة في الأسرة , وبدأت الملكية تهبط في التوريث عن طريق الرجل , واندحر حق الأمومة أمام حق الأبوة , واصبحت الأسرة الأبوية أي التي يكون أكبر الرجال سنا ً على رأسها _ هي الوحدة الإقتصادية والشرعية والسياسية والخلقية في المجتمع _ .
وإنقلب الآلهة وقد كانوا قبل نساء في أغلبهم , إنقلبوا رجالا ً ذوي لحى هم للناس بمثابة الآباء , يحيط بهم من النساء ( حريم ) ..
كان هذا الأنتقال إلى الأسرة الأبوية ضربة قاضية على منزلة المرأة , فقد باتت هي وأبناوها في أوجه الحياة العامة جميعا ً , ملكا ً لأبيها أو لأخيها الأكبر , ثم ملكاً لزوجها ...
وأخيرا ًيقول ديورانت : (( ان معظم التقدم الذي أصاب الحياة الإقتصادية في المجتمع البدائي كان يعزى للمرأة أكثر مما يعزى للرجل ))
ولاشك انني في 8 آذار من عام 2007 وفي ظل خراب ٍ يلف العراق بأسره حيث تصبح المرأة هي الطرف الأكثر تضررا ً بسبب بعثيون وتكفيريون همج ورجال دين مغرقين بالجهالة والضلالة والبدع , وحيث يـُتخذ ُ من المرأة سلاحا ً وتستهلك ُ بهذه الطريقة الفجة والمبتذلة من على الفضائيات ووسائل الإعلام , وحيث تدفع المرأة للرذيلة تحت مسوغات باطلة كزواج المتعة وماشابهه , وإتهامها بانها ناقصة عقل ودين رغم الآية الصريحة في القرآن ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) , إن شذوذ الحالة الراهنة في العراق والدول العربية والإسلامية التي تصور ان صوت المرأة حتى وهي في مرحلة الشيخوخة خالقا ً للفتن ومثيرا للإضطرابات في الحي هي نفسها التي قررت ( إن دين الرجل وغيرته وحميته عليه أوجبت أن لايدع صوت المدقة ( الهاون ) التي تستخدمها نساؤه ان يبلغ مسامع الرجال ارفض ُوبشكل مطلق تهاون ومجاملة بعض الدول الأوربية بزحف العادات السيئة الى أراضيها بحجة حرية العبادات الشخصية كالعزاء والتطبير والدروشة مما حول دور الترفيه والفراغ المدعومة من البلديات الى جوامع تضخ الأرهاب وتخضع للسيد والمرجع الفلاني وأتمنى عليهن الإطلاع على أدبيات الفكرالذي ينفتح على الثقافة والمعرفة الأنسانية والداعم لحقوق المرأة , المرأة العاملة المنتجة للجنس البشري و التي أشادت بها الفلسفة الماركسية ارفض منطق بعض الفلاسفة المنتقص لدور المرأة التأريخي كقول نيتشه : إذا قصدت النساء فخذ السوط معك ,
وارفض منطق سقراط حيث قال : للرجال السياسة وللنساء البيت
ومن واقع الأنتصار للمرأة والدفاع عنها أذكر على سبيل المثال موقف الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري وسليمان الفارسي حين وقفوا سلمياً الى جانب المرأة بعد ان إمتنعوا عن الزواج الضرائري في حين كان الزواج متعدداً لأربع وما ملكت أيمانهم حسب الشريعة الإسلامية.
إن أنصار المرأة في التأريخ كثيرون فأبن رشد أفتى بأسوة المرأة مع الرجل وكذلك الأفغاني والكواكبي ومحمد عبده ......
سوف لن يتوقف نضال المرأة , ولسوف تفقأ المرأة الشجاعة عيون القوى الرجعية أينما وجدت , مستفيدة ً من تراث المرأة العالمي وتطلعها للحرية , يساعدها أخيها الرجل المتعلم الواعي المواكب للتطور الذي بات يضرب أصقاع الأرض , ولابد للمرأة وقبل كل شئ ان تنتظم في جمعيات ونقابات ونوادي وإتحادات وأحزاب ومنظمات تدافع عن حقوقهن وعن وجودهن المهدد من قبل شذاذ الآفاق ومثيري الفتن والبدع
لقد لعب شعار الثورة الفرنسية _ الحرية ..المساواة..الأخاء ...جانباً إيجابياً في ذلك ولكن الوقفة التي أرست 8آذار كانت نضالات المرأة في ا لمجتمع الأمريكي حين كان أول أحتفال للمرأة يوم 28 شباط من عام 1909 ولقد اُقيم لقاءًنسوياً في كوبنهاكن ضم حينها أكثر من 100 إمرأة من 17 بلداً يطالبن بالمساواة وحق التصويت وفي سنة 1911 ونتيجة للأ جتماع الآنف الذكر قدم إقتراح بان يكون يوم 19 آذار عيداً للمرأة ولكن حدث أن جوبهت المرأة من قبل السلطات في نيويورك يوم 25 آذارمما أدى الى أطلاق الرصاص عليهن ,وا ستشهد أكثر من 140 منهن دفاعاً عن حقوقهن وعندما حل عام 1913 صار يوم 8 آذار عيداً للمرأة العالمي. ولم تستكين المرأة في كل بقاع الأرض وظلت تناضل من أجل المساواة سنة بعد أُخرى , وعند تأسيس الأمم المتحدة وتبني لائحة حقوق الإنسان أدرجت في أكثر من مادة من اللائحة وجوب معاملة البشر سواسية دون تمييز في الحقوق . وعقد أكثر من مؤتمر للمرأة ..فتحية للمرأة في عيدها أُماً وأختاً وحبيبةً .
رشيد كَرمة السويد 7 آذار 2007