لا للصمت



دنيس اسعد
2007 / 3 / 8

دورة "لكل امرأة حكاية" التي اديرها مع مجموعة منتدى معًا النسائي في كفر قرع، مستمرة للشهر الثالث على التوالي. انها بالنسبة لي الدورة الاولى التي ترتكز على فن حكاية القصص كأداة لتدعيم النساء. كل لقاء يزيد قناعتي بان للحكايات سحر خاص وقوة لا تضاهيها اي وسيلة اخرى استعملتها من قبل.

مجموعة عضوات منتدى معا النسائي مجموعة مميزة جدا، مما يضفي بعدا خاصا للدورة. فالتزام النساء بالدورة امر لا مثيل له، وكذلك التفاعل البنّاء بين عضوات المجموعة، اما الحكايا الشعبية التي يحكينها فتزيد من دفء وحميمية اللقاءات. في كل لقاء تسعى النساء لتقصّي المعلومات حول اي موضوع يُطرح، ويبحثن عن العلاقة بينه وبين حياتنا اليومية كنساء يعشن في مجتمع لا تزال تسيطر عليه القيم والافكار الذكورية.

مضامين اللقاءات كثيرا ما تثير لدي تساؤلات، وتضعني شخصيا أمام تحديات. الحكايا كما هو متوقع تعكس في أغلبها قيم المجتمع الذكوري، لذلك أُتبع القصص بحوار مفتوح نحاول من خلاله فحص القيم الواردة وتفاعلنا معها، كما نفحص صلاحية بعض القصص للنشر في الكراس الذي تعكف النساء على اعداده واصداره قريبا.

اكثر قصة اثارت فيّ التحدي كانت قصة "فرط الرمان الذهب"، أو كما اسمتها صاحبة الحكاية "ست الادب". وهي قصة بنت صغيرة رأت معلمها يأكل ولدا ولم تخبر أحدا. معلمها الذي عرف باكتشاف امره هدد الفتاة وارعبها كيلا تشيع السر. بعد أن تزوجت وانجبت ثلاثة اطفال، خطف المعلم أطفالها واتهمها بانها اكلتهم. ولكن عندما قرر زوجها أن يتزوج بامرأة اخرى، أعاد لها المعلم اولادها، مكافأة لها على التزامها الصمت وعدم البوح بسر الجريمة التي شاهدتها.

هذه القصة هزّت اعماقي، لاني كثيرا ما صمتُّ وما تجرأت على الكلام عن ظلم لحق بي أو لحق بآخرين وكنت شاهدة عليه، مع علمي التام أني سأدفع الثمن غاليا. وآلمني أكثر ما سمعته من اغلب النساء بان الصمت والصبر هما الطريق لمواجهة حياتنا اليومية. ولم يفاجئني ذلك لاننا جميعنا تربّينا على المثلين الشعبيين "اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" و"الصبر مفتاح الفرج".

هذه القصة أثارت لدي اسئلة كثيرة اود إشراككم بها، خاصة اننا مقبلون على يوم المرأة العالمي، وهذه بعضها:

ما ثمن الصمت؟ ما الثمن الذي ندفعه اذا تكلمنا؟ هل اذا تكلمنا سنجد دائما من يصدقنا ويدعمنا؟ هل يحل كلامنا المشكلة ام يعقّدها؟

اسئلة كثيرة اسألها لنفسي ولكنّ، رغم يقيني الداخلي ان السكوت يعطي شرعية للخطأ والظلم، بل هو مشاركة في الظلم. ولكني كثيرا ما اجد نفسي جبانة، لا امتلك القوة الكافية للكلام، فأقرر التزام الصمت واقف عاجزة امام جبروت التربية التي تصم تصرفاتنا بالعار. بالنسبة للقصة المذكورة، قررت مجموعة النساء بعد نقاش عميق، عدم نشر القصة بسبب رسالتها المشوّهة.

اعترفت في احيان كثيرة ان ورشات العمل مع النساء هي فرصتي لمحاولة الخروج من قوالب تفكير خاطئة، طالما حلمت بالتخلص منها. وقد تكون قصة "فرط الرمان / ست الأدب" والنقاش حولها بين أفراد المجموعة وبيني وبين ذاتي، فرصتي لمواجهة الخلل في التربية التي تقول ان "الصمت هو الحل".