يومٌ يستحقُ أن يحتفى به



سعد الشديدي
2007 / 3 / 10

رغم كلّ هذا الموت الذي يختبئ في أرصفة الشوارعِ وأبواب البيوت العراقية، المعلق كثيابٍ مغبّرة على حبال الغسيل، المتسلل الى لحظات الحبّ التي تتناسخُ في صرخات الوجع المكتوم، الطارئ علينا رغم وجوده البديهي. نحتفل بيوم المرأة. وأحتفالنا ليس ضرباً من الترف ولا بحثاً عن ساعة فرحٍ وأملٍ نفتقدها أكثر من أي شئ آخر في هذه الأيام المظلمة من تاريخ عراقنا الذي مازال رائعاً في عيوننا رغم مكوثه في غرفة العناية المرّكزة منذ سنوات. بل لتجديد البيعة لنسائنا الجليلات. المتوّجاتِ كأشجار النخيل على عرش زمننا وقلوبنا التي تكسّرت ضفافها ولم يعد بها من شئ سواهنّ وهن يفترشنّ حلم وطنٍ لم يبعنه ولايردنَ له أن يضيع.
وفي هذا اليوم الذي شاء له التاريخ، من باب الضرورة وليس من باب المصادفةِ، أن يتزامن مع ظهور أول البراعم المشّربة بلون الدهشة، وتفتحّ أول زهور الجوري والياسمين والبنفسج نرفع نخبَ المرأة التي لا يسير التاريخ إلا على وقع خطاها. وكأنه ينصت الى رنين خلخالها أو غناء أساورها ليلحق بها في لهفة المكلوم أينما سارت. الآلهة الأولى، عشتار وإينانا وأفروديتي. المقدسة الأولى، مريم العذراء وخديجة الكبرى وفاطمة الزهراء وعائشة وأم البنين. المناضلة الأولى زينب بنت علي أبي طالب و جان دارك وأسماء بنت أبي بكروعميدة مصري وسعاد الوردي ونزيهة الدليمي وياسمين كاظم وليلى المنذري. العاشقة الأولى ليلى العامرية والعباسة بنت المهدي وولادة بنت المستكفي. الأم الأولى والأخيرة تلك التي لا تستقيم الحياة دونها، المتمردةُ على قيود زمانها وظلم الظالمين لها كمرأةٍ وكإنسانة، الصابرة أبداً، الواقفة بأنفةِ أشجار الطرفاء في لهيب البراري الخاوية، نقطة الأمان التي نجتمع حولنا في ساعات الخوف والقلق. الحبيبة التي ما فتأت تمتزج مع هواء الصبح اذا تنفس، الواضعة أقدامها على تراب الأرض لتعيدنا اليه متى ما فقدنا نعمة التوازن، الواضحة كشمس أول النهار. الأبنةُ الأولى التي لا أعرف كيف أصبحت أمرأة رائعةً بهذه السرعة، والتي أتمنى لها أن تستمرّ في أن تجعل من إنوثتها صديقةً حميمة لها ما عاشت. من أجلهن جميعاً ينبغي، بل يجب علينا، أن نحتفل بالثامن من آذار.
رغم الموت الذي يحتضنُ جدراننا العتيقة في محلات مدننا وقرانا وحالة الجَزر الذي أراد له أعداء بذرة الحياة الأولى أن يكون ملازماً لنا ويصيب أول ما يصيب نسائنا، نرفع نخب المرأة في بلادنا ونخب نساءالعالمِ أجمع.
وقبل أن نطفئ شمعة العيد علينا أن نُسرَّ أمنيةً للعام القادم. ولكن هل تكفي أمنيةٌ واحدة لعام ربما يكون قاحلاً كسابقهِ؟ دعونا مع ذلك نتمنى أن يتصاعد نضال النساء والرجال من أجل بناء عراقٍ جديد تأمن فيه المرأة على نفسها وحبيبها وأبنائها. ومن أجل إنهاء إستعباد نسائنا وأمتهان أنسانيتهن وحقوقهن. من أجل تشريع قوانين تضمن لنساء العراق حقوق المواطنة الكاملة. من أجل أن لا تعود المرأة جاريةً في سوق الرقيق كما كانت ولا موضوع لهوِ بين وسائد وأسرّة الحريم السلطانيّ كما يريدون لها أن تكون.
أردت فقط أن أحتفل بالثامن من آذار وأن أحيي نساء العراق وإن على عجل. فلا وقت للإحتفالات الطويلة الباذخة ونهر الدم يجري هادراً في عراقنا ويقتلع النساء والرجال والأطفال من جذوع الوطن الجريحة.
أمنية أخيرة: أيتها المرأة التي منحتنا الحياة والحبّ والأمن امنحي وطننا الحياة والحب والأمن والأمان فهو بحاجةٍ اليه هذه الأيام. آمين.