نوال السعداوي : كاتبة تحارب بالقلم حزب التخلف العربي



يسري حسين
2007 / 3 / 12

تحتفي دور النشر البريطانية بأعمال الكاتبة المصرية د . نوال السعداوي , إذ تعتبر ما تكتبه يُعبر عن تيار أصيل في المجتمع العربي , يعانق الحرية ويدافع عنها , ويؤكد دائماً على حقوق المرأة والمساواة الكاملة التي تحصل عليها نتيجة الكفاح المستمر والتضحيات الهائلة لكسر قيود مجتمع العبودية والتخلف والقهر بجميع أشكاله . والاحتفاء البريطاني بالكاتبة المتمردة يأتي وهي تواجه اتهامات وحصار معسكر التخلف والتراجع عن الاعتراف بحقوق المرأة والإنسان . وقد اشتدت الحملات الإرهابية على السعداوي , بهدف تلويث كل موقف يعمل من أجل رفع راية الحرية عالياً .والنضال تحتها لتحديث هذه المنطقة التي تعاني على مر قرون من قبضة رجعية فاشية بكل المعاني .
وقد استطاعت د . نوال السعداوي جذب اهتمام الحياة الثقافية الغربية بها , منذ فترة طويلة نتيجة عمق ما تكتبه وشجاعة ما تطرحه من أفكار . ويمكن القول أن المؤلفة المصرية استطاعت مبكراً اختراق حاجز الصمت والتجاهل في الحياة الثقافية الغربية , تجاه الكتابات القادمة من العالم الثالث . وقدمت السعداوي نفسها انطلاقاً من القضايا المصرية والعربية وعبر نافذة حقوق المرأة ونضالها المستمر لكسر قيود العبودية وعدم المساواة .
اعتمدت الكاتبة دائماً على علاقات قوية في البيئة الغربية , بسبب نوعية الكتابة التي كانت البداية في لفت الانتباه إلى كاتبات عربيات يتحدثن بصراحة ويحتضنّ النضال المستمر وتأكيد حقوقهن وضمانها .
انتقدت بعض التيارات أسلوب السعداوي الذي يفجر قضايا خلافية بين الرجل والمرأة , مع أن نمط الحياة الذي يسلب الحقوق من المجتمع , يعاني منه الجميع , غير أن الكاتبة المصرية ركزت على الاتجاه الذي تراه ضرورياً للدفاع عن نصف المجتمع , خصوصاً في مرحلة الهجوم الضاري الذي تشنه تيارات معادية لحرية المجتمع بوجه خاص والتركيز على قضية المرأة لنفيها وتهميشها . وعملت هذه الاتجاهات السلفية منذ عودتها في التأثير , إلى عصر الحجاب والتخفي والدعوة للانسحاب من دائرة الحياة الاجتماعية بالكامل , مع تجريم عمل المرأة ورفض تعليمها , بالإضافة إلى زرع الفتن الطائفية .
والمتابع لمسيرة السعداوي لابد وأن يُعجب بشجاعتها , إذ ناضلت ولا تزال في مرحلة صعبة , عندما سيطر الخطاب الأصولي بكل قوته وعمل على إرهاب الجميع .
وكتاب د . نوال السعداوي الذي تُرجم إلى الإنكليزية ونُشر تحت عنوان , يصور عملية المواجهة الشرسة التي تحدث بين المد الأصولي والأصوات المدافعة عن الحريات والتي وجدت نفسها في حالة حصار واتهامات والتشكيك في القناعات الدينية وإطلاق سهام التشويه . إن كاتبة بهذا الحجم المستنير والمتألق في معالجة هموم نساء وفلاحين وطبقات شعبية فقيرة , يجري اتهامها بالكفر ومعاداة الدين , مع أن رسالتها تلتقي مع مضمون الإيمان حيث الهدف هو تحرير الإنسان من القيود والحصار . والإنسان الحر هو مؤمن بالضرورة بينما العبد مقيد وغير قادر على الاختيار . ونوال السعداوي تدعو لفعل الحرية وهي تستفز معسكر التخلف والفساد والنهب والمهانة الوطنية , لذلك يُطلق عليها كلاب مسعورة في محاولة للتشويه والنفي .
تتذكر الكاتبة رحلة العمر وتعود إلى أصول التربية للطبقة الوسطى المصرية , التي كانت تمثل الامتداد لثورة 1919 , بالتركيز على العلم وتعليم البنات بشكل خاص ورفض الإرث الظلامي الذي كان يشكك في قدراتهن ويصفهن بالعورة , التي لابد من حجبها خلف الجدران .
قام د . شريف حتاتة , زوج الكاتبة بنقل هذه الترجمة الذاتية إلى اللغة الإنكليزية حيث عاد ترتيب الفصول والدخول إلى عالم السعداوي من الاهتمام بفصل < الأب > وعمق أفكاره الليبرالية والإنتماء الذي جذبه إلى ثورة 1919 وحزب الوفد وتاريخ وطنية مصرية ارتبط بالحرية وتحرير المرأة .
ترسم نوال صورة واقعية عن مشروع النهضة المصري , الذي ركز على التعليم أولاً واستنهاض الوطن عبر تحرير إرادة شعبه وتحطيم أغلال المرأة وفتح أبواب العلم أمامها .
وصورة < الأب > في كتاب السعداوي هو الذي شجع على فتح أبواب التعليم أمام إبنته الطالبة حتى وصلت إلى كلية الطب . وفي الطبعة العربية , تسرد الكاتبة لحظة الأزمة عندما تعلم أن إسمها على قوائم الإرهاب فتقرر قبول منحة للتدريس في الجامعات الأمريكية وتصحب زوجها شريف حتاتة , الرجل الذي قضى عمره كله يواجه الإرهاب ويتصدى للاعتقال ويقاوم التهميش .
ولحظة الحصار , هي مدخل < أوراق العمر > غير أن شريف حتاتة عندما نقل الترجمة الذاتية إلى الإنكليزية بدأ من نقطة المشروع الليبرالي ورسم صورة الأب والعائلة التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى الصغيرة وكفاحها للتحرر من ضمن مشروع العلم ومواجهة التخلف الإجتماعي عبر تعليم البنات والأولاد وإنهاء هذه التقسيم الظالم بين عنصري الأمة .
كتاب السعداوي يمزج بين الخاص والعام , لذلك ترسم المؤلفة صورة لتطور المجتمع المصري والعوامل التي حاصرته لإجهاض مشروع النهضة . وتبدو نكسة 1967 بداية الطريق لتقويض هذا الطموح الإجتماعي , إذ غرق المجتمع في الإحساس بالندم الشديد والشعور بالقصور , ومن ثم انتعشت التيارات الأصولية , التي قالت أن السبب في النكسة هو التعليم وخروج المرأة للعمل إلى آخر هذا السيناريو المضلل .
وكان الأمل أن تحرك النكسة عوامل التنوير في المجتمع وتدفع نحو المزيد من العلم والحرية , غير أن التغيير السياسي الذي حدث في السبعينيات جاء من معسكر المحافظة السياسية , فراهن بكل قوته على دعم التيار الأصولي حتى يحقق معادلة الخروج من نظرية التنمية الإجتماعية وتفكيك مشروع النهضة بالكامل .
ترسم السعداوي , أجواء مصر وهذا الشد والجذب تجاه ملف الحريات والعدالة الإجتماعية والانفتاح على روح العصر . وبين التيار الآخر الذي يقاوم هذه الثوابت التي ارتبطت بمشروع النهضة المصرية عقب انفجار ثورة 1919 .
كعادتها تكتب السعداوي بلا أقنعة عن حياتها ورؤيتها لتطور حياة المجتمع المصري , ولحظات الإنكسار التي واجهتها خلال حقبة طويلة من الزمن تبدأ مع تعليم المؤلفة وتستمر خلال حياتها الجامعية ثم تخرجها واندماجها في الحياة العامة المصرية .
خروج المؤلفة إلى الولايات المتحدة , جعلها تتأمل شريط حياتها . ونوال السعداوي لديها هذا الغرام بتأمل أيام العمر . وكل كتاباتها حتى الفنية منها هي مجرد فقرات من رحلتها في دروب الحياة . وهذا التأمل يربط الذاتي بالموضوعي والحياة الخاصة بتطور المجتمع . وعندما تنظر المؤلفة في هذا الشريط تعرضه من خلال < البانوراما > العامة عن حياة مصر وتطور مشروعها وصدامه بالعقبات القادمة من تراكم الإرث البيروقراطي والتيارات المعادية للحرية والديمقراطية .
وقد قرأت سيرة د . شريف حتاتة الأخيرة , أعني الجزء الثالث , وهو بدوره يحكي قصة مصري يقف ضد تيار العنف الذي يسلب الإرادة ويُحول الإنسان إلى كائن بلا وظيفة .
وهناك ملامح مشتركة في سيرة المؤلفة نوال السعداوي والمترجم شريف حتاتة , فكلاهما ارتبط مشروعه الذاتي بمشروع الحرية وتنوير واقع المجتمع . وهذه الشهادات المهمة علامة نضج وملمح إيجابي يشير إلى ثغرات يفتحها هذا الجيل في حائط الاستلاب والحصار , وإن كان يدفع الثمن غالياً , فأحياناً تبدو القضية وكأن نوال السعداوي لوحدها تواجه هذا الهجوم الشرس والتحالف الظالم ضدها وهو الذي يتكالب في الوقت نفسه على مصر ويسعى لتكبيل العالم العربي في حريق الطائفية والتمزق والتعصب ومعاداة الحريات والفكر الحر .
ويميز السعداوي وحتاتة معاً القدرة على الإفصاح والتحرر من الأقنعة . ويؤكد حتاتة أن الكتابة أنقذته من براثن البيروقراطية , وكانت طوق النجاة الذي أخرجه من عواصف الحياة ومنحته هذا الإحساس الجديد بالقدرة على التعبير من خلال التعلم .
وقد اكتشفت السعداوي , هذا مبكراً فارتبطت هي الطبيبة بمشروع كتابة لايزال مستمراً حتى الأن وتبرز من خلاله طموح أجيال من بنات إزيس يقاومن الموت الاجتماعي ويؤكدن دائماً على أن الحياة هي الحرية . والمجتمع القوي هو الذي يسمح لأبنائه بالانطلاق والتعبير من دون قيود .
ومصر دائماً قدرها هو الحرية , وقد خرج المصريون في هبّات لتحقيق مشروع النهضة والارتباط بالعلم والانفتاح والديمقراطية . وكتاب نوال السعداوي في طبعته الإنكليزية يترجم مسيرة إمرأة مصرية تتمسك بإرث الأجداد والأباء , وتقول بالصوت المرتفع , إنه لابديل عن مشروع النهضة المصري وهو القادر على تحدي مشروع التخلف والظلام والعودة إلى الوراء .
تحية إلى د . نوال السعداوي مؤلفة هذا الكتاب الذي يستعرض تاريخ مصر ويقدم صورة عن نبض هذه الأمة وقدرتها على الدفاع دائماً عن حرية الجميع , النساء والرجال .
وتواجه الكاتبة الحرة الأن حملة جديدة يشنها معسكر التخلف بهدف إرهاب الجميع , والتضامن مع نوال السعداوي هو مهمة كل كاتب وكل إنسان يؤمن بأن مستقبل هذا الوطن العربي كله يرتبط بحرية الفكر وليس القمع الذي يجلب الاحتلال والتمزق والقتال بين أبناء أمة واحدة تحولوا بسبب الاستبداد والديكتاتورية والغزو إلى فرق متناحرة . والامل في الانقاذ هو العودة مرة أخرى لثوابت الحرية والديمقراطية , ولعل معركة نوال السعداوي تكون هي المجمع لكل قوى النضال في غد أكثر إشراقاً وإنفتاحاً وإيماناً بقيمة الإنسان .