نساء من سنوات الجمر



حسن مدن
2007 / 3 / 15

دشن المنبر التقدمي‮ ‬تقليدًا أكد انه سيحرص عليه في‮ ‬الثامن من مارس من كل عام،‮ ‬بتكريم عدد من الرائدات في‮ ‬النضال الوطني‮ ‬والنسوي،‮ ‬ابتدأه بتكريم أربع نساء من هؤلاء‮. ‬ يجب الاعتذار لأن هذه الخطوة تأخرت،‮ ‬كان علينا أن نلتفت إليها قبل ذلك لكن عزاءنا أن النساء اللواتي‮ ‬تم‮ ‬تكريمهن،‮ ‬لم‮ ‬يكنَّ‮ ‬ينتظرن جزاء أو شكورا،‮ ‬يوم سلكن منذ عقود طرقا‮ ‬غير معبدة،‮ ‬وسط ظروف قاسية في‮ ‬مناخات العمل السري،‮ ‬محملات بأحلامهن المترعة بالثقة في‮ ‬صواب الدرب الذي‮ ‬اخترنه‮.‬ وقفة التكريم هذه وقفة في‮ ‬غاية الرمزية تجاه هؤلاء النساء،‮ ‬لكننا إذ نحتفي‮ ‬بهن فإنما لنستلهم من عطائهن تلك الدروس التي‮ ‬لا تنضب في‮ ‬التفاني‮ ‬والتواضع والبساطة ونكران الذات،‮ ‬فقد كن جنديات مجهولات بالمعنى الحقيقي‮ ‬للكلمة،‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬يناضلن لكي‮ ‬يقال عنهن إنهن مناضلات،‮ ‬بل كن بإرادتهن الحرة‮ ‬يخترن أصعب طريق‮ ‬يمكن للإنسان أن‮ ‬يختاره في‮ ‬الحياة،‮ ‬وهي‮ ‬أن‮ ‬ينذر نفسه لقضية شعبه،‮ ‬وان‮ ‬يتحمل جراء ذلك كل الأهوال،‮ ‬من ضغوط الملاحقة والاعتقال والتحقيق،‮ ‬إلى شظف المنافي‮ ‬البعيدة الباردة الموحشة بعيدا عن السماء الأولى،‮ ‬وعن دفء الوطن والأهل والأحبة‮.‬ أمينة علي‮ ‬حافظ ابنة المحرق الباسلة‮ ‬التي‮ ‬اقتيدت في‮ ‬ليلة من ليالي‮ ‬ابريل عام ‮٨٦٩١ ‬من بيتها الذي‮ ‬غاب عنه زوجها في‮ ‬المنفى بعد دوره المشهود في‮ ‬انتفاضة مارس الخالدة عام ‮٥٦٩١ ‬إلى السجن،‮ ‬بعد أن صودر كل الكنز الثمين الذي‮ ‬كان في‮ ‬حوزتها من وثائق النضال ضد الاستعمار البريطاني‮ ‬وأعوانه‮. ‬كانت أمينة بهذا المعنى أول معتقلة سياسية في‮ ‬البحرين،‮ ‬وأول امرأة تمثل أمام القضاء بتهمة سياسية،‮ ‬لتبدأ بعدها رحلة الشقاء في‮ ‬المنافي‮.‬ فاطمة إبراهيم بوسيف هذه المرأة الرائعة التي‮ ‬رافقت زوجها في‮ ‬النضال منذ المراحل الأولى،‮ ‬وعانت من ظروف اعتقاله في‮ ‬نهاية الستينات،‮ ‬قبل أن ترافقه إلى منفاه في‮ ‬الكويت‮ ‬البلد الذي‮ ‬أصبح وطنًا ثانيا لها،‮ ‬لكنها ظلت تحمل البحرين في‮ ‬قلبها‮. ‬هذه المرأة هي‮ ‬الأخرى جندية مجهولة اضطلعت بدور مهم‮ ‬تود أن تخفيه سرا في‮ ‬قلبها الكبير،‮ ‬وربت أبناءها وبناتها على حب الوطن حيث ولدوا وكبروا وهم بعيدون عنه‮.‬ حياة محمد شاهين،‮ ‬هذه المرأة الآتية من لبنان الشقيق،‮ ‬التي‮ ‬جعلت من البحرين خيارا لها وهي‮ ‬ترافق زوجها أبو‮ ‬غسان في‮ ‬رحلة المنافي‮ ‬الصعبة الطويلة،‮ ‬بين بيروت وبغداد ودمشق وربما أماكن أخرى أيضا،‮ ‬في‮ ‬ظروف نعرف كم كانت قاسية ومرهقة‮. ‬ما الذي‮ ‬يجعل امرأة تختار لنفسها وطنا آخر‮ ‬غير وطنها بينما هذا الوطن الآخر ظل‮ ‬يرفض دخولها إليه،‮ ‬وأن تتحمل قسوة تلك الظروف الصعبة سوى المعدن الإنساني‮ ‬الأصيل في‮ ‬أم‮ ‬غسان؟‮ ‬ نجاة محمد صالح الموسوي‮ ‬ابنة رجل الدين والدنيا،‮ ‬القادمة من القرية التي‮ ‬وجدت في‮ ‬جبهة التحرير وفي‮ ‬الفكر التقدمي‮ ‬عنوانا لها منذ عام ‮٧٦٩١‬،‮ ‬نعرفها رائدة من رائدات العمل النسوي‮ ‬في‮ ‬القرى،‮ ‬يوم أسست ورفيقات لها جمعية فتاة الريف التي‮ ‬لم تشهرها الدولة إلا مع الإصلاحات،‮ ‬وكانت هدفا للهجوم الذي‮ ‬لم‮ ‬يعرف الهوادة من قبل القوى المحافظة،‮ ‬ثم كانت واحدة من الناشطات في‮ ‬الحركة النقابية في‮ ‬البحرين حين اختيرت عضوة‮ ‬إدارية في‮ ‬نقابة العاملين في‮ ‬الصحة في‮ ‬السبعينات‮.‬ مهما فعلنا لن نوفي‮ ‬هؤلاء النساء الرائعات ومن هن على معدنهن حقهن،‮ ‬ولا حتى أقل القليل من هذا الحق‮.‬