المرأة الأممية والنضال الأممي



حميد كشكولي
2007 / 3 / 16

لا أتصور أن ثمة فترة مرت بها البشرية أصبحت أهدافها الإنسانية النبيلة ، وكفاحها في سبيل حياة أفضل عالمية وموحدة بهذا الشكل الذي يتجلى اليوم. ففي هذه الفترة التي نعيشها غدت كل ما يطلقون عليها بالتمايزات أو الخصائص الوطنية والقومية مجرد تضليل برجوازي. وقد أصبح جليّا أيضا أن الأمم والقوميات والطوائف لا وجود لها إلا في أذهان البرجوازية التي تخلق أمة وقومية وطائفة حالما تقتضي مصالحها ، وتلغيها في رمشة عين إن لم تكن ثمة حاجة إليها. والضحايا في كل الأحوال هم أناس أبرياء أو بالاصطلاح العراقي" ولد الخايبة" ، أو على الأغلب مخدوعون يالشعارات والأناشيد الحماسية ، تستخدمهم البرجوازية حطبا في نيران حروبها وسجالاتها الاجرامية.
والمرأة العاملة يقع عليها اضطهادان أو اضطهاد مزدوج ، واحد بسبب بيولوجي كونها أنثى في مجتمع باترياركي ، وآخر طبقي بسبب كونها عاملة وكادحة وربة بيت. ولذلك فأن تحررها مرهون بتحرر المجتمع من العلاقات الطبقية السائدة. ولا يمكن في هذه السياق أن يكون احلال العلاقات الماترياركية بدل العلاقات الباترياركية حلا لقضية المرأة، فذاك لن يغير شيئا من واقع العلاقات اللاإنسانية في المجتمع ، ولن يزيل أسس الاضطهاد الطبقي والاضطهاد الجنسي ، ولن يتحرر المجتمع من العلاقات الرأسمالية السائدة .
فالمرأة العاملة في ظروف تسود فيها العلاقات الرأسمالية وتقاليد النظام الأبوي " الباترياركي" هي:
المرأة العاملة التي يتم استغلالها طبقيا من قبل رأس المال ، وتعمل على اعادة انتاج رأس المال واثراء الرأسماليين ببيع طاقاتها في سوق العمل.
المرأة ربة البيت التي تتعب وتكد في تدبير المنزل وتربية الأطفال وخدمة الزوج ، وتضحي بكل طاقاتها الجسدية والعاطفية بدون أجور ولا ضمانات اجتماعية
والمرأة العاملة هي الأملا التي تلد الأولاد الذين يوفرون اليد العاملة لانتاج فائض القيمة واعادة انتاجها.
فوجود النساء العاملات في هذا النظام الطبقي الباترياركي إنما هو كان نتيجة مباشرة لسيادة العلاقات الرأسمالية للبرجوازية. وهذا الاضطهاد المزدوج ينتج نفسه ويعيد انتاج نفسه مع نمو رأس المال بحيث يجعل من المرأة أداة تفريخ القوى العاملة ، وتوفير اليد العاملة لإدامة حياة انتاج رأس المال.
والأخطر من كل ذلك تتهافت الرأسمالية لبث الروح لحياتها المختضرة بواسطة وعاظها و منظريها بابتداع مختلف النظريات للنبش عن جذور التفرقة والعنصرية واالفرقة والشقاق في مجتمعاتنان والتتي تتجلى على شكل عصبيات قومية وطائفية ولغوية وثقافية ومناطقية، وبهذا يتم مواءمة النظام الباترياركي " الأبوي" مع النظام الطبقي السائد.
فحكومة المحاصصة الطائفية في العراق المتبناة من قبل الإمبريالية الأمريكية لا يمكنها إلا أن تعبر عن ثقافتها المتآزرة مع العولمة و النظريات العنصرية الغربية ، مثل الما بعد حداثية " البوست مودرنيزم" بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية ، وتقيم جدارا يعلو يوما بعد يوم بين المرأة والرجل ، وكل ذلك لإزالة أية عراقيل أمام ممارستها لسلطتها ، وادامة الاحتلال .
وقد أصبحت ممارسة الحكم في ظل ولاية الفقيه في إيران والتي هي المثال الأعلى لأحزاب ومليشيات في العراق ، أصبحت لتطويع كل شئ من فن وثقافة وموسيقى وعمارة وأزياء و غيرها وفق الزمرة الدكتاتورية الحاكمة في خدمة سلطاتها . وقد امتدت سلطاتهم منذ اليوم الأول لاستلامهم الحكم إلى داخل منازل المواطن . التدخل في القضايا الشخصية غدا جزء من ممارسة السلطة في الدولة. وفي قضايا البناء والعمارة تفرض تصاميم تزيد من عزلة المرأة و تساعد على حجابها وعزلها عن الناس . كل شئ يجب أن يتوافق مع السياسة الثقافية المعادية للحريات الشخصية. وقد عانى المواطنون في مناطق هورامان أثناء سيطرة مجاميع الاسلام السياسي من هذه الهمجية ، همجية وأد البنات في بيوتها بدلا من الصحراء.
وفي عصر العولمة وتفسخ البرجوازية لم تعد ثمة من حدود وطنية أو قومية أمام رأس المال الذي توسع وكبر ومزقت كل هذه الحدود، وأمست العلاقات الطبقية والباترياركية بدورها عالمية ، وبالتالي أصبح الظلم الطبقي والاضطهاد الجنسي المسلط على المرأة أيضا ظاهرة عالمية فوق القومية.
وإن التحرر من الظلم الجنسي والقومي والطائفي والثقافي تلزمه أممية تلتف حولها كل الطاقات النضالية في العالم لتوجيهها في مواجهة الرأسمالية وافرازاتها من حروب و عنصرية و اقتتالات أهلية.
فمصدر انتاج العلاقات الراسمالية واعادة انتاجها هو رأس المال العالمي الذي يشكل قوة عسكرية امبريالية تشن الحروب وتقوم بارتكاب ابشع الجرائم بحق البشرية تحت مسميات تصدير الديمقراطية و حقوق المرأة والإنسان ، وكل ذلك هوفي سبيل حماية رأس المال.
ففضية تحرر النساء هي قضية أممية واحدة في كل العالم، إذ أن الظروف التي رمت بمئات الألوف من نساء أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية ، في أسواق الدعارة ، هي الظروف نفسها التي تغتصب فيها نساء في العراق. هي نفس الظروف التي أوجتها الإمبريالية لإدامة ماكينة الاستغلال والبربرية في العالم. هذه الظروف التي يتم تعذيب سجناء في ابو غريب ، وسجون ديمقراطية في بقاع كثيرة من العالم.
هذه العولمة التي جلبت الفقر والتشرد لنسبة كبيرة من البشرية جعلت من المرأة سلعة رخيصة في الأسواق، وهي التي اضطرت الفلبينيات والمصريات أن يعملن خدما عند شيوخ النفط في الخليج والجزيرة العربية. وهذه العولمة الإمبرالية بحروبها وعدوانها على الجماهير المحرومة هي التي شردت ملايين العراقيين والعراقيين إلى بلدان الخليج والأردن وسوريا. والكل يعرف أية ظروف تعيشها عراقيات في هذه الدول وفق قيم العروبة والاسلام المباركة من قبل الإمبرياليين الأمريكان وحلفائهم .
فإن قصرنا اضطهاد المرأة على قضية كونها أنثى فقط لقصرنا بحقها ، ولجافينا الحقيقة، إذذاك يواجه الإعلنم البرجوازي كل الحركات التحررية بأسئلة ، من قبيل، ألم تكن مارغريت تاتشر رئيسة الوزاء مثلها مثل تشرشل؟ ألسنا نؤمن في هذه الحالة بالعدل والمساواة؟
ألم تكن جلادة سجن أبو غريب امرأة ؟ فما الفرق بينها و بينها جلادي وزارة الداخلية العراقية من الرجال؟ أليسست خالدة ضياء رئيسة وزراء الشعب الجائع في بنغلاديش؟ و بينظير بوتو في باكستان ، فنا الفرق بينها وبين والدها و ضياء الحق ومشّرف؟
تسليع المرأة في ظل العلاقات الرأسمالية والسلطة البرجوازية و علاقات انتاج العلاقات الباترياركية واعادة انتاجها حقيقة لا يمكن الاتفاف عليها. وبالاضافة إلى تسليعها، والحط من قيمتها ترى الرأسمالية في المرأة يد عاملة مطيعة لكل مطاليبها.
فكم كانت المناضلات المشتركات في الكونفرانس الثاني الأممي للنساء العاملات عام 1910 واعيات ! حين ربطن بين حقوق المرأة والنضال في سبيل الإشتراكية في شعارات، مثل:
" نطالب بحق التصويت للنساء" و " لنوحّد كل طاقاتنا في النضال في سبيل الإشتراكية"

ومن المفيد أن يطلع القارئ على هذه المقاطع من البيان الشيوعي:

(." و البرجوازية نزعت حجاب العاطفية عن العلاقات العائلية و قَصَرتها (العلاقات) على علاقات مالية بحتة ."
و "لكنكم, أيها الشيوعيون, تريدون إدخال إشاعة النساء". كذا تزعق بنا بصوت واحد البرجوازية كلها.
فالبرجوازي يرى في امرأته مجرَّد أداة إنتاج. و هو يسمع أن أدوات الإنتاج يجب أن تشتغل جماعيا. و طبعا, لا يسعه إلاّ أن يعتقد بأنّ قدَر الإشتراكية سيصيب النساء أيضا.
و لا يدور في خلده أنّ الأمر يتعلق, ضبطا, بإلغاء وضع النساء كمجرّد أدوات إنتاج.
و للمناسبة, لا شيء أكثر إثارة للسخرية من ذعر برجوازيتنا الأخلاقي المسرف في أخلاقيته, من إشاعة النساء الرسمية, المدَّعَى بها على الشيوعيين. فالشيوعيون ليسوا بحاجة إلى إدخال إشاعة النساء, فقد وُجدت على الدوام تقريبا.)

الخميس, 15 آذار, 2007