-استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا-



محمد بركة
2007 / 3 / 18

لفت نظري بيان صدر على شرف الثامن من آذار عن "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" في تونس والتي تتشكل من أحزاب وجمعيات مختلفة تضم اسلاميين وعلمانيين حيث وردت تفاصيل هذا البيان على نشرة "الجزيرة نت" الألكترونية.
وقد توقف البيان المذكور عند عدة نقاط أهمها:
أ- ضرورة أن يتبنى الدستور التونسي مبدأ المساواة بين الجنسين والغاء كل القوانين التي تتضمن أي شكل من اشكال التمييز ضد المرأة.
ب- تبني آليات قضائية لتعقّب التمييز ضد المرأة.
ج- الدعوة الى تطوير الفعاليات السائدة وإصلاح البنى الثقافية وايلاء دور هام للمدرسة ولوسائل الإعلام لبناء ثقافة جديدة تقضي على مظاهر التمييز ضد النساء وغرس ركائز أسرة متماثلة ومتضامنة.
د- البيان لم يخف وجود قضايا لم تحسم وتحتاج الى المزيد من النقاش وبالأساس المساواة في الإرث بين المرأة والرجل وزواج المسلمة بغير المسلم.
كما طالب البيان بالغاء قرار الحكومة التونسية 108، الذي يمنع المحجبات من الدراسة والعمل وهنّ مرتديات ما يسميه القرار الحكومي: اللباس الطائفي، فهذا قرار تعسفي، "لأن ارتداء الحجاب يتعلق بالحرية الذاتية ولا يحق لأحد بالتدخل فيها، إن كان بالمنع أو الإلزام عن طريق الإكراه"، كما جاء في بيان هيئة 18 أكتوبر.
لا شك ان هذا البيان ينطوي على أهمية بالغة نظرا لالتقاء أوساط علمانية ويسارية وشيوعية واسلامية حوله، بمن فيهم من ينتمون الى تنظيمات محظورة.
إن موقف اليساريين من مسألة الحجاب وكونها خيارا فرديا حرا يقع خارج الاكراه، هو موقف مفهوم ومألوف، كما أن موقف الاسلاميين ضد حظر الحجاب هو موقف طبيعي ومفهوم.
والسؤال المطلوب هو ما يتعلق بغير المألوف، الذي اعتقد انه ايجابي للغاية وهو هل استعداد الاسلاميين لتبني "مبدأ المساواة بين الجنسين، وتعقب التمييز ضد المرأة، والغاء كل القوانين التي تتضمن أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة"، جاء لمواجهة الكبت السلطوي الذي يتعرضون له، وهل موافقتهم على هذا "غير المألوف".. جاء مرحليا للاستقواء في مواجهة السلطة، أم يعبر عن نهج أكثر عمقا؟
أيا كان الجواب فالجهد الذي جرى توظيفه لصياغة البيان المذكور في قضية المرأة يستحق الثناء والتقدير، رغم انه تمثل أمامي صور سريعة عن علاقات الاسلاميين واليسار والقوى الوطنية، في مواجهة أنظمة طاغية، التي سرعان ما تحولت الى علاقات عدوانية على أقل تعديل من جانب التيارات الاصولية ضد اليسار أو القوى الوطنية، بعد تغير توازن القوى في صالحهم، هكذا في إيران أيام الشاه، بين الخمينية وحزب "تودة" الشيوعي، وهكذا في السودان منذ أيام النميري، وهكذا حتى في فلسطين في بدايات حماس.
والشيء بالشيء يذكر، في آذار هذا العام، وفي حدود الثامن منه، لفت نظري انتشار يافطات في شوارع قرانا ومدننا، موقعة من الحركة الاسلامية، مكتوب عليها الجزء التالي من الحديث النبوي الشريف: "استوصوا بالنساء خيرا".
الحقيقة أنني لا أخفي أنني استبشرت بهذه اليافطات خيرا، علما أن موضوع المرأة وحقوقها ومساواتها ونشاطها المجتمعي والسياسي هو أحد المواضيع التي تكتسب سخونة في النقاشات الدائرة في مجتمعنا خارج دائرة العمل السياسي والوطني التي غالبا ما تحظى شعاراته الاساسية بتوافق واسع.
لماذا استبشرت خيرا؟
لايجابية شعور الحركة الاسلامية بضرورة التعاطي بقضية المرأة خارج التسفيه السطحي المسيء لنشاط التنظيمات النسوية، أو رمي بعض هذه التنظيمات بصفات محظور على بني البشر أن يرموا بها أحدا، بفعل الفكر الإيماني، أو التعاطي بقضية المرأة خارج الاعتراض على صيانة حقوق أساسية للمرأة في التمثيل السياسي وخارج السخرية من مناسبات متعلقة بالمرأة وعلاقتها بالرجل، مثل يوم المرأة العالمي أو عيد الأم أو حتى عيد الحب.
صحيح ان هذه المناسبات لم تكن قائمة أيام السلف الصالح كما هو الأمر مع يوم العمال ويوم الارض أيضا، إلا أن هذه الأيام تعبر عن قيم مكتسبة ومتراكمة يجري الحكم عليها بما تحمله من مضامين صحيحة وصالحة ولا تكتسب صلاحيتها بحكم تاريخ وقوعها ومدى ملازمتها تاريخيا لايام السلف الصالح.
أما أن يقال بوجوب احترام الام كل أيام السنة ولا حاجة لعيد الأم فهذا سيبدو كمن يقول بغياب الحاجة للصيام في رمضان لاستشعار اوضاع البؤساء والجائعين لان هذا هو واجبنا كل أيام السنة.
لكن إلى جانب الاستبشار بالخير- آنف الذكر- روادتني بعض الظنون و"إن بعض الظن إثم"...!!.
هل اجتزاء الحديث النبوي الشريف يحمل هدفا.. أو حرجا ما..
"استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا".
والعوان إذا كانت جمعا لعانية فهي فاقدة القدرة والأهلية اما إذا لم تكن كذلك فهي بمعنى ما يقع في الوسط، وعليه فقد يشعر البعض ببعض الحرج اذا ما جرى التعاطي الحرفي مع نص الحديث.
الحرفية في التعامل مع التاريخ وتحميل هذا الزمان وزر مفهوم الحدث في ذلك الزمان إنما ينطوي إما على اساءة او على جهالة، والحرفية قد تتحول بكل سهولة الى تحريفية.
ولا بأس من الاتكاء على هامة علي بن ابي طلب كرّم الله وجهه بشأن دياليكتيك التاريخ بأن "معروف زماننا منكر زمان قد مضى.. ومنكر زماننا معروف زمان قد يأتي"، أو "لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم ولدوا لزمان غير زمانكم".
عندما جاء الإسلام كان المجتمع الجاهلي يئد البنات ويتاجر بالجواري ويحرم المرأة من الميراث، وجاء الإسلام هاتفا "وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت".. لينتقل بالمرأة نقلة نوعية هائلة الى الأمام.
اذا كان الاسلام قد قفز بقضية المرأة الف عام خلال 23 عاما من الرسالة النبوية الا يجدر بنا ان نقفز بهذه القضية مسافة 200 عام فقط خلال 1500 عام منذ فجر الاسلام وحتى يومنا هذا؟
هذه هي الروح.. واذا كان الرسول العربي (ص)- خلال فترة نبوته التي استغرقت 23 عاما- قد عمل على تثبيت تعاليم الدين بالحسنى (عملا بالآية الكريمة: لا اكراه في الدين، أو الآية الكريمة وجادلهم بالتي هي أحسن) وعلى أساس مبدأ التدرج (أي على مراحل).. فهل يعقل أن يفترض اي كان أن التطور وحاجات البشر انتهت مع نهاية حياة الرسول الكريم واذا كان الامر كذلك فما المبرر للاجتهاد والافتاء والقياس؟؟
إن 23 عاما استوجبت وجود حاجات التكيف للظروف وللتطور فهل توقفت الحياة وتوقفت حاجات التطور عند ذلك النص "عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا"، بعد 1500 عام من الرسالة النبوية؟؟
العدل الطبيعي وحاجات المجتمع والتطور والتربية والسياسة وحاجات التصدي للمخاطر والقهر والعدوان والتخلف والهذيان خارج العصر تتطلب موقفا حازما وواضحا في قضية مساواة المرأة.
إن انشغالنا في القضية الوطنية لم يكن مبررا لاقصاء قضية المرأة عن التداول وأقول هذا الكلام كنقد ذاتي، فقضية المرأة والتقدم ضمن موضوعة المساواة هي أحدى ضمانات التقدم في القضية الوطنية أو القضية العامة.
قبل اكثر من شهرين كنت في زيارة الى ماليزيا، الدولة الاسلامية في جنوب شرق آسيا ورأيت المرأة الماليزية في المطار والمتجر وفي حلقات النقاش السياسي تقوم بدورها، ولم يشكل غطاء الرأس او غيابه سببا لاقفال الأبواب والنوافذ عليها ولم يشكل سببا في فصلها عن الحياة المجتمعية لذلك - بالاضافة الى اسباب أخرى كثيرة- فإن ماليزيا هي إحدى النمور الآسيوية التي اخترقت النسب المألوفة في النمو العلمي والتقني والحضاري.
"المجتمعات الكافرة" تنعم بالعلم والتقدم الصناعي والمعلوماتي والمنجزات والانتصارات.. بينما بعضنا مشغول بأي قدم يجب ان يدخل إلى الحمام أو أن يصبح السلام على إمرأة مشحون بكل الغرائز.
إن البيان التونسي هو خطوة هامة وآمل أن نستوصي بمستقبلنا خيرا.