تحرّر المرأة في العراق



مها حسن
2007 / 3 / 19

ربما لم تطرح هوزان محمود في لقائها في باريس ، الكثير من المعلومات الجديدة أو الأفكار غير المتوقعة بالنسبة لنا نحن أبناء هذه المنطقة ، حيث نشأنا وترعرنا في قلب العنف والتخلف ، رغم أن ما حصل في العراق بعد سقوط نظام صدام كان ولا يزال أكبر من المخيلة ، إلا أن ما يعنينا هنا للكلام عنه ، وهو ما جاءت هوزان محمود من أجله إلى فرنسا ، وماتتنقّل من أجله من بلد لآخر ، وهو وضع المرأة في العراق .
لم يكن وضع المرأة جيدا ، كحالها في جميع الدول في المنطقة ، سواء في المشرق العربي أو المغرب العربي ، إلا أن الصدمة الكبرى هي ما حل بالعراق اليوم ، حيث تراجع موقع البلد ، وموقع المرأة فيه إلى قرون من التخلف والعنف والقمع .
إذن جاءت هوزان محمود ، الناطقة باسم منظمة تحرر المرأة في العراق ، حاملة أرشيفا من الصور والمعلومات والأمثلة الحية من العراق ، وإذا كنا معتادين على ذلك ، باعتبارنا قادمين من المنطقة ، فمن الضروري أن يضطلع الغرب عما تحياه المرأة في بلادنا ، وعلى العالم أن يشعر بنا ، ويتحرك معنا .
فإذا ألقينا نظرة سريعة على وضع المرأة في كل من العالمين ، الغربي والشرقي ، لأدرك الجميع أننا لا نزال نعيش في العصور الوسطى ، وأن ثمة أزمنة حضارية كبيرة تفصلنا عن الغرب . فنحن لا نزال نتحدث عن حق المرأة في التعلم ، والعمل ، في الوقت الذي يتحدث فيه الغرب عن حقوق لا نستطيع تخيلها ، لأنها ليست واردة أساسا في مفرداتنا . في هذا الوقت ذاته ، يتحدث أشخاص عن ضرورة عزل المرأة في البيت ، وعدم خروجها إلى الشارع إلا برفقة " ولي أمر " ، وهذا ما يحدث في العراق ، ربما ليس في جميع المناطق ، إلا أن ثمة نسوة ، كثيرات ، يعانين من عدم إمكانية خروجهن من المنازل .
كان لا بد إذن أن تأتي هوزان محمود ، المرأة المتحدرة من العراق ، لتقدم للغربيين صور الوحشية والتخلف والقرون الهمجية ، فكيف تستطيع المرأة الاستمرار في هكذا ظروف .
جاءت هوزان محاطة بحشد من الفرنسيات والفرنسيين ، وتحدثت .
تحدثت وكأنها تروي أحداث فيلما فانتازيا : كيف يقتلون النساء هناك ؟
بعد سقوط النظام ، تفاقمت القوى الإسلامية ، وهذه راحت تفرز نفوذها في الشارع العراقي ، وتعيده إلى الوراء لقرون بعيدة .
كانت على سبيل المثال جرائم الشرف موجودة ، ولكنها اليوم منتشرة بصورة رهيبة ، وقتل النساء يتفاقم يوما تلو الآخر .
طرحت هوزان مثالا عن فتاة تم اختطافها ، ثم اتصل خاطفوها بوالدها طالبين المال لردها فقال لهم : من الأفضل أن تقتلوها على أن تعيدوها " ، لأن الفتاة سوف تقتل في جميع الحالات ، إن عادت ، فإن أهلها هم من سيقتلوها ، لأن خطف الفتاة عار على العائلة ، أما الفتاة نفسها !
تحدثت عن مواقف الأطباء مثلا ، أولئك الذين يصار إليهم فحص عذرية الفتيات ، قالت بأنهم يخضعون للعادات والتقاليد المهينة للمرأة ، أكثر مما يخضعون لقوانين مهنتهم ، والطبيب الذي يفحص امرأة مشكوك بعذريتها ، يتعامل معها كعاهرة .
قالت هوزان أنها كانت منذ عدة أشهر في العراق ، وروت فعلا ما يمكن رؤيته في السينما لا الواقع ، عن جثث نساء مرمية في الزبالة ،أو النهر ، أو عن جثث مقطعّة ومشوهة لنساء لا تعرف هوياتهن . وقالت أن قتل المرأة أمام الجميع أصبح أمرا عاديا . جثث في المشافي ، لا أحد يعرف أصحابها ، ولا أحد يعطي معلومات .
تحدثت عن زواج الفتيات القصر من رجال بأعمار آبائهن، عن فتاة في التاسعة تتزوج من رجل فوق الخمسين ، هذه تعتبر طفلة ، وهذه إحدى نماذج وضع المرأة في العراق .
لم يكن الوضع أثناء نظام صدام جيدا ، إلا أن المرأة كانت تتمتع بحقوقها ، التعلم ، التربية ، الطلاق ، ... كان ثمة ديكتاتورية واضحة ، وكنا نناضل ضدها ، ولم يكن قتل المرأة منتشرا هكذا ، لم نسمع عن القاعدة مثلا ، اليوم ظهرت أشياء لم تكن موجودة ، صرنا نرى شعارات القاعدة في العراق ، ولم نعد نعرف ضد من سوف نناضل ، أضافت هوزان .
تحدثت عن الوضع في كردستان ، حيث كانت هناك منذ وقت قريب ، وقالت أن الوضع في كردستان لم يكن تحت سلطة النظام العراقي ، ووضع المرأة كان جيدا ، فهي تذهب إلى الجامعة وإلى العمل ، واليوم ثمة جيل جديد ينمو هناك ، جيل من الحرية والمساواة ، ولكنها ليست الحالة ذاتها فيما يتعلق بالوضع السياسي . فقد اعترضت هوزان على المادة 7 في الدستور الكردي " يؤكد هذا الدستور الهوية الإسلامية لغالبية شعب كردستان وان مبادئ الشريعة الإسلامية هي إحدى المصادر الأساسية للتشريع " ، وقالت أن الشريعة تميز بين المرأة والرجل ، وهي ضد تعميم الإسلام ، وضد أن يحكم الإسلام . فهي مؤمنة بحرية الأديان ، ومؤمنة بحقها بانتقاد الأديان ، وحرية التعبير ، وكل ذلك يتعارض مع المادة السابعة .

تطرقت أيضا للحديث عن وضع المرأة عموما في الشرق الأوسط ، بسبب تسييس الإسلام ، أو الإسلام السياسي ، حيث تعد المرأة مواطنة درجة ثانية ، كما في السعودية وباكستان ...
ردت هوزان على أسئلة الحضور ، عن الحماية التي يمكن أن تؤمنها جمعية حرية المرأة في العراق لأطفال النساء المقتولات ، تحدثت عن ظروف العمل الصعبة ، واضطرار أعضاء الجمعية إلى التنقل ، إضافة إلى الصعوبات المالية ، وقالت ، إذا لا تستطيع المرأة الخروج إلى الشارع ، فهل ستستطيع التظاهر ؟ قالت أنهم يحاولون جهدهم ، كجمعية ، للاعتناء بالأطفال ، ولكن العمل ليس سهلا .
وفي سؤال عن الحرب المدنية في العراق ، قالت أن العراقيين متفاهمين ، والحرب ليست بين الناس ، بل بين المسلحين ، العسكر في كل مكان ، يدخلون الأحياء ويخرجون الناس منها ويهددونهم ، هذا هو تسيس الأديان . أما الحقيقة فالناس يحبون بعضهم ويتعاونون ، والخلافات ليست بينهم ، بل خلافات سياسية ـ دينية .
أنهت هوزان لقائها بشكرها لمنظمة العفو الدولية ، ولجميع من يدعم حرية المرأة ، وهوزان كانت قد تلقت تهديدا بإرسالها إلى الله ليعاقبها ، إلا أنها مستمرة في نضالها ، وقالت ثمة أفراد من عائلتها ليسوا سعداء بما تفعل ، من جهة ثانية ، ثمة أشخاص فخورون بها .
مما لا شك فيه أن عمل هوزان ونشاطها ليس سهلا ، ليس من السهل على أحد من أبناء المنطقة ، أن يعلن مواقفه من الدين ، حيث هذا التابو المرعب الذي يهدد حياة أي من يتفس بالخطر ، الدين الذي لا يقبل بالشك ولا النقد ولا المساءلة ، فكيف لو كان هذا الشخص امرأة ، امرأة تشعر بالخطر يلاحقها في كل مكان ، امرأة تنحدر من ثقافة شرقية اعتادت على التكتم والصمت ، تعرض شاشاتها أمام العالم ، وتعرض صور الفضيحة والذل والمهانة التي تلحق بالمرأة العربية في كل مكان من المنطقة العربية ، وفي العراق على الأخص ، في أجواء " الديمقراطية " المرتقبة .