عيد الأم.. الصورة المزيفة



فاديا سعد
2007 / 3 / 24

يثير حفيظتي في مثل هكذا عيد الإعلانات، واليافطات العريضة عن تقديس المرأة الأم، وبنفس الوقت مجمل الفلسفة الثقافية المتناقضة التي نتكئ عليها عن المرأة الأم، ووضعها داخل إطار من الصعب كسره في أذهان أفراد المجتمع.
فأنا ومنذ الصغر رأيت بأم عيني بعض الاعتداءات من قبل أبناء تجاه والدتهم، وأزواج تجاه زوجاتهم، ثم كانوا هؤلاء أنفسهم ينافسونني بتقديم الهدايا في عيد الأم، والدتي التي وجدت فيها مثالاً عن:
- المرأة الذكية من غير سذاجة.
- معطاءة من غير بله.
- قادرة على بناء أسرة متماسكة من غير ضعف.
ما كان بيدي الحيلة ولا الوسيلة، أو المحاكمة العقلية، التي تفضح هذا النفاق الغير معلن عن الهدايا الثمينة وقيمتها.
إذاً لا بد قبل تقديم الهدايا، أن نطرح على أنفسنا عدد من الأسئلة:
- كم هم عدد الأشخاص، الذين فكروا بالمرأة إنساناً لها متطلباتها الروحية والجسدية قبل أن يرددوا كالببغاوات: "الجنة تحت أقدام الأمهات"
- كم هي أعدادنا من بين أقطار الوطن العربي، أطلق عليها أحكام التضحية النسبية لا المطلقة؟: تضحي بنفسها من أجل أطفالها، تعاني الأمرين حتى تكسب رضاهم، تقدّم الغالي والنفيس من أجل سعادتهم، تجبر على نفسها لو أصابها مرضاً من أجل حاجاتهم. رغباتهم. وبعض الأحيان نزواتهم.
- كم هم عدد الرجال، الذين تخلصوا من عقدة أن يكونوا وراء أمهاتهم بخطوة، وأن يلحقوا أسماءهم باسمها؟.
- كم عدد من استطاع أن يعتني بها لحظات عجزها الجسدي ولا يشعر بأن كرامته هدرت؟.
- كم هم عدد الذكور الذين تقبلوا أخطاء أمهاتهم التي قد تكون سطحية ولا تشكل جريمة ممن يقترفها الآباء ويشعرون أنهم لا يحقدون؟.

هي الأرضية الثقافية التي نشأنا عليها بأن الأنثى محكومة بمحور واحد في حياتها: الأمومة، مرافقة بالسير قرب الجدار تطلب من الله السترة. المرأة متى صارت أماً، فقدت كيانها الروحي والجسدي، لأجل أبنائها ويعفى من هذه الضريبة الذكور.
هي أرضيتنا الثقافية، وكتبنا المدرسية، تصور الأم في صورة الأنبياء وحول رأسها هالة من نور، مما يدفعنا للقصاص منها عند اختلال أي شرط من شروط الهالة النورانية.
فهي بريئة الوجه كطفل، ضفيرتها طويلة ملقاة على كتفها كطالبة في الإعدادي.
ابتسامتها هادئة، هدوء منظر طبيعي ساكن. نظرتها مفعمة بالسكينة، لا تهزها ريح. تحمل ابنها كقطعة ألماس لا يجب خدشه. لا تتعرض لتغيرات المجتمع وتبدل أحواله. لا تعرف المرض والخضات النفسية.

مناسبة عيد الأم، تزيد من وطأة المسؤولية فوق كاهل الأمهات، وتدفعهن للبحث عن سبل تماثل طريقة المجتمع، في النفاق لتغطية أخطائهن كبشر، واضطرارهن أن يحافظن على تلك الصورة التي كونها المجتمع عن الأم.

في مثل هذه المناسبة ورغم الدعوات المبالغ بها من أجل الأمهات للتذكير بتضحياتهن، التي لا تعد ولا تحصى. اقبلوا المرأة ككيان إنساني ومن ضمن هذا الكيان وظيفة الأمومة. لا تفكروا بها على أنها آلهة كي لا تعهروها، إن أخطأت.

في عيد الأم رفض صديق لنا تقديم تهاني العيد لأمه، كونها تزوجت من رجل غير والده. وكان هو قبل بعض الوقت، يفكر بالزواج من امرأة غير زوجته، ويستبدل أرواحاً غير التي يعتني بها. فأي عيد هذا الذي تنشدونه؟ عيد لآلهة، أم للمرأة الانسانة؟.