المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي



حسقيل قوجمان
2007 / 4 / 2


الحلقة الثانية (المرأة نصف المجتمع)

هل المرأة حقا نصف المجتمع؟ في الظروف السلمية للمجتمع وهي فترات قصيرة جدا في تاريخ المجتمعات الطبقية والمجتمع البشري عموما تكون المرأة من الناحية العددية نصف المجتمع تقريبا. والذي يحدد ذلك هو تعدد ولادات الاناث والذكور وعدد وفيات الاناث والذكور بصورة طبيعية في المجتمع. وفي هذه الحالة يمكن ان يكون عدد النساء اكثر قليلا من عدد الرجال او العكس. ولكن الامر يختلف في ظروف الحروب وهي استغرقت اطول المدد في تاريخ المجتمعات البشرية. ففي الحروب السابقة المتخلفة تكنولوجيا كان الشباب والرجال هم طعام المدافع الذين تتحول دماؤهم بامتزاجها بالبارود الى ذهب يتراكم في خزائن الطبقة الحاكمة اقطاعية كانت ام راسمالية. وكان عدد النساء نتيجة لذلك يزداد كثيرا على عدد الرجال وتصبح المرأة اكثر من نصف المجتمع مع ما ينشأ عن ذلك من مشاكل اجتماعية وعائلية وجنسية لا مجال هنا للتطرق اليها. ولكن الحروب الحالية المتقدمة تكنولوجيا اصبحت والحمد لله ولكليم الله رقم اثنين، الرئيس بوش، حروبا "ديمقراطية عادلة" لا تفرق بين شيخ او عجوز او طفل او امرأة او طفلة. واصبح جشع الشركات الامبريالية اوسع من ذي قبل بحيث يتطلب المزيد من طعام المدافع. فان الطائرات المتطورة اصبحت تهاجم مدنا كاملة لتهدم البيوت على سكانها بدون تمييز فتجعلها مقابر عائلية او مقابر جماعية وتحول المدينة كلها الى خراب بكل ما فيها من عمارات ومساجد وكنائس ومدارس ومستشفيات وجامعات ومتاحف واسواق فاصبحت المرأة المتبقية على قيد الحياة بفضل هذا التطور التكنولوجي للحروب نصف المجتمع عدديا حقا.
أقول ان المرأة هي نصف المجتمع عدديا. فهل هي حقا نصف المجتمع من الناحية الاجتماعية؟ اعتقد ان اعتبار المرأة نصف المجتمع من الناحية الاجتماعية ظلم لها لا يغتفر. فالمراة رغم انها من الناحية العددية نصف المجتمع هي من الناحية الاجتماعية ليست نصف المجتمع فقط بل هي خالقة النصف الثاني من المجتمع ايضا. فالمرأة تحملنا في رحمها تسعة اشهر وتتحمل الام المخاض والولادة لتلدنا ثم ترضعنا وتربينا وتسهر الليالي من اجل راحتنا وتنظم طعامنا وحياتنا حين نذهب الى المدارس وتنشؤنا الى ان نصبح رجالا. ولكننا نحن الرجال نسلك وفقا لمقولة "وعلمته الرماية فلما اشتد ساعده رماني". فحالما نصبح رجالا نحتقر المرأة على انها متخلفة مكانها هو المطبخ وانجاب الاطفال نحرمها من كل نشاطات الحياة ومن متعها ونغلفها كما نغلف الرزمة البريدية لكي لا تشكل اغراءا جنسيا لنا نحن الرجال ولكننا لا نغلف انفسنا لكي لا نشكل اغراءا جنسيا لهن. ونحن نغريها ونغتصبها ثم نقتلها حفظا للشرف ونخول لانفسنا حق ممارسة البغاء المدني والبغاء الديني المسمى زواج المتعة او الاسماء الاخرى العديدة التي نسمع عنها هذه الايام والمشرعنة وفقا للفتاوى الدينية المتحيزة دائما للرجل ضد المراة. ثم نلوم المرأة لممارستها البغاء نتيجة اغتصابنا لها او نتيجة سعيها للحصول على ما يسد رمقها او لحرمانها من ممارسة الحياة المدنية الحقيقية في المجالات التي نعتبرها مقصورة علينا نحن الرجال.
وحولنا نحن الرجال الزواج والحياة العائلية الى صفقات تجارية يقوم الرجل فيها بشراء زوجة له من والدها او يقوم الوالد فيها بشراء زوج لابنته بدون ان يكون للفتاة في ذلك اي راي او اية رغبة او موافقة. ونعلم كم من المآسي تعاني منها العائلات جراء ذلك. فلا تبنى العائلة في هذه الحالات على الحب المتبادل والتفاهم والتكافؤ الثقافي والانسجام الجنسي بل تصبح جحيما بالنسبة للمرأة لانها تسلم نفسها لرجل لا تشعر نحوه بعاطفة او تخضع لاغتصاب يومي مدى حياتها الزوجية. ولا نتطرق هنا عن الحالات التي تجد فيها هذه الزوجة من تحب غير زوجها والعذاب الذي تشعر به هذه الزوجة لحرمانها ممن تحب بسبب الرابطة الزوجية او الاضطرار لخرق قيود الرابطة الزوجية رغم ما ينتج عن ذلك من فضائح وجرائم.
هذا الوضع الذي خلقناه نحن الرجال للمرأة اضطر المراة الى النضال نضالا مزدوجا. فهي تناضل الى جانبنا من اجل الحصول على حقوق لتطوير المجتمع ككل. وتناضل نضالا اخر يهدف الى تحررها من ظلمنا الرجولي للمرأة في جميع مجالات الحياة. وفي سبيل خوض هذا النضال المزدوج تحتاج المرأة الى منظمة قوية تنظم هذا النضال بصورة جماعية وعدم الاكتفاء بالنضال الفردي الذي لا يقدم ولا يؤخر.