المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي الحلقة الثالثة - المنظمات النسائية



حسقيل قوجمان
2007 / 4 / 6

في الاجتماع النسائي بمناسبة عيد المرأة العالمي الذي حضرته لاحظت وجود عدة منظمات نسائية اتفقت على عقد اجتماع مشترك بالمناسبة ومنها عدة منظمات عراقية. ولاحظت ان كلا من هذه المنظمات النسائية العراقية تابعة لحزب او منظمة سياسية معينة او مؤسسة من قبل حزب معين او منظمة سياسية وهذا ما حفزني على كتابة هذا المقال.
ان نضال المرأة المزدوج، نضالها الى جانب الرجل من اجل تحسين الظروف الاجتماعية عموما ومن اجل زيادة حقوق الاغلبية الساحقة من السكان الذين يقع عليهم عبء الاستغلال، ونضالها من اجل التحرر من الاستعباد الرجولي المفروض عليها عائليا واجتماعيا وثقافيا ودينيا واقتصاديا، يفرض على المراة ان تحقق هذا النضال ليس بالانفراد بل بالتجمع في منظمة نسائية تجعل من مجموع النساء قوة عظيمة تستطيع ان تحقق اهداف المرأة في كلا شقي النضال المزدوج.
اوردت في الحلقة الاولى من هذا المقال موضوع النقابة كنموذج مصغر جدا للمنظمة النسائية. ولكن التشابه ضئيل نظرا الى ان النقابة تضم عمال نقابة مهنة معينة قد تشمل عدة الاف من العمال اما المنظمات النسائية فتضم نصف المجتمع بل النصف الذي يخلق النصف الثاني من المجتمع ايضا. وهذا يشمل الملايين من النساء وليس عدة الاف كالنقابة.
ولكن احدى نقاط التشابه هي موضوع الانتماء السياسي للنقابة او للمنظمة النسائية. رأينا في النقابة ان الانتماء السياسي المفروض من الاعلى يعني تدمير النقابة وحصرها في مجموعة معينة من العمال تختارهم الفئة التي نظمت تلك النقابة او التي فرضت قيادتها عليها من اعلى وليس عن طريق النضال النقابي اليومي المثابر وعن طريق اقتناع عمال النقابة بهذه القيادة واختيارها نتيجة لهذا الاقتناع. وشاهدنا ان احتكار العمل النقابي وقيادته من قبل فئة معينة او حزب معين هو بمثابة حكم الاعدام على تلك النقابة.
في اعتقادي ان المنظمة النسائية هي الاخرى كما هو الحال في النقابة ينبغي ان تكون منظمة لجميع النساء بدون اي شرط اخر يفرض على المرأة التي تريد الانتماء الى المنظمة وبهذا تشبه النقابة التي ينبغي ان تضم كل عامل من المهنة بدون شروط اخرى. والمرأة لا تحتاج الى بطاقة هوية او الى اصبع قرمزية لكي تثبت انها امرأة. ان الطبيعة اعطت المرأة ما يكفي من الصفات الجنسية والبدنية التي تميزها عن الرجل.
ان المنظمة النسائية التي تشمل المرأة بدون فرض اي شرط اخر تكون منظمة شاملة لكافة نساء المجتمع ولا تكون مقتصرة على نساء ينتمين الى اية فئة سياسية او دينية او طائفية او قومية. هذا الشكل للمنظمة النسائية يؤدي الى انتماء اكبر عدد من نساء المجتمع المعين الى منظمة واحدة والى ان يكون هدفها هو جذب الاغلبية الكبرى من النساء. وفي مثل هذه المنظمة تشعر كل امرأة انها منظمتها التي تمثلها وتعمل على تطوير حياة المرأة والى الحصول على حقوقها والى فرض هذه الحقوق على المجتمع وعلى النصف الثاني من المجتمع، النصف الرجالي.
اذا كانت المنظمة النسائية منظمة بهذا الشكل، منظمة للمرأة بدون شروط اخرى غير كونها امرأة، فمن شأن ذلك ان يتوسع نطاق عضوية المنظمة بدرجة لا يمكن مقارنتها بالمنظمة النسائية ذات الارتباط السياسي او الديني او الطائفي او القومي المفروض عليها منذ تأسيسها. بهذه الطريقة تصبح المنظمة النسائية قوة هائلة لا تقارن قوتها وقوة تأثيرها مع اية منظمة ضيقة مقصورة على نطاق معين من النساء او فئة معينة من النساء.
ان المنظمة التي تنتمي الى حزب سياسي منذ تأسيسها او التي يقودها حزب ما من الاعلى بفرض نفسه على قيادتها تصبح بالضرورة امتدادا لذلك الحزب ولا يكون لها اي كيان مستقل عن ذلك الحزب ولا يستطيع الحزب الاعتماد عليها كسند له في نضالاته لانها جزء منه ومصيرها مرتبط بمصيره ونشاطها هو جزء من نشاطه. اورد على ذلك مثلا واحدا هو برهان ساطع على ذلك هو ما حدث للرابطة النسائية التي كان يقودها الحزب الشيوعي العراقي حين اعلن سكرتير الحزب من على منبر المؤتمر ما سمي تجميد جميع المنظمات التي يقودها ولكنه في الواقع حلها وكانت بين تلك المنظمات منظمة الرابطة النسائية.
ثم ان تشرذم المنظمة النسائية الى منظمات عديدة منتمية سياسيا او دينيا او طائفيا او قوميا يؤدي بالضرورة الى المنافسة فيما بينها وما يرافق هذه المنافسة من نقاشات وتناقضات وحتى مهاترات واتهامات. وفي هذا مضيعة كبرى للمجهود النسائي وابعاد لها عن تحقيق الاهداف المشتركة للنساء جميعا لانشغالها بهذه المنافسة والمهاترات والنقاشات والاتهامات.
والتشابه الثاني مع النقابة هو كيفية تحقيق الانتماء السياسي للمنظمة النسائية. فليس في انتماء المرأة الى المنظمة ما يضطرها الى التخلي عن ارائها وافكارها ومعتقداتها السياسية او الدينية او القومية. بالعكس من ذلك تكون هذه الاختلافات في المعتقدات محفزا لنشاط المنظمة وحافزا لكل فئة على المثابرة والتضحية والاخلاص في تطوير نشاط المنظمة. ويجعل بامكان كل فئة من هذه الفئات اجتذاب اكبر عدد من النساء نتيجة لاخلاصها وتفانيها وتضحيتها في سبيل تطوير المنظمة وتوسيعها وتحقيق اهدافها. ولكن المرأة في المنظمة لا تناضل بصفتها عضو في حزب معين او منتمية الى فئة معينة بل تناضل باعتبارها عضوا في المنظمة النسائية ومن اجل المنظمة النسائية وتحقيقا لاهداف المنظمة النسائية. ويجري تحقيق الانتماء السياسي للمنظمة عن طريق هذا النضال المقصور على مصالح المنظمة واهدافها.
فكرت لدى حضوري هذا الاجتماع اي فرق كبير في تأثير هذه المنظمات الحاضرة في الاجتماع لو انها كانت كلها منظمة واحدة، منظمة للنساء وليس منظمات لاحزاب سياسية. اعتقد ان تأثيرها ومنجزاتها تتضاعف اضعافا عديدة عن تأثير ومنجزات جميع هذه المنظمات مجتمعة. ليس في هذا تجاهل ان انتقاص لمنجزات اية منظمة في عملها من اجل تحقيق مصالح المرأة عموما. ولكني اعتقد ان امثل حل واسمى هدف هو ان تكون للنساء منظمة واحدة شاملة غير مقصورة على نوع واحد من النساء او فئة واحدة من النساء. ان الهدف الاسمى هو ان تكون منظمة واحدة فقط لنساء قطر واحد.
لو فرضنا وجود امرأة عضوة في حزب شيوعي واخرى عضوة في حزب قومي وثالثة تنتمي الى منظمة اسلامية ورابعة تنتمي الى جيش الانقاذ المسيحي. كل اولاء النساء لهن الحق في الانتماء الى المنظمة النسائية لانها منظمة من المفروض ان تضم جميع النساء بلا تمييز. ولكن نضال كل امرأة من هؤلاء النسوة نضال مزدوج. فالمراة الشيوعية تناضل في صفوف الحزب الشيوعي على انها شيوعية تعمل جاهدة على تحقيق اهداف حزبها الشيوعي وتخضع لبرنامج ونظام هذا الحزب. ويصدق نفس الشيء على المرأة المنتمية الى الحزب القومي او المنتمية الى الحزب الاسلامي او الى المنظمة المسيحية. ولكن نضال كل من أولاء النسوة في داخل المنظمة النسائية هو نضال متشابه لا يتميز احده عن الاخر. كل واحدة منهن تناضل داخل المنظمة النسائية ليس باعتبارها شيوعية او قومية او اسلامية او مسيحية بل باعتبارها مجرد امرأة عضوة في المنظمة النسائية تناضل وتنشط وتضحي وتثابر في سبيل تطوير عمل المنظمة وفي سبيل جذب اكبر عدد من النساء الى المنظمة وفي سبيل تحقيق اهداف المنظمة. واذا تبين لاعضاء المنظمة ان احدى اولاء النساء ايا كانت اكثر اخلاصا واكثر مثابرة واكثر تضحية في سبيل تطوير المنظمة النسائية يقمن بدفع هذه المرأة الى الاعلى، الى المناصب القيادية. واذا ثبت ان اكثرية اولاء النساء المرتفعات الى القيادة ينتمين الى اتجاه سياسي او ديني او قومي معين تصبح المنظمة ذات اتجاه مؤيد لتلك الاغلبية ويمكن للحزب او المنظمة الحائزة على ثقة نساء المنظمة وعلى القيادة بهذه الطريقة ان تعتمد على مساندة المنظمة النسائية في نضالاتها المقبلة مساندة فعالة.
ثمة اختلاف هام بين النقابة والمنظمة النسائية خصوصا في بلد مثل العراق. فالعراق سواء في فترة حكم صدام حسين ام في فترة الاحتلال الاميركي يعاني من الهجرة والتهجير بشكل لم يسبق له مثيل. رأينا في ثورة تموز، حين شعر الشعب العراقي بنوع من التحرر والتغيير الايجابي، ان المهاجرين من العراقيين نتيجة الاضطهاد سرعان ما عادوا الى العراق للمساهمة في تطوير مجتمع ما بعد الثورة. ولكن الملايين المهاجرة او المهجرة المنتشرة في ارجاء العالم نتيجة نظام الحكم الصدامي لم يعودوا الى العراق بعد الاحتلال الاميركي بل تفاقمت الهجرة فاصبح المهاجرون منذ الاحتلال حتى اليوم اكثر من اربعة ملايين انسان يعيشون في اقسى ظروف المعيشة في ارجاء العالم. هذا اذا اهملنا ذكر مليونين اخرين من المهجرين داخل العراق ممن اصبحوا لاجئين في بلادهم وفي وطنهم يعيشون في الخيام بلا عمل ولا زاد.
هذا الوضع يخلق ظاهرة جديدة فيما يتعلق بمنظمة المرأة تختلف عن النقابة اختلافا جوهريا. فالنقابة لا يمكن ان تتألف في غير البلد الذي يعمل فيه عمال المهنة التي تمثلها. فليس بالامكان انشاء نقابة لعمال البناء او عمال النسيج او عمال النفط العراقيين في بريطانيا او في فرنسا او في سورية او غيرها. ولكن وضع المنظمة النسائية يختلف عن ذلك. فالنساء من المهاجرات او المهجرات في كل بلد من بلاد اللجوء يمكنهن ان ينظمن انفسهن في منظمات نسائية لان المنظمة النسائية تعتمد على وجود المرأة وليس على وجود مهنة معينة كما هو الحال في النقابة. ولهذه المنظمات الناشئة في المهاجر اهمية كبرى بالنسبة للمنظمة النسائية الاساسية القائمة في العراق. وعدد النساء العراقيات في كل بلد من بلدان المهاجر يبلغ حمدا لنظام صدام حسين ثم للاحتلال الاميركي عشرات الالوف وبامكان النساء في كل قطر من اقطار المهاجر ان ينظمن جمعية كبيرة يزداد تأثيرها وتزداد انجازاتها بازدياد عدد النساء المنتميات اليها.
ولكن هذه المنظمات المتفرقة في البلدان المختلفة يجب الا تكون منظمات مستقلة منفصلة عن المنظمة الام القائمة في العراق بل ان تكون جزءا منها وامتدادا لها موجودا خارج العراق اضطرارا. والمنظمة الام القائمة في العراق تناضل نضالا فعالا للحصول على حقوق الشعب وتحسين معيشة الاغلبية الساحقة من المجتمع العراقي وتناضل من اجل تحرير نفسها من العبودية الذكورية. ولكن فرع هذه المنظمة الموجود في بريطانيا مثلا لا يمارس نفس النشاطات التي تقوم بها المنظمة الام لانها تناضل في اجواء اجتماعية تختلف عن الاجواء الموجودة في العراق. تناضل في ظروف اجتماعية مختلفة هي الظروف الاجتماعية في بريطانيا. ان اهم مهمات المنظمات الفرعية القائمة في المهاجر هي مساندة نضالات المنظمة الام وتعريف العالم باوضاع المرأة العراقية في ظروف المرحلة القائمة في اللحظة المعينة التي يجري فيها النضال.
ولا شك ان اهم ما يمكن الحديث عنه حاليا هو الاوضاع المزرية المهينة القاسية التي تعاني منها المرأة العراقية تحت نير الاحتلال الاميركي. ان نضال المنظمة النسائية الام يتجلى في التصدي لهذه الاوضاع المزرية التي تعاني منها المرأة العراقية. عليها ان تفضح المجازر التي تقوم بها جيوش الاحتلال وتسكت عنها الحكومات العميلة المتعاقبة. عليها ان تفضح عملاء الاحتلال من الجيوش المرتزقة الاجنبية التي جاء بها المحتلون وجيوش المرتزقة المحلية التي دربها ويقودها المحتلون. عليها ان ترفع صوتها في النضال من اجل اطلاق سراح السجناء عموما والسجينات خصوصا في سجون جيوش الاحتلال وفي سجون الحكومات الموالية للاحتلال وفي سجون الميليشيات التي تؤلفها وتديرها وتقودها الاحزاب المكونة للحكومات المتعاقبة وغيرها من الاحزاب التي انعزلت مؤقتا عن الحكومات وعن العملية السياسية.
والاهم من كل ذلك على المنظمة الام ان تساند مقاومة الاحتلال بكل اشكالها. ان قوى الاحتلال والمرتزقة والاستخبارات الاجنبية والموساد تقوم باعمال اجرامية وتعزوها الى المقاومة لتشويه سمعة المقاومة المسلحة خصوصا. ولكن المقاومة المسلحة وكذلك المقاومة غير المسلحة تعتمد على الجماهير الشعبية ولا يمكن ان تشكل قوة فاعلة مؤثرة وقوية ما لم تعتمد على الجماهير الكادحة. وهنا يظهر دور المرأة التي لا تشكل نصف هذه الجماهير وحسب بل هي الاساس الجوهري في مساندة المقاومة وايواء المقاومين وتقديم المعونة اليهم وتوفير الطعام لهم وتقديم المساعدات التي تحتاجها المقاومة من المهام التي تتطلب التنقلات ونقل المواد المهمة من فئة من المقاومة الى الفئة الاخرى. ولا يمكن نسيان او انكار دور المرأة في المقاومة ذاتها مسلحة كانت ام غير مسلحة. والخلاصة هي ان المرأة يجب ان تكون جزءا من المقاومة وسندا لها وعونا لاشخاصها،ولا يمكن للمقاومة ان تنجز اهدافها ما لم تنل ثقة الجماهير الشعبية وخصوصا ثقة الجماهير النسائية.
ويبدو لي ان المنظمات النسائية العراقية في بلدان المهاجر يجب ان تكون ملحقا لهذه المنظمة الام وامتدادا لها ولسانا لها وصوتا يدوي للتعبير عن احوال المرأة العراقية وفضح جرائم المحتلين والمرتزقة واعوان المحتلين مهما كان شكلهم ومهما تشدقوا بالعبارات الوطنية الرنانة. وعلى هذه المنظمات ان تكون بوقا للمقاومة العراقية ولنضال المرأة ودورها في تطوير ومساندة هذه المقاومة وفضح الاكاذيب والاتهامات الباطلة التي تحاول تشويه حقيقة المقاومة باعتبارها حركة وطنية حتمية ومطلقة ضد الاحتلال ومن اجل طرد جيوش الاحتلال وكافة عملائه ووكلائه ومرتزقته ومن اجل استعادة استقلال العراق والدولة العراقية التي دمرها الاحتلال ووحدة وسعادة ابناء الشعب العراقي بلا استثناء او تمييز.
ان تشرذم المنظمات النسائية وتشكيل منظمات متعددة تنتمي كل منها الى حزب او فئة معينة تتناقض في كتاباتها واقوالها وتتنافس وتتهاتر فيما بينها رغم ان واجباتها النضالية متطابقة اذا اخذنا مصالح المرأة العراقية وحدها بنظر الاعتبار هو في الداخل، في العراق، وخارج العراق مضيعة للوقت والمجهود واضعاف للمنظمات النسائية الى حد حكم الاعدام عليها. اتمنى ان يكون هدف المراة العراقية تأسيس منظمة نسائية واحدة تضم جميع النساء من كافة الاتجاهات.
حسقيل قوجمان