الاجهاض : حق مقدس



عادل نورالدين
2007 / 4 / 14

رنّ جرس المدرسة الرسمية، و بدأ الاطفال بتوضيب حقائبهم. منهم من كان ينتظره اهله، و منهم من كان ينتظر الباص. و لكن رنا، الطفلة ذات الـ14 عاما، تعيش قرب المدرسة.

في ذلك اليوم، تأخرت رنا في العودة الى منزلها. كانت تتحدث مع معلمتها عن درس البارحة و الذي لم تفهمه جيدا.

بعد نصف ساعة، خرجت رنا من المدرسة..

منزلها لا يبعد الا بضعة عشرات الامتار عن المدرسة. و لكن في هذا اليوم كانت السماء ماطرة.. و كان معطف رنا و شالها يحجبان عنها الرؤية قليلا.

و من حيث لا تنتظر، إنقضّ شاب عليها و رماها ارضا. مزّق ثيابها.. و اغتصبها.

بعد اسبوعين، في فحص طبي، اخبرها الطبيب، انها حامل... في بطن رنا جنين لم ترده، و لم ترتكب إثما ليكون عبئا عليها..

لو كانت رنا تعيش في فرنسا او ايطاليا، لكانت تستطيع ان تجهض في اول 90 يوما (ايطاليا) او اول 14 اسبوعا (فرنسا) من الحمل.

و لكن رنا تعيش في لبنان، و هي من عائلة فقيرة، و لا تملك القدرة على الذهاب الى بلد لا يحرّم الاجهاض.
في لبنان، الاجهاض ممنوع، الا في حالة واحدة فقط، و هي حالة الخطر على حياة المرأة الحامل.
عدا عن ذلك، فإن اجهضت رنا، فقد تتعرض للسجن لمدة تتراوح بين 6 اشهر و ثلاث سنوات.
و بما ان القانون اللبناني ذكوري بإمتياز، فإن المرأة التي تجهض من اجل الحفاظ على "شرفها"، تستطيع الحصول على تخفيف الحكم.

إذن رنا، الطفلة ذات الـ14 ربيعا، ستتعرض الى 3 سنوات سجن، إن أرادت ان تجهض و ان تخرج هذا "الكائن الغريب الذي يذكرها لحظة إغتصابها".

إن الحديث عن الاجهاض، يولد دائما نفس الردود من معارضيه. الحجة الرئيسية (و تقريبا الوحيدة) هي "لعدم قتل روح".
هي الرغبة بعدم قتل روح، لا يدخل الى الجنين الا في الشهر الرابع من الحمل. إذن لماذا منع الاجهاض في الاشهر الاربعة الاولى، حيث لا روح في الجنين؟

نبحث عن "إنقاذ" روح وهمي و غير موجود، فيما ننسى ان هناك روح مكتمل يعاني و يحتاج الى الانقاذ. هذا الروح هو روح الام الحامل.

في قصتنا هنا، رنا لا تعرف من إغتصبها، و الشرطة لم تستطع ان تكتشف المجرم.
إذن، رنا، الطفلة ذات الـ14 عاما، عليها ان تحمل جنينا في بطنها لتسعة اشهر، و ان تعتني به وحدها طوال حياتها.. و في كل مرة ترى هذا الطفل، ستتذكر يوم إغتصابها.

ستكره هذا الطفل.. سترى فيه وجه الشاب الذي إغتصبها... و لكنها لن تستطيع تركه. فهي حملته لتسعة اشهر.
احلام رنا في مستقبل زاهٍ، و في حياة علمية و مهنية و زواج و عائلة سعيدة.. كلها بقيت احلاما.

توقفت رنا عن الدراسة.. لم تحصل على اي شهادة.. و لكنها حصلت على طفل لم تريده و لم تفعل شيئا لتحصل عليه.
الاجهاض حق للمرأة.. ليس في حالات إستثنائية، كحالة رنا، بل يجب ان يكون حقا مقدسا لكل امرأة ترغب بذلك.
للمرأة كامل الحرية في التصرف بجسدها و ما قد يدخل الى جسدها.

هي ليس ناقصة، و ليست عبدة للرجل، او لبضعة عجزة يدّعون الحكمة و المعرفة و هم فيها جاهلون.
من الطبيعي ان يكون هناك بضعة نساء يرفضن الاجهاض.. و رفضه هذا حقهنّ.
و إن تعرّضن للاغتصاب يوما، فلهنّ الحق كاملا في عدم الاجهاض.
و لكن، هناك نساء تريدنه، فلماذا نمنعه عنهنّ؟

في القوانين، المنع يطال الجميع، و يفرض رأيه على الجميع. بينما السماح، فهو يطال فقط من يريد الامر.. معارضيه يستطيعون عدم التقييد بالسماح.

الجنين ليس انسانا، و لا يجوز مقارنه الاجهاض بـ"قتل روح" او قتل "انسان".
هذا الجنين، الذي لم تدخله الروح، ليس كائنا مستقلا. إنه جزء من جسد المرأة، و هو لا يستطيع العيش من دون رحم المرأة.
بالنسبة للجنين، الكون هو رحم المرأة. بالنسبة له، المرأة الام هي الاله و هو العبد.

حين يقرر بعض الكهنة، قتل انسان، لان "الله امر بذلك"، لا احد يعترض.. فهذه مشيئه الله و مشيئته غير قابلة للمناقشه.
حين تقرر المرأة الاجهاض، فيجب احترام مشيئتها.. فهي "الاله" بالنسبة للجنين. و كما يسمح البعض للكهنة بالتحكم بنا و بحياتها، تحت حجة ان ذلك "مشيئة الله"، فعلينا احترام مشيئة المرأة الام.

فالجنين، ليس ما سيتحول اليه. هو ليس انسانا.. هو ليس روحا.. هو ما هو عليه. لا اكثر و لا اقل.
الاسلام حرّم قتل الروح.. و الروح لا تدخل الجنين الا في الشهر الرابع.

لذا، فإن تحليل الاجهاض للحوامل في الاشهر التي تسبق الشهر الرابع او الثالث، لا يختلف مع الاسلام.
اما في المسيحية، فلا شيء. لا يوجد كلمة واحدة تحرّم الاجهاض. إذن، اي قرار ديني يتم إتخاذه، هو قرار من دون سند إنجيلي.

رنا كبرت اليوم.. حين تسير في الطرقات مع طفلها (الذي لا يعرف اباه)، ينظر اليها الناس بشفقه.. و لكن لا احد، لا احد اطلاقا مستعد ان يتحمل عنها، و لو جزئيا، التكاليف المادية و المعنوية لتربية الطفل.
و لا يوجد ايّ شاب، جميل او قبيح، مستعد ان يتزوجها. ليس لان لديها طفل فحسب.. بل ايضا (و للاسف هذا بسبب المجتمع العنصري الذكوري)، لانها ليست عذراء.

لا احد يهتم انها لم تفقد عذريتها بإرادتها... المهم انها ليست عذراء. نقطة. الحديث لا يطول بعد هذه النقطة.

و لبنان.. لبنان "بلد الحريات"، "سويسرا الشرق".. في هذا اللبنان، فإنني كاتب المقال، قد أتعرض من شهرين الى سنتين سجن، بجرم "الدعوة الى الاجهاض".

ملاحظة : قصة رنا وهمية