حقوق الانسان وثقافة التسامج



علي حسن الفواز
2007 / 4 / 18

ثقافة التسامح،،
و حقوق الانسان في العراق..
لايمكن التعاطي مع مفاهيم حقوق الانسان في الأجندة الاجتماعية دون ادراك حقيقة ما تمثله هذه الحقوق من اسس متينة ومحركة لقيم الحرية والعدل والسلام والتأكيد على ماورد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان في احقية كل شخص في حرية التفكير والضمير والدين وحرية الرأي والتعبير .. وان تناسي هذه الحقوق او التغاضي عنها هو المسؤول عن حدوث الكثير من المآسي والحروب والاعمال الهمجية، والتي تتطلب فيما بعد جهودا استثنائية وامكانات مادية وبشرية لمنع تداعياتها في انتاج مناخات للظلم والاستبداد والقهر... ولاشك ان تعزيز القيم الانسانية والتربوية لحقوق الانسان تنطلق من اشاعة قيم التسامح باعتبارها جزءا حيا وفاعلا في هذه الحقوق ،وتشير المادة 26 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الى ان جوهر التربية يهدف الى( تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية والدينية))
ان التسامح يعني الاحترام والقبول بالتنوع الثري للثقافات والهويات ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح وقوة حرية الفكر،،وان احلال ثقافة التسامح يعني احلال قيم الفضيلة التي تيسر السلام ونبذ كل افكار ومهيمنات الظلم الاجتماعي ..
واذا كان الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اعلن في العاشر من كانون الثاني عام 1948 بعد ادراك الاثار الكارثية للحروب العالمية الدامية التي حصدت اكثر من عشرين مليون ضحية ،قد مهدّ ضرورات الوعي لابراز دور المجتمع الدولي في مواجهة هذه الكوارث ،فانه تغافل عن الشروع بخلق البرامج التي تؤّمن الثقافات المضادة والاستباقية لمواجهة ظواهر تنامي العنف الاجتماعي والقومي والاثني ومظاهر الفقر والمجاعات والحرمان ،،اذ ظلت هذه الظواهر ومظاهرها مستشرية في العديد من بلدان العالم وخاضعة لنمط من السياسات المحكومة بصراعات سياسية وايديولوجية ،وقد اسهمت هذه التداعيات في تقسيم العالم على اسس اقتصادية في الظاهر لكنها في الجوهر تحمل شفرات سياسية قهرية ،،والتي كانت السبب في ايجاد صراعات عميقة بين العديد من الدول والجماعات والهويات وتأجيجها تحت ايهامات الاقصاء والطرد والهيمنة راح ضحيتها الملايين من البشر،،ولعل اشاعة ثقافة الحوار والجدل الايجابي بين الثقافات وتكريس قيم التسامح يمثل هو الضرورة الفاعلة في اشاعة قيم السلام المدني وبدون السلام لاتوجد هناك طبعا لاديمقراطية ولا تنمية ...
ان التسامح ضروري بين الافراد والاسرة والمجتمع وان الجهود الحثيثة والفاعلة على تعزيزه ونشر قيمه في وسائل الاعلام وتيسير كل السبل والامكانات لتعايش الثقافات في اطاره وتعليم الناس حقوقهم وحرياتهم وحثهم على حمايتها بالوعي والارادة والمسؤولية ونشر قيم التسامح تمثل واجبا اخلاقيا وسياسيا وقانونيا من منطلق ان جوهر التسامح لايقوم على اساس الغاء حقوق الاخرين والتجاوز على قيمهم والتغافل عن الشرور الاجتماعية والمظالم السياسية ،بقدر ما يعني تعزيز قيم الانفتاح والتضامن والفضيلة وتبادل المنافع الثقافية والشراكة في المسؤوليات والحقوق والبناء ..... ان الاعلان العالمي قد وضع ايضا الاسس التعريفية للحقوق المدنية العامة والايمان بكرامة الانسان وحقوقه المتساوية دون تمايزات في العنصر واللون والجنس واللغة والدين والرأي السياسي أو أي وضع آخر يحدّ من شمولية هذا المعنى وفاعليته، فان النضال الاجتماعي والثقافي والاخلاقي من اجل تثبيت هذه الاسس كاجراءات والوعي اللازم بها،، ظلّ خاضعا لتجاذبات صراعية بين الايديولوجيات والمصالح المختلفة .....
ومن هذا المنطلق نجد ان الكثير من الشعارات!!! التي اعلنتها المنظمات الدولية في مجال حقوق الانسان والتي وقعت عليها الدول المنضوية في هذه المنظمات كاتفاقيات اطارية عالمية او اتفاقيات اقليمية او ثنائية ،ظلت محصورة هي الاخرى في سياقها البروتوكولي الخاضع لسياقات عمل المنظمات الدولية غير اللازم لاعضائه في اغلب العموم !!!!! ،والذي كان عرضة للانتهاكات المستمرة بسبب طبيعة النظم السياسية الحاكمة وايديولوجياتها القهرية او طبيعتها العسكرية ومن هذه الدول العراق الذي يعدّ من اكثر الدول اندماجا في الآليات الاستعراضية للتشريعات الدولية !!!رغم انه من اكثر الدول تورطا في الحروب الاقليمية وانتاجا لظواهر القمع السياسي والثقافي على مدى عقود طويلة.....
ورد في فهرس حقوق الانسان في الدول العربية ،(ان العراق انضم الى خمس من اتفاقيات الامم المتحدة الرئيسية السبع المعنية بحقوق الانسان، وهي العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1971 واتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز العنصري 1970 واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة 1986 واتفاقية حقوق الطفل 1994 ) وكذلك انضم العراق الى عددمن الاتفاقيات الخاصة مع منظمة العمل الدولي الخاصة بحقوق الانسان وهي( الاتفاقية رقم 98 الخاصة بحق التنظيم النقابي والمفاوصات الجماعية عام 1962 والاتفاقيتان /29/و/201/المعنيتان بالسخرة والعمل الاجباري عامي 1962 و1959 والاتفاقيتان 100/و/111 المعنيتان بالقضاء على التمييز في شغل الوظائف عامي 1963 و1959 والاتفاقيتان 138 /و/182 المعنيتان بمنع استخدام الاطفال والقاصرين عامي 1985 و2001 ) ولاشك ان هذه الاتفاقيات كانت غير فاعلة في سياقها البرامجي لانها غير خاضعة للمراقبة الدولية وغير نافذة على المستوى الاجرائي ،،بسبب الطبيعة السياسية الشمولية للدولة ونمطية ادارتها للمؤسسات الاجتماعية وتسويقها للبرامج الكافلة للحقوق المدنية للمواطن والمجتمع ،اذ ظلت هذه الكثير من الحقوق رهينة بمهيمنات السياسي السلطوي واليات حكمه التي لاتؤمن بثقافات الاختلاف وتعدد الاراء وقيم المعارضة السلمية والتي كثيرا ما وضعت المعارضين لها في اطار المحاسبة والمراقبة والاقصاء الممنهج ،فضلا عن خضوع الكثير من الحقوق المدنية للمواطنين الى تقنينات قهرية اسهمت في شيوع ظواهر العنف الاجتماعي والفقر والهجرات القسرية ،وهذا بلاشك يعكس هشاشة البنية الثقافية للمجتمع المدني وغياب مرتكزاته البرامجية والمؤسساتية والقاعدة المعلوماتية التي ترصد الاختلالات البنوية في المجتمع العراقي....
ان رصد ظاهرة العنف الاجتماعي في العراق والانحناء على اليات جديدة تعكس اهتمام الدولة الجديدة بحقوق الانسان يمثل تحولا مهما في اعادة صياغة الكثير من الاسس التي تؤمن باهمية تفكيك المنظومة القديمة ذات المرجعيات المركزية،والمسؤولة عن تضييق الكثير تنفيذ القوانين والاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان ومنها الحقوق المرتبطة بالحريات العامة ،وهذا بطبيعة الحال لايفترض اعادة العمل بالاتفاقيات التي وقعها العراق سابقا لان هذه الاتفاقيات ذات شعرات هلامية،
وخاضعة لحسابات سياسية من الصعب مراقبتها والتأكد من التزام الدول بتنفيذها !!وانما السعي الى وضع اليات فاعلة لتنمية الحراك الاجتماعي/الثقافي من خلال تهيئة كل الامكانات المادية والمعنوية لتخليق مجتمع مدني فاعل ومؤثر يشخصن الفاعلية الاجرائية في مجال الثقافة الحقوقية ونشر مفاهيمها ،بعيدا عن الاليات الحكومية التي مازلت تكرر انتاج المفاهيم التقليدية في التعاطي مع حقوق الانسان ،اذ ان العديد من المؤسسات الحكومية ومنها وزارة حقوق الانسان تعمل دونما تأمين حقيقي لاحصائيات ومعلومات تؤشر حقيقة الخروقات في مجال الحقوق العامة ! واهمية نشر هذه المعلومات في وسائل الاعلام وبشفافية واضحة لبيان حجم الاخطار التي يصنعها الارهاب المسلح كسلوك وكثقافة على واقع الحياة العراقية والذي يحرم الكثيرين من التمتع بحقوقهم في المعيش والحريات والتعليم والصحة والاختيار والامن الغذائي ،فضلا عن تأثيره على تنفيذ و انعاش البرامج التنموية التي تهدف الى تعميق الاسس المادية للبناء الاجتماعي في اطار اعادة الاعمار وتنفيذ الالتزامات الحكومية في مجال الخدمات العامة وتخفيف حدة المعاناة المعيشية للمواطنين ـمثلما ترسم هذه المعلومات صورة حية للواقع امام الرأي العام في الداخل والخارج لايجاد بؤر ضاغطة تؤسس مواقفها على اساس المعلومات والاحصائيات والبيانات الدقيقة والصحيحة بعيدا عن تأثيرات الغلواء الاعلامية واتجاهاتها المؤدلجة !!!!والذي يمكن ان يكون موجها فاعلا في ايجاد المناخات والكيفيات التي يمكن التعاطي بها مع معطيات الاتفاقيات الاطارية التي وقعّها العراق من جهة وكشف مصادر الجهات المسؤولة عن شيوع مظاهر العنف والارهاب ....
ان تاريخ مظاهر العنف والارهاب في الحياة العراقية قد خلق الكثير من الموانع الخلافية مابين الثقافات والايديولوجيات ،ولعل الظروف الحالية قد افرزت وقائع اسهمت في تغذية صراعات معقدة ومصالح متباينة اسهمت في اشاعة ثقافة العنف والصدام المسلح ،والتي اسهمت في تعويق برامج اعادة اعمار العراق ،وتفكيك الكثير من الحلقات المجتمعية والبنائية ، وارباك المشروع الوطني الذي يستقطب كل الاتجاهات والمكونات صوب بناء العراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي ،في سياق تفاعل القوى الوطنية على اساس برنامج وطني واضح ،وعلى اساس حيوي من المشاركة السياسية الحيوية ...
وازاء هذا نجد ان اشاعة ثقافة التسامح والتحاور والمشاركة هي المحور الذي ينبغي ان تنطلق منه جميع القوى الوطنية المشاركة في العملية السياسية او خارجها لمحاصرة ونبذ القوى الارهابية والعنفية التي تؤجج عوامل الفتنة الداخلية وتمنع بكل الوسائل المدمرة وغير الانسانية أي نجاح للجهود الوطنية في تجاوز محنة ما بعد الاحتلال ووضع الصيغ والبرامج التي تضمن بناء الدولة الجديدة ،مثلما تضمن حقوق الناس على اسس من قيم المواطنة التي تنبذ عوامل الفرقة والكراهية والتعصب ..وهذا ما يجعل تكريس ثقافة التسامح هي الاساس الذي يجعل جميع الفرقاء امام استحقاقات وطنية وتاريخية ،وواجبات اخلاقية تؤكد قيم المصالحة الوطنية وتظافر القوى والامكانات والجهود بالاتجاه الذي يحوّل الوطن الى ورشات عمل وفضاءات للاستثمارات والتنميات التي يمكن ان تجعل من العراق الجديد مركز استقطاب عالمي في المنطقة ،مثلما تعمل على تجاوز المحنة ونبذ كل اشكال العنف الاجتماعي وحصر الارهاب كظاهرة منبوذة في المجتمع.. ،،فهذا الارهاب هو المسؤول الاول عن ظاهرة العنف الطائفي والتهجير القسري وتدمير البنيات التحتية للمجتمع العراقي وهدر الكثير من المال العام ،فضلا عن تأثيره على خلق ظواهر تحرم الكثيرين من حقوقهم المدنية والتي التزم بها العراق في اطار موافقاته على الاتفاقيات الدولية والاقليمية والعربية ومنها حقوق المرأة وحقوق الطفل والحقوق الاقتصادية والسياسية ...