إبعاد جهاد وموت الأم



سهير قاسم
2007 / 4 / 19

عاشت وحيدة في بيت أهلها فوالديها لم ينجبا غيرها، عانت الكثير فوالدتها كانت دائما حريصة على الذهاب إلى كل من يدلها على شيخ أو طريقة تمنع زوجها من البحث عن امرأة أخرى لتنجب له أطفالاً ذكورا، عدا أن نظرة المجتمع إليها كفتاة لا أخ أو أخت لها لا تسرّ كثيراً. وأخيرا تزوجت هدى، وكانت فرحتها عارمة فهي الآن المسئولة وهي التي ستنجب الأطفال الكثيرين، مع أن زوجها فقير الحال وقد تربى في عائلة كبيرة العدد. أنجبت هدى طفلتها الأولى وفرح لها الجميع حتى وإن تمنوا أن يكون المولود الأول ذكراً. ولضيق الحال قررت أن تعمل في البيت فاشترت ماكنة خياطة لتساعد زوجها الذي أصبحت معاناته تزيد يوما بعد يوم. ثم أنجبت هدى مولودتها الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، وبطبيعة الحال فإن المجتمع الذي تعيش فيه لا يرحم والجميع يطالبها بالإنجاب كي يأتي الذكر لأخواته، خاصة وأنها أصبحت مثاراً للشفقة من قبل من يعيش في هذا المجتمع.
وبعد صبر خمس سنوات أنجبت البنت السادسة، فقرر زوجها وتحت إلحاح أهله أن يتزوج من أخرى لإنجاب الذكور، وبالفعل حدث ذلك وتزوج، وبعد مضي عامين أنجبت هدى الذكر وفرحت وفرح لها الجميع، أما زوجها فلم ينجب من زوجته الأخرى،حيث أنه يعاني حالياً من المرض.
كم كانت فرحة هدى وزوجها بالمولود الجديد، ولكن الهمّ يزداد يوما بعد يوم والحياة لا ترحم، البنات يلتحقن بالمدارس الواحدة تلو الأخرى، وهن بحاجة إلى مصاريف كثيرة والصغير جهاد يكبر وهو يحتاج كذلك إلى مصاريف.
مرضت هدى من كثرة الخياطة للزبائن وأصيبت بداء في المفاصل ومع ذلك تشعر بالفرحة الآن، فجهاد في مرحلة الشباب، إنه يترعرع بين أخواته وهو دائم الشفقة والحنان عليهن وعلى أمه خاصة وأن والده قد توفي في داء خطير، فرأى بأنه المسئول الأول والأخير. وما كان منه إلا أن ترك المدرسة ليكون صاحب المهمة، وحاولت أمه منعه ولكن هيهات، إنه الشاب الذي لا يمكنه أن يصبر على تعب أمه فعمل في إحدى المحال التجارية كخطوة أولى على الطريق.
وفي إحدى الأيام وأثناء عودة جهاد إلى البيت رأى أحد الجنود يعاكس واحدة من أخواته فلم يكن أمامه إلا أن ضربه بسكينة وكانت الضربة قاضية، فاعتقلوه وعذبوه. فزعت الوالدة عند سماعها الخبر وهرعت مسرعة باحثة عن ولدها الذي هو السند الوحيد لها ولبناتها.
وبقي جهاد في السجن قرابة العامين وأخيراً اقترب موعد محاكمته ، وتقرر إبعاده من فلسطين إلى إحدى الدول الأوروبية، وأبعد فعلاً وذاقت الأم الحسرة واعتصرت ألما على وحيدها خاصة وأنها منعت من السفر إليه ومرضت مرضا شديدا وعندما سمع محمد بمرض والدته جن جنونه وحاول أن يخاطب الصليب الأحمر أو أي جهة تمكنه من رؤية والدته دون جدوى.
وماتت هدى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تقول "محمد ولدي الوحيد" وكانت البنات قد سجلن شريط فيديو لها في آخر أيامها، وعندما رآه جهاد ذلك الشريط لم يستطع الحديث وسالت دموعه على وجنتيه، واكتفي بقول جملة واحدة "ماتت الوالدة وأبعد جهاد ولكن بقي الوطن فأين أنت يا وطن؟؟؟