قرار وزارة الداخلية المجحف يعد تجاوزاً على حقوق المرأة العراقية



مصطفى محمد غريب
2007 / 4 / 30

القرار الغريب والمجحف الذي أصدرته وزارة الداخلية العراقية بخصوص سفر النساء عبارة عن قرار يدل على الحدود الكونكريتية للعقلية التي ترى في النساء عبارة عن مخلوقات ضعيفة لا تستطيع تدبير أنفسهن إلا بوصاية الرجل وهذه العقلية السلفية أو الأصولية والمتخلفة بقت ممتطية العقليات المتعاقبة على السلطة ما عدا فترة قليلة بعد ثور 14 تموز 1958 إلا أنها استمرت بفعل الممارسات غير الطبيعية التي كانت تنتهج من قبل الحكومات والمسؤولين تجاه المرأة وحقوقها الطبيعية ككائن بشري مستقل يستطيع أن يقوم بمهماته وأعماله دون وصاية أو رقابة، وما يؤشر له أن هذه العقلية وضعت حدوداً ارتأت لنفسها حقاً مقدساً يجب أن لا تخرج عن نصوصه متشبثة بالدين وكأن حقوق المرأة عبارة عن قنبلة ننوية ستفجره إذا لم يقوموا باللازم ووضع الحدود وعرقلة الحقوق وفي كثير من الأحيان ترضية للمؤسسة الدينية لكلا الطرفين الذين يريان في حقوق المرأة عبارة عن خروج عن النصوص الشرعية وحسبما تخطط له تلك العقليات في مجال المرأة بشكل عام.. ولهذا كان النظام الشمولي قد طور مفهوم الوصاية بحجة الحقوق والواجبات لكنه كما كنا نتابع قد غَلّبَ الواجبات على الحقوق واقر ضمناً على الرغم من الادعاءات بحقوق المرأة والعلمانية في بعض المجالات التي تخدم أهدافه وتوجهاته، وبقت المرأة أسيرة القانون الجائر المرتبط بواسطة الوصاية الذكورية والقوانين التي سنت لهذا الغرض، فمنعت المرأة من السفر لوحدها وفرض " المحرم " الذي تستطيع بواسطته وبمرافقته السفر وعلى ما يبدو أن وزارة الداخلية والسيد الوزير لم يتخلصا من تلك العقلية حيث أعلن عن قرارهما الذي لا يختلف عن القرار السابق ، هذا القرار ا غير الطبيعي الذي يتناقض مع الاتفاقية الدولية التي تؤكد على إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة وهو منافي ومتناقض مع جميع المواثيق والأعراف الدولية وفي مقدمتها لائحة حقوق الإنسان . إن هذا القرار الذي يؤكد عدم إعطائها جواز سفر إلا بموافقة ولي أمرها ما هو إلا تحصيل حاصل للعقلية التي تقود العراق في الوقت الراهن وهو يعود بالنساء العراقيات إلى حاضنة الفكر الظلامي السلفي والأصولي الطائفي حيث يعتبرون المرأة كسلعة تباع وتشترى ومكانها جدران البيت والحجاب الأسود باعتبارها عورة حسب العقلية المتخلفة التي دثرتها السنين وهم يريدون إحياء تلك العقلية مرة ثانية لتكون بديلاً عن الحقوق المشروعة التي سنتها القوانين الوضعية واعترفت بها المواثيق الدولي فليس من المستغرب أن يتطابق القرار الآنف الذكر مع فتاوى الظلام التي تمنع جلوس النساء على الكراسي ، وتمنع استعمال مساحيق الزينة ما عدا شيوخهم وأمرائهم وكذلك " الموطة " والموز والخيار وتعتبر من تخالف منهن زانية.. إلا أن العجيب في الأمر نلاحظ (25% ) من تعداد البرلمان العراقي هو من النساء وهناك العديد من الوزيرات والمسؤولات في دوائر الدولة لم ينبس أكثرهن بحرف واحد ضد القرار وكأنهن راضيات أو خائفات على كراسيهن!!، فكيف سيجري التصرف معهن ومع المهمات التي تقضي بضرورة السفر لإنجاز المهمات الخارجية إذا لم يكن لإحداهن ولي أمر من الدرجة الأولى؟ وكيف ترضى الوزيرات والبرلمانيات اللائي من الضروري الوقوف ضد هذا القرار لحماية حقوقهن وحقوق جميع النساء العراقيات ؟ هل يسكتن وقد سكت أكثرهن وهذا ما يدعو للعجب والاستغراب أكثر؟
كلنا يعرف حق المعرفة كلما تتطور الدول وتتقدم كلما أصبح دور المرأة أوسع واكبر من السابق وهذا لا يعني بان المرأة كانت لا تساهم في عملية التطور والتقدم وقد نستشهد بالتاريخ فنجد العشرات من العظيمات والمفكرات اللائي ساهمن مساهمات جادة وفي مختلف مناحي النشاطات الأساسية وكن في كثير من الأحيان في مقدمة الباحثين في العلوم والتكنلوجيا والفضاء كما في المهمات الأخرى كالطب والفيزياء والكيمياء وفي مجالات الثقافة والفنون والعمل والتعليم وهكذا أصبح دورهن إذا لم نقل يوازي دور الرجال 100% فهو لا يقل عنهم كثيراً وقد تجاوز هذا الدور إلى السياسة وشهد ويشهد العالم العديد منهن وقد تقلدن مناصب رفيعة في أجهزة الدولة بل قيادتها مثل رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة أحزاب ووزيرات وبرلمانيات ورائدات فضاء وطيارات حربية وضابطات وجنديات وسياسيات معروفات وقائدات للكثير من منظمات المجتمع المدني حتى أصبحن القاسم المشترك لأي نظام سياسي حيث ينظر إليه من خلال موقفه من حقوق المرأة وعدم التميز بينها وبين الرجل، ولو أردنا تعداد مسهامات النساء في البناء والتقدم الحضاري لوجدناهن بالإضافة إلى تلك الأعمال الكبيرة المختلفة يقمن بالوظيفة الإنسانية العظيمة وهي إنجاب الأجيال وتربيتها والحفاظ عليها وهي وظيفة اجتماعية نبيلة يجب اعتبارها أقدس وظيفة اجتماعية وإنسانية ومن اجلها واجل مساهماتهن في البناء والتقدم يجب منحهن الحقوق الكاملة وإلغاء التميز بينهن وبين الرجال فيما يخص العمل والأجور والحقوق المدنية وليس اعني الجنس .
كل هذا وفي العراق مهد الحضارة الأولى كما يقال ،مهد القانون الأول، والكتابة وغيرها وبدلاً من تعميق هذه المفاهيم يجري العكس وهو تعتيم دور المرأة واعتبارها إمعة وهامشية وذلك من أجل إرضاء الغرور الذكوري والعقلية الظلامية..
إننا ندعو كل مواطن ومواطنة ومسؤول ومسؤولة وتنظيمات المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات مهنية ونقابات وبخاصة الذين يقرون بحقوق المراة ، إلى النضال من اجل إلغاء قرار وزارة الداخلية واعتباره مجحفاً لا حضاريا ولا إنسانيا وهو يتجاوز على حقوق المرأة العراقية ويسلبها من إرادتها ويجعلها تابعاً ذليلاً وهي كما معروف تشكل نصف المجتمع العراقي.
إننا ندعو الوزيرات والبرلمانيات والمسؤولات والموظفات والمعلمات والعاملات في الدولة إلى التحرك الفوري والوقوف بشكل جاد لإلغاء القرار فوراً وعدم الانصياع للكواتم الحزبية والعقلية التي تراهن على سكوتهن باعتبارهن عورة وناقصات ومن هذا المنظور يستمر التمييز وغمط حقوقهن.