المرأة العراقية.. القلق من هيمنة الطوطميين الدينيين



علي الحسيني
2007 / 5 / 4

ايتها المرأة : انت باب الشيطان .
قول قديم ينسب الى الكاهن الروماني المعروف (ترتوليان) .

لا اعتقد ان قول الكاهن ترتوليان غريبا عن تراث الانسان الذي تتسيد فيه ثقافة قمع واضطهاد المرأة ... فكتاب النبي موسى يدعوا الى هجران المرأة في حال تبين انها مصابة بالعقم ...والكتب الهندية المقدسة منعت المرأة بإن تكون لها ثروة خاصة ( لقد وجدتُ المرأة اشد مرارة من الموت) هذا ما ذكره سفر الجامعة الكتاب الهندي المقدس. وبعد ذلك جاء الاغريق ليفرضوا عليها الزوج الذي يختاره الوصي عليها او الاب ، واعطوه حق مقايضتها او هبتها ، وعندما تصبح عاقرة يجب على الزوج هجرها والا ستكون جريمة بحق الالهة ، وأتينا نحن من بعد ُ لنشرعن هذا الطقس الغرائبي بنصوص يزعم اسلافنا انها جاءت بوحي لا ينطق عن الهوى .
تجلت هذه النظرة المتوحشة لتضع المرأة (في معضم الثقافات والاديان القديمة ) الى مصاف الشر الذي خلق الفوضى والظلمات والمرأة ( ! ) ، ولتضع الرجل في مبدأ الخير الذي خلق النظام والنور والرجل ، هذا ما كتبه فيثاغورس مميزاً بين المرأة والرجل .
وبذات المعايير التي تعد المرأة كائنا دونيا سار (ابقراط وارسطو وافلاطون) وغيرهم من فلاسفة اليونان وكهنة الرومان . وجاءت المسيحية التي أملت المرأة منها الخلاص من استبدادية الرجل واضطهاده الدائم لها، إلا ان الحقيقة انكشفت لتؤكد تعزيز العنف الذكوري ( لكن بصيغة اخرى) على المرأة ، يقول يوحنا : ( وليس هناك بين وحوش الارض المفترسة من هي اعظم اذى وضرراً من المرأة )، وكتب توما الاكيوني ( ان المرأة قد كتب عليها ان تحيا تحت هيمنة الرجل ، وألا تكون لها اية سلطة). ثم جاءت ديانات وعقائد اخرى مقدسة وغير مقدسة لتعطي الشرعية والحق الكامل لاضطهاد المرأة والهيمنة على كل تفاصيلها لتضحى الكائن المقهور باستمرار .
من قبيل : ( النساء ناقصات العقل والايمان ) والشؤم في ثلاثة ( المرأة والفرس والدار ) و ( ... اطلعت في النار فرأيت أكثر اهلها النساء ) عينة سريعة لما هو مذكور في ما تبقى من موروثنا الذكوري الذي ينظر للمرأة بوصفها شرا ووباءً ، اقوال لعبت الدور الرئيس في تكوين العقل العربي والاسلامي وخلق السلوك الجمعي لشعوبنا الذي عد الاقتراب من مثل هذه الاقوال هو من قبيل اللعب بالنار المقدسة .
اليوم تعيش المرأة وبأستمرار فاضح في مجتمعاتنا العربية والاسلامية في مناخ بطريكي ذكوري لايرحم ، مواجهة تحديات وسلوكيات تفتقر الى النظرة الانسانية واخلاقيات التحضر تتبناها اقوام ومجموعات من اطياف متباينه منها – وهم الأخطر- من يزعمون انهم الفضلاء والمؤمنين الذين كلفتهم السماء الدفاع عن شرائعها من المرأة بوصفها بابا للشيطان .
هذا ما سنتطرق اليه هنا لكونه أصبح التحدي الاكبر والرئيس للمرأة العراقية تحديداً لاخضاعها واضعافها ، خلافاً لكل المواثيق والقوانين الدولية التي حفظت للمرأة كيانها المتساوي مع الرجل ... فهي( تولد حرة ، وتظل مساوية للرجل في الحقوق ( 0000 ) ومبدأ كل سيادة يكمن جوهرياً في الامة التي هي ليست غير اجتماع المرأة والرجل ، والمواطنات جميعاً ، ان من حق المرأة ان تصعد الى المقصلة ، لذا من حقها ايضاً ان تصعد الى المنبر ايتها النساء استيقظن! ) .
أملت المرأة العراقية منذ نهايات القرن التاسع عشر الذي احتضن النهضة العربية ان يوضع حدا لمأساتها التي طالت واتسعت رقعتها وهو ما طمحت اليه وما نادت به ثلة من رجال ونساء النهضة العربية على حد سواء من الذين اخذوا على عاتقهم مسؤولية الوقوف بحزم امام كل التقاليد البالية والعادات والقيم الناتئة التي تحتقر المرأة وتسرق منها حقوقها المشروعة وهو ما اشتغلت عليه – ايضا - النسوة الاوائل من الداعيات لحرية المرأة ، نظير: ( هدى الشعراوي ونور حمادة واسماء الزهاوي وبولينا حسون وآسيا توفيق وهبي وصبيحة الشيخ داود ) وغيرهن من النساء العراقيات والعربيات اللواتي ناضلن بكل شجاعة وصلابة لاستعادة حقوقهن والمطالبة بالمساواة مع الرجل في مجتمع ذكوري بطريكي سادت فيه قيم دناءة واحتقار المرأة .. لكن لهيمنة الموروث الاجتماعي والقبلي والديني الابوي ورفضه اقتحام الممنوع لاقت دعوتهن رفضا او صيّر منها دعوة غير قابلة للتطبيق وأعاد وضعهن الى سابق عهده .
لست هنا بصدد الكلام عن وضع المرأة العربية بقدر ما اريد ان أضع النقاط على حروف حالة المرأة العراقية المغلوب على امرها في ظل انفلات امني كامل وغياب موحش لدور الدولة في حياة المواطن مع تعرضها في فترة الحكم البائد الى ظلم وانتهاك لكرامتها ، مع ان المراة العراقية ابتهجت وهللت لسقوط النظام المستبد في بغداد وتمنت على العهد الجديد ان ينهي معاناتها الطويلة في ظل كل الحكومات المتعاقبة على بغداد .. واستأنست بعراق حر ديمقراطي تعددي (كما وعدوا) يؤمن بمساواة المرأة بالرجل ويعطي حق المواطنة لكل عراقي وعراقية ويضمن للجنسين حق العيش الحر الكريم ويعيد لها دورها الريادي في المجتمع !! .
تتعرض هذه المرأة في الوقت الحاضر من عمر الدولة العراقية الى سلوكيات خاطئة وهيمنة مخيفة من قبل طوطمية تختبئ خلف غطاء ديني مقدس ، تحركها مجموعة افكار أرثوذكسية يعمل على نشرها شرذمة من الاصوليين المتشددين تساندهم قطعان من انصاف البشر المغرر بهم .
منها ما يفرضها الاصوليون المتشددون على فتيات وبنات المدارس والمعاهد والجامعات من دون اية حماية توفرها لهن الوزارت المعنية واجهزة الامن في وزارة الداخلية وهي ادنى حقوقهن في مجتمع تربى على القيم الفحولية الفارغة وعلى مبادئ ذكورية استبدادية . كل ذلك يحدث لبناتنا واخواتنا وزميلاتنا امام مرأى ومسمع البعض من رجال الشرطة والامن ، والانكى ان هؤلاء الرجال بعضهم يشارك بتشجيع ومباركة تلك السلوكيات الخاطئة والبعض الاخر يساعد اللاهوتيين الجدد لمنع (المنكر) وارساء (المعروف) كما حصل في احداث متنزه الاندلس الشهيرة في البصرة.
تكشف مثل هذه السلوكيات البدائية نوايا الهيمنة في الخطاب الديني ( المتشدد )والعقلية المنغلقة التي تحاول دون انفكاك فرض سيطرتها على الشارع العراقي بعد ان عجزت وفشلت الدولة العراقية الحديثة (الثانية) في حماية ودرئ المخاطر عن مواطنيها ومحاسبة من يتعدى على حقوقهم والوقوف امام هكذا سلوك تنتهجه مجموعة تحسب نفسها انها تبلغ رسالة السماء وتقوم بالنهي عن المنكر والامر بالمعروف .