مقتل دعاء والجبن الاجتماعي



شهناز أحمد علي
2007 / 5 / 5


للإنسان الحق في إختيار المعتقد الديني الذي يريده، ( لا اكراه في الدين ). هذا في الإطار العام للمفاهيم الدينية الإسلامية . ولكن وبالنسبة للأنثى وحقها في الاختيارفإن الامريختلف. فالإسلام يعطي للرجل الحق في الزواج من إمرأة غير مسلمة، أما المسلمة فلا يحق لها ذلك بحجج ومبررات ينتقص جميعها من قدرة المرأة كونها إنسانة كاملة العقل والإرادة. ويبدو إن التعاليم الإيزيدية أيضا" تمنع على المرأة ذاك الحق.
وبالنسبة لللائحة العالمية للحقوق الإنسان والتي تنص على حق الإنسان، بغض النظر عن جنسه، رجل كان أم إمرأة، في الحياة والزواج والمعتقد الديني والسياسي ...الخ ، فلا داعي لذكرها هنا كون المجتمع الشرقي بكل مكوناته الاجتماعية، ما زال بعيدا عن المفاهيم الليبرالية و الممارسة العصرية المطبقة في العالم، كالحق والعدل والمساواة والحرية و..........
وإن كان لقتل فتاة بريئة لا تتجاوز السابعة عشرة من العمروالتمثيل بجسدها الطاهربطريقة همجية دوافع دينية، فإن للأعراف والعادات الاجتماعية دور فاعل في إرتكاب تلك الجريمة التي يندى لها جبين الإنسان. إذ يبدو أن المجتمع الكردي ونتيجة القمع والاضطهاد اللذين تعرض لهما قرابة قرن من الزمن، قد فقد الشجاعة التي كان يتمتع بها على حد وصف المؤرخين له، وأصبح كل شرائح المجتمع تخاف من مقاومة الجهل والمفاهيم المتزمتة الدخيلة على مجتمعنا، بل الكثير من السلبيات الاقطاعية والعشائرية والمعيقة للتطورالإنساني. وإلا فمتى كان عمل المرأة وخروجها سافرة والاختلاط بين الجنسين من الممنوعات بين الكورد.

وبالرغم من إدانة بعض الجهات السياسية والحقوقية الكوردية وقلة من المثقفين لتلك الجريمة الرعناء، فقد بقي صوت الإدانة خافتا" ولم يرتقي لمستوى الحدث. وهذا ما يبين مدى حاجة المجتمع الكوردي الى العمل الجاد والجريء لإزالة كافة مظاهر التخلف والجمود الفكري الذي وجد طريقه الى عقول بعض شرائحه، وأن يرتفع الصوت عاليا في وجه كل من يريد إعادة المجتمع الى عصور الظلام والإستعباد وأن يعي الكل أن حق الحياة الحرة مقدس ولا يجوز الاستهتار به وأن الشرف الحقيقي والشجاعة الحقيقية يكمنان في خلاص الوطن وليس في إستعباد المرأة، الأم والأخت والبنت والزوجة.

وبعيدا" عن نظرية المؤامرة ،فلا يمكن اعتبارجريمة قتل دعاء وقبلها أحداث شيخان، حدثان عابران. فبالإضافة الى بعدهما الاجتماعي الذي يتطلب إعادة النظر في الحال الذي وصل اليه المجتمع الكردي، الذي اعتبره الكثيرون ومن وجهة نظر محايدة، مجتمعا مرشحا ليكون واحة تنتشر منها الديمقراطية والعدالة في الشرق، فإن غاية هذه الأحداث وكما يبدو هي إثارة الفتن في المجتمع الكوردي المعروف ببعده عن التعصب الطائفي والعرقي ، وذلك لعرقلة عجلة التاريخ وإصابة عصفورين بحجر. وأن لايغيب عن بالنا أبدا أن المجتمع الكوردستاني الذي طالما يسعى الى السلم الإجتماعي ولا يفرق بين مكوناته من المسلمين والمسيحيين والإيزيديين وغيرهم، سيبقى معرضا لمؤامرات الحاقدين المتربصين للإيقاع في صفوفه حسب مبدأ فرق تسد الذي طالما اكتوى الكورد بناره.

إن الإدانة الحقيقية لجريمة قتل النساء في كوردستان عامة لن تتم بكتابة المقالات والبيانات فقط ،بل لابد من إقتران القول بالفعل وتنفيذه على الأرض حقا. ولإجتثاث هذه الجريمة من جذورها والنهوض بالمجتمع الكردي حتى يصبح فعلا مجتمعا" علمانيا" ليبراليا، يحترم حقوق الإنسان ويكون عنوانه الديمقراطية وسيادة القانون، لابد من التحلي بالشجاعة للقضاء على الجبن الإجتماعي الذي يبدو أننا إبتلينا به في مواجهة التخلف، وأن تتكاتف جهود كل السياسيين والمثقبين والمهتمين بالشأن العام في كوردستان للتصدي وبحزم للدخيل الهدام والعمل لإحياء الإرث الكوردستاني المتسامح وقييمه الحضارية لتتمازج مع الفكر الإنساني النير و المعاصر.