المرأة والديمقراطية والعلمانية



سميرة الوردي
2007 / 5 / 27

( طالع ، يا عيني، يا حبيبي ، إسأل أية امرأة كم تلاقي من الجلد في هذه الحياة ، وفي كل يوم . إنها تجلد منذ لحظة الميلاد ، اللحظة التي يقال فيها :( بنت ) ثم من طريقة معاملتها ، وأخيرا من خلال اعتبارها مجرد مجال حيوي أو صيغة للخدمة المجانية والمتعة! )*
كلما ننظر الى وضع المرأة في عالمنا العربي نجده مضحكاً مبكياً، ووصمة عار في جبين التاريخ والإنسانية ، ومهما ناضلنا ونناضل ففي أغلب الأحيان نرى تراجع المرأة خطوات واسعة للوراء ، ولا يمكن عزل وضع المرأة في المجتمع وفصله عن كل مناحي الحياة الأخرى ، فبالرغم من التطور الحاصل في العلوم والمعرفة في دول العالم المتقدم فنحن لم نصل الى ما وصلوا اليه وبالرغم من سيادة قوانينهم فنحن ما زلنا بعيدون وبعيدون جدا، فنحن قوم نستهلك ما ينتجه الآخرون الا القوانين .
حرية المرأة وانطلاقها ونشاطها في كل ميادين الحياة جزء لا يتجزأ من نشاط المجتمع بكل ميادينه تحت ظل الحرية التي يحيا فيها وتحيا فيه، فلا حرية للمرأة في ظل مجتمع تهيمن عليه المحاصصة والطائفية والإرهاب ، في مجتمع غاب عنه النمو الإقتصادي والعلمي ودار في طاحونة موت لم تتوقف ،أي حرية لامرأة تسير متلفتةً يمينا وشمالا، خوف الخطف والغدر والإغتصاب .
مهما حاولت المرأة الخلاص من عبوديتها فستصطدم بجدر سميكة تحت مسميات شتى أولها الشرف وليس آخرها الإتكاء على محرمات جاءت منذ عصر وأد البنات .
إننا بحاجة الى وعي مضاعف ينتشر في المجتمع ، يزيل عنه صدأ سنوات من الجهل والتجهيل ، بحاجة الى مناضلين حقيقين ، نحتاج الى وعي مكثف باحترام كل شرائح المجتمع وعدم تهميشها ، إن احترام الإنسان كإنسان يقودنا الى احترام المرأة وتقديرها واعطائها حقها كاملا في الحياة ، إن العبء الذي وقع على عاتق المرأة ومنذ تحول المجتمع من العائلة الأمومية الى العائلة الأبويه جعل الرجل ينتزع منها حريتها عبر هذا التاريخ الطويل ، لو عدنا الى التاريخ وتاريخ بلاد الرافدين بالذات لوجدنا أن " قدماء العراقيين عاشوا على شكل عشائروقبائل في ظل المشاعية البدائية. وكان جميع أعضاء العشيرة متساوين في الحقوق. وكانوا يجهلون الفروق الإجتماعية وعدم المساواة في الثروة . وكان جميع الأعضاء البالغين في العشيرة من الذكور والإناث يشتركون على حد سواء في مجلس العشيرة ولم يكن لشيخ القبيلة أية حقوق خاصة أو امتيازات تميزه من غيره " . وكان " للنساء دور هام في الإنتاج ، فقد تَمَتعن باحترام كبير وشاركن في اجتماعات العشائر والقبائل . وقد عكست الأساطير المتعلقة بالآلهة والمواد الأثرية المكتشفة ما يٌُثبت مكانة المرأة المرموقة في المشاعية العشيرية. تقول الأساطير : كانت الآلهة والإلهات يناقشون الأمور معا في المجلس السماوي . وهذه الأساطير عن علاقة الآلهة في السماء كانت تعكس ما كان يجري على الأرض بين الناس . كما أن تماثيل الدمى الصغيرة للنساء والتي عثر عليها المنقبون تُحمل على الإفتراض بأن " نظام الأمومة " قد استمر حتى النصف الأول من الأ لف الرابع قبل الميلاد ".**
وكذلك المرأة في مصر الفرعونية إذ تذكرالباحثة كريستان نويكلور" أن مصر أيام الفراعنة عرفت المساواة بين المرأة والرجل وبين الأبناء والبنات " .
إذا كان وضع المرأة في العصور القديمة وضع أفضل بكثير من وضعها في عصر غزو الفضاء والعولمة ، في عصر تكالب فيه الإرهاب لإسقاط منجزات تحملت المجتمعات مئات السنين في بنائها وإنجازها ، فكيف سيكون وضع المرأة في مجتمع تكالبت فيه قوى الشر وأدمنت على النظر اليها نظرة دونية وكأنهم لم يخرجوا من رحمها .
إن المتتبع لتاريخ عبودية المرأة سيجد أن عصور ما قبل التاريخ قد أنصفتها في شرائعها كشريعة" أور نمو " و" أشنونا " و" لبيث عشتار" و " قوانين حمورابي "
نحن الآن نعاني من التقهقروالتخلف فما زال وضع المرأة في الصفوف الخلفية وقد خسرت كثيرا من حريتها ومن المكاسب التي حققتها عبر نضالها المرير نتيجة للحروب المتواصلة وعدم تحقق الديمقراطية الموعودة فكثيرا ما طحنتها الحروب وفجعتها وراح ضحيتها الآلاف من الأبناء والأخوة والآباء والأزواج وأجبرها على تحمل مرارة ومشقة البحث منفردة عن لقمة العيش لها ولمن تبقى من عائلتها إن سنين القهر الطويلة أورثها هموما أشغلتها عن النظر الى ما يُسن من قوانين شرعية تحت رايات مختلفة وأولها راية الدين وليس آخرها راية الإعراف التي جعلت منها في كثير من الأحيان سلعة تقدم بطبق من ذهب في حل المنازعات بين القبائل والعشائر إذ تقدم هبة لحقن الدماء لمن له ثأر بغض النظر عن موافقتها أو عدمه .
إن نظرة متأملة غير منفعلة توصلنا أن لا حل لقضية المرأة بمعزل عن حل مشكلات المجتمعات الجوهرية وأولها سن شرائع وقوانين موضوعية تُعطي للمرأة كافة حقوقها المتساوية مع الرجل ، فلا يحق لأي عنصر ذكوري من خنق حياتها وتحت أي تبرير.
منح فرص في العمل والدراسة بنسب متساوية بين الأثنين فلا يُفضل الذكور على الإناث وفي جميع الميادين والإختصاصات ، كما هو معمول به ومتعارف عليه في أغلب مجتمعاتنا العربية .
فرض عقوبات قانونية لكل من يرتكب جريمة بحق المرأة تحت مسميات الأعراف وغسل العار ، فلا يحق لأي كان من إنتزاع حياة المرأة سواء كانت اختا أو زوجه أو ابنة . ولتكن حياة الإنسان مقدسة سواء كان رجلا أو امرأة .
إن على كل الأنظمة العربية تقع مسؤولية تحرير المرأة ورفع الغبن عنها وذلك بسنها وتفعيلها لقوانين تضمن سلامة المرأة وحمايتها من الأذى واعتبارها نصف المجتمع المتساوي مع الرجل في الحقوق والواجبات.
إن نمو المجتمع وإزدهاره اقتصاديا ومعرفيا ، واشاعة الديمقراطية والتفكير الحر في كل مراحل العمر وفي كل مفاصل المجتمع ، إضافة الى علمانية القوانين ، هو الوسيلة الوحيدة المؤدية الى تحرر المجتمع وتحرر المرأة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*" الآن ... هنا " رواية عبد الرَحمن منيف
**حضارة مصر والعراق برهان الدين دلّو