-فقدت برائتي وطفولتي-

رانية مرجية
rania.marjieh@gmail.com

2007 / 11 / 26

المدينة" تلتقي ثلاثة نساء تزوجن في جيل مبكر جدا وسمعت مأساتهن

الزواج المبكر هو سمة من سمات مجتمعنا العربي، وهو مرتبط بمرحلة اجتماعية وظروف اقتصادية، وبالكثير من الظروف والعادات والتقاليد، ولو بحثنا في هذه ظاهرة الزواج المبكر لوجدنا عدة أسباب، منها الدين الذي يحث على الزواج معتبرا الزواج نصف الدين ايضا انخفاض مستوى التعليم والجهل والأمية، وعدم وعي الأهل بمخاطر الزواج المبكر، كذلك عامل البحث عن حب وتكوين عائلة ولا سيما في البيوت التي تعاني تفكك اسري ولا تعطي للبنات الاهتمام.
لم يكن من السهل عليّ أبدا إجراء مقابلات شخصية مع نساء من الرملة واللد ويافا اللواتي ذاقوا مرارة الزواج المبكر، لا سيما أن غالبية من التقيت بهن طلقن بعد فترة معينة من زواجهن، وأخريات مازلن يعشن في جحيم ومشاكل لا تنتهي مع أزواجهن، ومنهن من وصلت اليوم أربعون عاماً ولكنها ما زالت حتى الآن تحاول أن تعيش طفولتها، وتبحث عن حب حقيقي في الانترنت والشات.
ورغم أني التقيت مع خمسين امرأة خلال الثلاثة اشهر الماضية، سردن لي ما قد يشيب شعر الرأس، لدرجة أنني كنت في أحيان كثيرة أنسى نفسي وتخونني دموعي، لما يشاركنني به، لأجد نفسي وبكل جدية ومسئولية، اقطع عهداً على نفسي أمامهن بعدم ذكر أسمائهن لما سيسببه ذلك لهن من إحراج، وربما قتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة كما أبلغتني خمسة منهن.
سماح تتزوج بجيل 13 عاما
تبدأ سماح من يافا وهي في الثامنة عشر من عمرها الآن، وأم لثلاثة أطفال أكبرهم في الثالثة وأصغرهم ابن عام، بالحديث "للمدينة" بصوت أجش ودموع قانية حمراء: تزوجت عندما كنت في الثالثة عشر من عمري من شاب يكبرني بعشرين عاماً، من أسرة ميسورة الحال وفي البداية فرحت جدا بالفستان الأبيض والذهب، وفرحت جدا من التفاف الكل حولي والحفلة التي أجريت على شرف زواجي، ولكن سرعان ما أفقت من الصدمة وسرعان ما اكتشفت أنني افقد براءتي وطفولتي، وتلقى علي مسئولية وأنا لا زلت طفلة، الطبخ والنفخ والخدمة والولادة وتربية الأطفال.
وتتوقف طويلا لتشعل سيجارة وراحت تنفث بها بعصبية وبارتباك، وتلعن وتشتم ذويها الذين على حد تعبيرها: "كان يجب أن يرفضوا تزويجي، كان يجب عليهم حمايتي"، وتعترف بمرارة أنها انفصلت عن زوجها بسبب عدم التفاهم والمشاكل اليومية.
عبير: "بعد الدخلة بدأت رحلة العذاب"
عبير اثنان وأربعون عاماً من اللد، مطلقة وأم لثلاث بنات، قالت "للمدينة": "تزوجت للمرة الأولى في سن الخامسة عشرة من ابن عمي، بعد أن اجبرني أهلي على ترك مقاعد الدراسة، فالزواج على حسب قول أبي هو نصف الدين وسترة للبنات، ولا سيما أننا عشر أخوات، فهو أراد أن يتخلص منا، وطبعا كنت طفلة لم افهم ماذا يعني الزواج، حسبته مجرد لعبة كلعبة بيت وبيت، التي كنا نلعبها في حوش البيت، وبعد الدخلة بدأ مشوار عذابي، فقد كان ابن عمي يتمتع بإذلالي وضربي والتحكم بي، كان شديد الغيرة يحبسني بالبيت وحدي لساعات طويلة، شاركت أمي بما يحدث منه فما كان منها إلا أن صفعتني بقولها: الرجل لا يعيبه شيء، أتريدين فضحنا، أنت الآن زوجته وله كل الحق أن يضربك ويربيك".
"أنجبت منه ثلاث بنات، وفقط هذا العام امتلكت القوة وأرغمته على تطليقي مقابل أن أتنازل له عن كل شيء، رغم انه وصلتني عشرات الرسائل التي تهددني بالقتل إن طلقت منه" وأضافت: "أنا أخون زوجي منذ أربعة سنوات، فلدي عشيق يصغرني بخمسة سنوات من حيفا، تعرفت عليه عن طريق الشات بأحد المواقع الإسرائيلية المشهورة، اعرفة منذ ثلاث سنوات، وكنت التقي به كل أسبوع قبل طلاقي بأحد مطاعم شارع بن جوريون المشهورة، وبعدها نمارس معا الحب في بيته، وسأستمر معه حتى إن لم نتزوج، يكفي أن هذا اخترته وأنا بكامل نموي ووعيي وإرادتي".
شيرين: "معظم المعلمات والمعلمين رقصوا في عرسي"
شيرين ستة عشر عاماً من الرملة، تزوجت قبل ثلاث سنوات،تقول للمدينة:" لم يتركوني أكمل الصف الثامن، فرحت بالبدلة البيضاء ولم أجد من ينصحني بالعدول عن الرأي، ولا سيما أن معظم المعلمات والمعلمين رقصوا في عرسي، لغاية اليوم تعرضت مرتين لإجهاض نتيجة موت الأجنة في بطني، وتضيف وهي تبكي: زوجي للأسف رغم كونه أكاديمي، إلا انه يتصرف كحيوان كل يوم مع امرأة مختلفة، يخونني إما مع روسية أو بولونية وإما مع عراقية".
من الملفت للانتباه ان الجمعيات والمؤسسات العربية بالرملة، لم تكلف نفسها ولو لمرة واحدة أن تستنكر هذه الظاهرة الآثمة، بل هذه الجريمة التي يرتكبها الأهل بحق بناتهم، والبعض منهم يرتكزون إلى أمور هامشية وينشئون أجيال متأسرلة دون وعي وطني أو اجتماعي، كما تفعل احد النويديات في الرملة للصبايا والشباب العرب المهمشين، اللذين يأتون من اسر فقيرة ومهمشة، ومع مشاكل اجتماعية واقتصادية وتربوية، والتي تعلم الفتيات والشباب أغاني صهيونية بحتة، مثل "هافا نجيدا هافا وعام يسرائيل حاي ويروشاليم مذهاب"، وبالمقابل انعدام تام لمحاضرات ومتابعات ونشاطات، وتعامل بعنجهية وعدم اكتراث مع الأولاد، بينما نجد أن جمعيات عربية بحيفا وبلدات اخرى يحاربون هذه الظاهرة بكل جدية وصلابة وعناد، عبر نشرات تثقيفية ومحاضرات بالمدارس، وتوعية للأهالي كجمعية السوار وكيان وغيرهم.
مخاطر الزواج المبكر
إذا أردنا أن نعرف ما هي المخاطر الناجمة عن الزواج المبكر فهي كثيرة ومنها كون الأم في طور المراهقة، قد تتعرض للوفاة بسبب الحمل الناجم عن زواج مبكر، هذا وقد تتعرض للإجهاض ووفاة الأجنة، فالمرأة في سن المراهقة ليست مهيأة للحمل والولادة نفسيا وجسديا، فالحمل يجهد جسد الأم ويجعله عرضة للتعب والإرهاق وفقر الدم، فكيف إذا كان هذا الجسم لم يكتمل نموه بعد ولم يأخذ أبعاده، إضافة إلى ذلك فإن كثرة الولادات تجعل المرأة قريبة من مرحلة الشيخوخة في سن مبكرة، والمولود لن تكون بنيته سليمة وقوية، وسيتعرض لإعاقات في حياته بسبب عدم اكتمال نموه الطبيعي في رحم أمه. ‏
يمكن اعتبار ما سبق ذكره مخاطر صحية للأم والجنين، أما المخاطر الاجتماعية فإنها تتجلى في زيادة عدد أفراد الأسرة التي ترهق الأب والأم في المجالات كلها، سواء في عملية التربية والتنشئة، أو في تلبية احتياجات الأطفال المادية والضرورية، وبالتالي يشكلون عبئا على المجتمع، من حيث تأمين الخدمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فالفتاة التي تتزوج باكراً تمتد لديها فترة الخصوبة فترة طويلة، وتكون معرضة لإنجاب أطفال أكثر، وهذا يؤدي إلى دفع المرأة لتحمل أعباء كثيرة قبل نموها الجسدي والعقلي. ‏
وحسب كل المعطيات فأن الزواج المبكر في اغلب الحالات يؤدي إلى الطلاق، وذلك بسبب عدم معرفة الزوجة كيفية التعامل مع الزوج، وعدم معرفتها عن حاجات الأطفال والعناية بهم، وهذه الحالات الفاشلة تؤدي إلى تفكك الأسرة وضياعها، وإذا اعتبرنا أن الأسرة هي لبنة المجتمع الأولى والأساسية، فبالتالي نجد أن المجتمع قد تفكك أيضا، وكلنا يعلم ماذا يعني تفكك مجتمع! ‏



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة