عن النساء والتنمية والتوفير والتسليف

خالد منصور
Farman1960@gmail.com

2008 / 1 / 5

أم مجدي ريفية من بلدة صانور في محافظة جنين، زوجها فلاح يكدح ويعرق في زراعة الأرض ليؤمن قوت عياله، فاقدة للهوية شانها شان الاف الفلسطينيين، الذين حرمتهم سلطات الاحتلال الاسرائيلي من التمتع بحق المواطنة في بلادهم، وحولتهم الى مطاردين لها مهددين دوما بالتسفير، تبلغ اليوم الخمسين من عمرها، اتمت دراستها الاعدادية، وتزوجت مثل العديد من الصبايا في الخامسة عشر من عمرها-- أي قبل أن تخرج من مرحلة الطفولة-- وأنجبت احد عشرة من البنين والبنات، تسكن ببيت ريفي-- ما ان تدخله الا وتحس بدفئ عميق-- من حرارة اللقاء والترحيب-- وابدا لا تشعر بانك غريب في بيتها، لانك وبسرعة تجد نفسك منسجما مع احاديثها.. وبتلقائية وببساطة تستطيع ان تعرف منها كل شيئ-- ليس عن حياتها واسرتها فقط، بل وعن حياة بلدتها، وهموم الناس هناك واحتياجاتهم.
قصدنا صانور وبيت ام مجدي بالتحديد، وكلنا شوقا لنتعرف على نموذج خاص من النساء المجدّات المجتهدات، اللواتي وبحسهن وذكائهن الفطري اهتدين الى الطريق الصحيح، للمساهمة في تحسين ظروف حياة اسرهن، والمساعدة في حل مشاكل مستعصية لم يتمكن الازواج-- بمفردهم-- من ايجاد حلول ناجعة لها.. وكانت الطريق الاقصر لام مجدي هي الانتساب الى فرع الجمعية التعاونية للتوفير والتسليف الموجود في بلدتها.. وكانت البداية في العام 2003 ، حين علمت ام مجدي ومن خلال ماسمعته من جيرانها ومزارعي بلدتها، بان هناك مؤسسة زراعية اسمها الاغاثة الزراعية-- تعمل في طول البلاد وعرضها-- تساعد الفلاحين، وتقدم لهم العون وانواعا مختلفة من الخدمات.. ولان ام مجدي فلاحة ككل فلاحي بلادنا-- الذين يحبون العطاء دوما، ويقدرون عاليا كل من يقدم لهم يد العون-- فقد سارعت ام مجدي بالبحث، واكثرت من السؤال، لتعرف المزيد والمزيد عن الاغاثة الزراعية، وعلمت حينها ان الاغاثة الزراعية تعير اهتماما كبيرا ومتميزا لقضية تمكين النساء، وتعزيز دورهن الاقتصادي والاجتماعي، وهو الامر الذي زاد من انشداد ام مجدي لتتعرف بهذه المؤسسة، فاتجهت فورا الى امينة صندوق المجموعة في بلدتها، ومن خلالها وصلت الى السيدة اسراء الهنداوي-- مرشدة الاغاثة الزراعية، المتخصصة ببرنامج التوفير والتسليف في عموم محافظة جنين، وناقشت معها اهداف وغايات الجمعية، واساليب عملها وطريقة الانتساب اليها..
لقد التقت مصالح ام مجدي مع توجهات واهداف جمعية التوفير والتسليف، الامر الذي دفعها للانتساب عن وعي كامل في تلك الجمعية، والانضمام الى صفوفها، وقامت فورا بدفع كافة رسوم الانتساب المطلوبة وفق لوائح ونظم الجمعية، لتصبح من يومها امراة تعاونية، تحقق مصالحها الخاصة في اطار المصالح الكلية لمجموع النساء..
نظرت ام مجدي الى المستقبل.. وادركت عظم المسئولية الواقعة على زوجها.. حيث يبلغ تعداد اسرتها احد عشر فردا، وبالكاد وبشق الانفس يستطيع زوجها تامين الماكل والملبس لهم، ولذلك--- ولانها تؤمن بان العلاقة الزوجية علاقة شراكة حقيقية--- قررت ام مجدي ان تشمر عن سواعدها، وان تحاول اخذ نصيبها من المسئولية، فالمستقبل يحمل لها هموم تعليم الاولاد والبنات، وادخالهم الجامعات، ومساعدتهم في الاستقرار والزواج، وامور اخرى كثيرة تتطلب تحسين مستوى الدخل للاسرة، وبحثت هذه السيدة المخلصة لبيتها واسرتها عن المصادر البديلة، فلم تجد الا البنوك لتاخذ منها قروضا، لكنها اكتشفت حجم الفوائد الباهظة المترتبة على القروض.. ومع توفر البديل الذي مثلته جمعية التوفير والتسليف-- بدات ام مجدي رحلة عطائها المثمرة، ومسيرة المشاركة في عملية تحسين مستوى دخل الاسرة، وتقدمت في العام 2003 بطلب قرض بمبلغ خمسمائة دينار-- بعد ان خططت لاستثماره في مشروع صغير للابقار-- وحصلت على القرض بيسر وسهولة كونها مستوفية لكل شروط القرض، وبدات تنفيذ مشروعها وادارته بشكل ممتاز، وحقق لها ذلك ارباحا جعلتها تسدد جميع الاقساط بدون تاخر، وفي العام 2005 تقدمت من الجمعية بطلب قرض ثان بمبلغ اكبر-- قيمته الف دينار-- استغلته في انشاء مشروع اغنام، ومرة ثانية احسنت ام مجدي ادارة المشروع، وعملت هي وافراد اسرتها جميعا على رعاية الاغنام، الامر الذي جعلهم يحققون ارباحا مجزية، سمحت لهم بتسديد اقساط القرض بانتظام ودون اي تاخير.. ومع احساس ام مجدي بقيمة النجاح وثمرة جهدها، تفتحت الافاق امامها، وشعرت انها ومن خلال عضويتها في جمعية التوفير والتسليف-- وكانها مستندة على جبل-- وزادت ثقتها بنفسها، وتجرات في العام 2006 بطلب قرض ثالث اكبر بقيمة الفان وخمسمائة دينار ، لاستثماره في مشروع زراعي اكبر، وهو عبارة عن بيت بلاستيكي، وفور حصولها على القرض شرعت بزراعة اصناف متعددة من الخضار داخل البيت البلاستيكي-- منها البندورة والخيار والفاصوليا الخضراء والكوسا وأشياء أخرى، وبدأت المزروعات تنتج بغزارة، بسبب الرعاية والخدمة الممتازة التي يقدمها كل افراد الاسرة، والدعم والارشاد الذي وفره مهندسو الاغاثة الزراعية، الامر الذي مكن عائلة ام مجدي من الاكتفاء الذاتي كليا من اصناف الخضار، كما ومكنها من الحصول على دخل اضافي جيد وملموس، ياتي من بيع اصناف الخضار للتجار المحليين واصحاب الدكاكين..
وتقول أم مجدي ( الحمد لله.. اسرتي اليوم تشعر بالاستقرار، وقد علّمت أربعة من أبنائي وبناتي في الجامعات، وزوجت اربعة منهم، كل ذلك بمساعدة واضحة من جمعية التوفير والتسليف، ونظام القروض الذي تعمل عليه ).. وبكل بساطة يمكن ملاحظة ان ام مجدي قد حققت نجاحا كبيرا، اثمر قدرا كبيرا من الاحترام لها على صعيد علاقتها بزوجها اولا، وعلى صعيد اهل بلدتها ثانيا.. وقد فتحت جمعية التوفير والتسليف امام ام مجدي ابوابا واسعة-- لم تكن لتفتح لها سابقا-- فقد حصلت هذه السيدة على تثقيف وتدريب، من خلال البرامج والانشطة التي تقدمها الجمعية والاغاثة الزراعية للنساء، وكان لعملية التثقيف والتوعية نتائج واضحة باتجاه تقوية شخصية ام مجدي، وازالة حواجز الخوف والتردد التي كانت تتملكها، الامر الذي جعلها تبدع اقتصاديا واجتماعيا، واكسبها جراة جعلتها تشارك بانشطة جماهيرية مختلفة، كالتظاهرات والمؤتمرات والمهرجانات.

الزبابدة – 4/1/2008



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة