مجتمع ذكوري ..في دول ديموقراطية ..!!

هادي فريد التكريتي

2008 / 1 / 29

دأب العراقيون ، والكثير من الجاليات العربية والشرقية ، المقيمة في مختلف الدول الأوربية ، على تأسيس نوادي وجمعيات فكرية وثقافية وفنية ، تمثل توجهاتهم المختلفة ، لتلم شمل جالياتهم، وتوثق أواصر العلاقة فيما بينهم ، وتمد جسورا للتواصل ، مع شعوبهم وأوطانهم التي هجروها ، رهبة من أمن مفقود ، أو هربا من حكم جائر ، أو بحثا عن لقمة عيش أفضل ، وقد وجدوا عند دول اللجوء ، من حكومات وأحزاب وجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني ، الكثير من الخدمات والمساعدات المادية والفنية لمنتسبي هذه النوادي ، لتساعدهم على التعايش والاندماج في بيئة المجتمعات الجديدة ، ذات النظم الاجتماعية ، والقيم الإنسانية ، المختلفة كليا عن دولهم التي هجروها ، فمفاهيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان ، بين هذه الجاليات ، بشكل عام تكاد تكون غير واضحة المعالم ، إن لم تكن مفقودة ، فدولهم تسودها أنظمة حكم شمولية ،متناقضة مع أبسط المفاهيم الديموقراطية ، وذات قيم اجتماعية بالية ، قومية ـ عنصرية ، ودينية ـ طائفية ، متخلفة جدا ،في كل مجالات الحياة ، و ما يخص المرأة في مجتمعاتنا العربية ، حرياتها وحقوقها ، فالحديث يطول ، عن قهرها ومعاناتها ، وغمط لحقوقها ، وهدر لحريتها وكرامتها ،فالدين والعشيرة والطائفة ، كلهم يناصبونها العداء ، ويجردونها من إنسانيتها وآدميتها ، ويعتبرونها شيئا من أشياء البيت ، وجزء من ممتلكات ومتاع الرجل ، لتلبية حاجاته الجنسية ، تحافظ على نسبه ، وحاضنة لنسله ،ومتى ما رأى فيها ما لا يسره ، ولم يجد عندها ما يحقق له رغبته ومبتغاه ، نبذها دونما حق في تعويض ، أو حتى " مكافأة خدمة " ، لفترة عمل قضتها في خدمته ..!!

المرأة الشرقية ، والمسلمة خصوصا ، مسلوبة من كل حق لها ، يقيها شر العوز والفاقة ، على العكس مما هو عليه وضع المرأة في مجتمعات البلدان الأوربية ، التي أولتها أنظمة الحكم الديموقراطية ، كل اهتمام ورعاية ، تجسدت بمفاهيم ديموقراطية العلاقة ، في البيت والأسرة ، حمتها قوانين وأنظمة صارمة ، ونظمتها علاقات اجتماعية متطورة ، وإنسانية متساوية ، ومتوازية مع ما للرجل ، من حقوق وواجبات ، اعترافا بدورها الهام في المجتمع ، وفي تطوير أساليب حياة وتقدم المجتمع ،فقوانين وأنظمة هذه المجتمعات الديموقراطية ، ألزمت جهات العمل ، مهما كانت ، على احترام حقوق المواطن ، دون تفرقة في الجنس والدين والمذهب ، فليس هناك ما يحول من تمتعها بحقوقها الكاملة لتتسنم أعلى المناصب وأخطرها في الدولة ومؤسساتها ،إذا امتلكت المؤهلات والشروط لهذا المنصب ، وليس عضوية وإدارة الجمعيات المهنية والديموقراطية فقط ..

ما دعاني للوقوف على ما تمتلكه المرأة من حقوق في المجتمع ، المتساوية مع الرجل ، في مجتمعات الدول الأوربية الديموقراطية ، هو ما عايشته يوم 26 ‏كانون الثاني‏‏ ‏08‏ 20 عندما حضرت اجتماع الهيئة العامة لـ" البيت الثقافي العراقي " في مدينة يوتوبوري ، فبعد أن تمت مناقشة وإقرار مجمل الوثائق التي قدمتها الهيئة الإدارية السابقة ، لأعضاء المؤتمر ، أُعلن عن بدء الترشيح لانتخاب هيئة إدارية جديدة ، بدلا عن هيئته الإدارية السابقة ، المطلوب وفق منطوق ما نص عليه النظام الداخلي ، سبعة أعضاء ، وكان المتقدمون للترشيح ثمانية ، سبعة منهم من الأعضاء الذكور ، ما عدا امرأة واحدة ، تم ترشيحها بضغط من النساء وبعض الأعضاء من الحضورالذكور ، بعد التصويت فاز كل " الذكور " ما عدا المرأة الوحيدة ، فشلت لأنها لم تكن " ذكرا " ..وباعتقادي لو كان الخاسر " ذكرا " لاتهمت الهيئة المشرفة على فرز الأصوات بالتزوير..فألف مبروك لعقلية الهيئة العامة التي ترسخت فيها مفاهيم الديموقراطية والتقدمية " للكشر "...!

في هذا الموقف ظهر جليا ما هو واقع المرأة العراقية في عقلية الرجال الذين يتصنعون مواقف التقدمية والديموقراطية ، والإيمان بها وبحريتها ودورها في مجتمع ، كل ما فيه هو مسموح به له ، وضوء أخضر أمامه ، و دونها خطوط حمر، وكل الدروب مقفلة ...!

ديموقراطيونا وهم يواكبون تطور المجتمع السويدي وموقفه من المرأة ، غير قادرين على تغيير العقلية الرجولية التي شابوا عليها ، فتأثير الدين وتقاليد المجتمع المتخلف غلفت عقولهم ، رغم كل ما قرأوه وتثقفوا به ، وتظاهروا به في حياتهم ، من أنهم أنصار للمرأة في إطلاق حريتها وحصولها على حقوقها الكاملة في المجتمع ، وما يعلنون عنه بأنهم تقدميون ، وديموقراطيون ـ للكشرـ ما هي إلا نكتة يتندرون بها في مجالسهم ، ويدارون بها دعواتهم الزائفة في مناصرتهم للمرأة ، و إطلاق حريتها ومساواتها بهم ، وفي قرارة أنفسهم يلعنون كل الظروف التي قذفت بهم وبنسائهم في مثل هذه المجتمعات التي أدخلت عاملا مهما في وعي المرأة ، وعرفتها كيف تعيش النساء في المجتمعات الديموقراطية .

رجالنا " الديموقراطيون " في مثل هذه الواقعة الإنتخابية ، يدعون أنهم يبحثون عن "ديموقراطية "مفقودة في أوطانهم ، ويطالبون بها لنشاطاتهم ، الفكرية والتنظيمية والسياسية ، إلا أنهم في واقع الحال ( أفندية معكلًه ) ـ بقاف عراقي ـ تآمروا ، باسم الديموقراطية ، على حجب فوز امرأة رُشحت مع سبعة زملاء لها ، لإدارة نادي ثقافي واجتماعي ، ساهمت فيه منذ تأسيسه وحتى اللحظة ، ولم يفسح لها ، هؤلاء الرجال الديموقراطيون ، باسم العملية الديموقراطية ، في المجال لتبوء مركز خدمة تطوعي، لمنتسبي النادي ، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمركز ذي أهمية وعالي المستوى ....؟

مسكينة هي المرأة العراقية ، إن كان هذا حالها مع الزوج والرفيق والصديق ، من الديموقراطيين والتقدميين ، في بلاد تعطي المرأة كل الحرية والحقوق ، فما حالها اليوم في عراق الطائفية وحكم المحاصصة ، هل هناك وضعها أرحم من وضع هذه المرأة في بلد مثل السويد ؟ مع الفارق في المجتمع والقوانين والقوى التي تحكم وتقرر ..عليً ، وعلى كل من يدعي الفهم للديموقراطية ويمارسها ، وعلى كل من يطالب نظريا بمساواته مع المرأة وإطلاق حريتها ، علينا جميعا أن نراجع أنفسنا ونختبرها هل فعلا نحن معها ، أم أننا لا زلنا نعيش في مجتمعاتنا " الذكورية " التي انفصلنا عنها رغم أنفونا ..!!
عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة