من له إذنان صاغيتان فليسمع، أين حقي؟

سندس جليل العباسي
sun712007@gmail.com

2008 / 2 / 18


ما كتب وما سيكتب عن المهجرين قسرا واعدادهم المتزايدة ومعاناتهم وعن الأرامل والأيتام الكثير من المقالات واقامة المؤتمرات لمعالجة هذه الظاهرة المفروضة على شريحة واسعة من أبناء هذا الوطن المبتلي بالإرهاب القاعدي والإرهاب المليشيوي ....وسمعنا الكثير عن آلامهم التي أدمت القلوب وسقيت باليأس والخوف من المجهول ..وترددت صدى شكواهم التي لا صدى لها، لا حياة لمن تنادي ...
لكن أرعبني وأحزنني مشاهدة الكثير من الفتيات في عمر الزهور على شاشات التلفاز والفضائيات, فتيات من المفروض في هذا العمر أن يحلمن بفارس الأحلام الذي سيأتي ممتطيا حصانه الأبيض ..فتيات من المفروض أن يكن على مقاعد الدراسة, يدرسن ويضحكن ويحلمن ...فهذه فاطمة ذات الوجه الشاحب تحلم بان تصبح معلمة ..وتلك عائشة ذات الوجه الطفولي تتمنى أن تصبح دكتورة ..وزهراء السمراء الجميلة تعشق الصحافة ...لكن الحال يقول غير ذلك ...لم أرى كل هذه الأماني في عيونهن بل رأيت حزن وتساؤل ...لماذا جئن لهذه الدنيا ؟ كي نؤد كما ؤدت العديد من الفتيات في الجاهلية وانهال على أجسادهن الغضة الثرى... اليوم فتياتنا يئدن لا بالثرى بل بخيام لاتقي من حر ولا تحمي من برد ... يئدن بمدارس لا يدرسن فيها كما يفترض بل لتؤويهن مع عوائلهن ...فتيات ؤدت أحلامهن باليأس والفقر والتهجير ..فتيات يصرخن بلا صوت ويرددن (وإذا المهجرة سئلت بأي ذنب هجرت) ..فتيات جل أمانيهن سقف يظلهن ولقمة عيش تشبعهن..
قد تحل هذه المعاناة يوم ما ليس بقريب، لكن، ونحن شعوب بنو(لكن)، بعد فوات الأوان، بعد أن تزرع في قلوبهن الغضة مئات الذكريات الأليمة والعقد النفسية المكبوتة تاركة بلا شك آثارها واضحة على أطفالهن.. وبالتالي سيولد جيل مهزوز متخم بالنكبات واللعنات لزمن القحط الذي رسمت خارطته بأوتاد الخيام والحبال والمياه القذرة ورائحة الأجساد العفنة وذل المحسنين....
وما الحل إذن، وقد أتعبتنا المناشدات و بحت أصواتنا من كثرة التوسلات، ومن، بحق الله، نناشد ؟؟؟ أنناشد دولة بلا مؤسسات، أم مؤسسات تفتقر الى دولة القانون، أم برلمان تتنازعه الأهواء والميول الشخصية، أم حكومة في حلبة مصارعة فيها الغالب والمغلوب، مع أن المغلوب الوحيد في هذه المنازلة التاريخية هم المهجرون قسرا، أم رجال دين جل همهم الغنائم وتسليح مليشياتهم ليحرسوا مكتسبات حكومة وزرائها في السماء ..همهم ملاحقة ومعاقبة من يلبس الجينز ومن يهتم بحريته الفردية دون تدخل الآخرين، ومن يقرأ الشعر ومن يستمع الى موسيقى هادئة ويصغي الى صوت فيروز صباحا، ومن لا يرغب بسماع النواح المتواصل حول شخصيات اخذت حقها من التاريخ، ..و كل ذلك في سبيل التقرب الى الله.. يلاحقون من لديه فكرة تناقض أو لاتتفق وأفكارهم ليطلقوا أحكامهم الجاهزة، فهذا كافر وذاك زنديق وتلك مفسدة، وأخرى بدعة.. يسعون الى جعل الجميع ضمن دائرة قطعانهم الغافلة، تنعق حيث ينعقون وتحزن حين يحزنون وتفرح حين يفرحون.. يعدونهم بمنقذ آت و منقذ لم يحن وقته بعد ..وان تكرم والتفت بعضهم للصبيات المهجرات قسرا أو المحتاجات أرغموهن، كرها أو طوعا، على زواج عرفي أو زواج متعة لسويعات معدودة أو أيام قربة إلى الله ..
من كل هذا الهم الذي يلف العائلات المهجرة عامة والفتيات المهجرات خاصة، سأختم مقالتي بمقطع لشاعر الشعب محمد صالح بحر العلوم في قصيدته (أين حقي؟) :

وفتاة لم تجد غير غبار الريح سترا
تخدم الحي ولا تملك من دنياه شبرا
وتود الموت كي تملك بعد الموت قبرا
وإذا الحفار فوق القبر يدعو:أين حقي؟



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة