الارامل في العراق : انتبهوا لهذه الشريحة من النساء العراقيات !!!

جلنار صالح

2008 / 2 / 21

من ضمن عشرات الحالات السلبية والخطيرة الناتجة عن سنوات الاحتلال والانفلات الأمني , هي ظهور شريحة واسعة من النساء الأرامل في المجتمع العراقي .. والمرأة الأرملة ليست هي بحد ذاتها الظاهرة السلبية ولكن العدد الهائل من الأرامل والذي قدر حسب إحصائية غير رسمية بأنه بلغ ثلاثة ملايين أرملة مع حالة الإهمال ونقص الخدمات وعدم إنشاء وتخصيص مؤسسات تابعة للدولة تهتم بهذه الشريحة , هو ما يشكل هذه الظاهرة السلبية
فالإهمال الذي تعانيه الأرملة من قبل الدولة باعتبارها إنسانة كاملة الحقوق تحتاج إلى كم اكبر من الرعاية لتحملها في معظم الحالات مسؤولية الأسرة والأبناء بعد مقتل الزوج والمعيل إضافة إلى النظرة الاجتماعية القاصرة والتي تتنصل في معظم الأحيان عن الأم الأرملة وأبناءها باعتبارها حمل ثقيل بغض النظر عن حاجة هذه المرأة ليس إلى الدعم المادي حسب إنما إلى دعم أنساني واجتماعي وثقافي يعينها على النهوض والاستمرار بمهمتها الشاقة والعظيمة .
فالأرملة في معظم الأحيان تقوم بدور الأم والأب دون أي مساعدة من قبل حتى المقربين منها مما يترك أثرا نفسيا سلبيا عليها وعلى أبناءها.. وبافتراض أن كل أرملة ألان في العراق تقوم برعاية طفلين كمعدل عام وهذا يعني أن هناك ستة ملايين طفل يتيم على الأقل هم بأمس الحاجة إلى الرعاية والاهتمام ويمكن أن يشكلوا بعد سنوات جيل من الخطرين أذا ما نشأوا في ظروف من الحرمان والعوز والاضطهاد الاجتماعي , وأول إشكال الاضطهاد الذي سيتعرف عليه هذا الطفل يتمثل بأمه التي يشعر بمعانها !
وعلى هذا الأساس يقوم "مركز تطوير وتدريب الأرامل"وهو منظمة مستقلة غير حكومية تضم ناشطات وخبيرات بحقوق الإنسان ونساء مهتمات بشريحة الأرامل وأبناءهن , بتنظيم ورشة لتطوير مفاهيم مبادئ وأسس حقوق الإنسان والتعريف بمعنى العنف والعنف الموجه ضد المرأة في العراق وأسبابه مع حلول مقترحة, مخصصة للنساء الأرامل وتحت شعار (من يؤمن بالإنسانية فليكن معها ) تلقيها السيدة المحامية ( تأميم العزاوي )وهي سيدة متمكنة ومؤمنة بقضايا المرأة ولها خبرة واسعة في مجال حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية .. الهدف من الورشة تعريف النساء المشاركات بالواقع القانوني للمرأة العراقية الذي يضمنه الدستور ومجموعة القوانين المنطلقة عنه والتعريف ببعض فقرات الدستور مثل المادة الحادية والأربعين والتي من الممكن أن تؤسس تمييزا دستوريا بين مكونات المجتمع العراقي وتكرس التمييز إمام القانون وهذا ما يتقاطع مع الدستور ذاته في مادته الرابعة عشرة كما سيؤدي إلى إيجاد أكثر من محكمة للفصل في اختصاص وظيفي واحد (الأحوال الشخصية ).. إضافة إلى التعريف بمخاطر تنفيذ الفقرة 41 من الدستور وما يتبعها من خسارة قانون الأحوال الشخصية رقم 188 وتعديلاته وما ضمنه للمرأة العراقية من امتيازات
الموضوع الآخر الذي تناولته الورشة هو العنف الموجه ضد المجتمع والمرأة والطفل وأسبابه إضافة إلى الحلول المقترحة للحد من العنف ومعالجة أثاره خصوصا على شريحة النساء والأطفال ودور كل من قوات الاحتلال والدولة والجماعات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب والأسرة العراقية قي الحد من ظاهرة العنف وإزالة أسبابه وأثاره وإنشاء ثقافة السلام والعمل بموجبها كون السلام الرافد الأساسي للتنمية البشرية في العالم
وبالاطلاع على أراء النساء الأرامل المشاركات في الورشة , كانت حالة التفاعل والحماس للمشاركة في هذا النوع من النشاطات واضحة جدا كما عبرت مجموعة كبيره منهن عن انطباعهن الايجابي ومدى الاستفادة من فقرات الورشة
الانطباع الأول الذي اشتركت فيه معظم المشاركات هو أن الورشة أشاعت في نفوسهن جوا من التفاؤل والأمل والثقة بالنفس وان هناك من يهتم بقضيتهن الإنسانية والاجتماعية.. أن المرأة العراقية مميزة بذكائها وقدراتها ورغبتها في تطوير ذاتها وان أي مطلع على هذا النوع من النشاطات يمكن أن يلمس بسهولة مقدار الوعي الموجود عن هذه المرأة العظيمة وسعيها لتطوير ذاتها
السيدة أم جابر وهي أرملة قتل زوجها اثر سقوط قذيفة هاون على بيتها أدت إلى استشهاد زوجها وجرح اثنين من أبناءها , قالت : هذه المرة الأولى التي اشترك فيها بنشاط من هذا النوع , بعد وفاة زوجي لم أقف مكتوفة اليدين انتظر معونة الأهل والأقرباء بل سعيت بكل جهدي وإمكاناتي المحدودة لتأمين عمل يضمن لي ولأولادي حياة كريمة فقمت بإنشاء محل صغير من بيتي ..لا أريد أن يشعر أبنائي بالحرمان ولهذا أحاول أن أطور نفسي لأعوضهم عن الأب الذي كان لهم الصديق والناصح..بانتمائي للورشة شعرت بأهمية دوري ومقدار قوتي, أسعى إلى تطوير نفسي لأني امتلك الرغبة وأتمنى أن يكون لي دور مثمر في حياة أولادي.. السيدة أم جابر هي أم لأربعة أولاد وهي غير متعلمة لكنها تمتلك وعي جميل وتتمنى أن تنخرط في دورة أو نشاط يساعدها على التعلم وتطوير المهارات.
أرملة أخرى عبرت عن رأيها في الورشة قائلة : عندما انخرطت في الورشة التقيت بعدد من الأرامل ولكل واحدة قصتها المحزنة والمؤثرة كما أن لكل أرملة قصتها مع الشجاعة والتحمل , مجتمعنا يحجم المرأة ويضع في طريقها العراقيل ومع ذلك يطلب منها أن تبقى قوية وتأخذ دور الأب لذا فالمرأة بحاجة أن يصل صوتها إلى المجتمع لان الظلم الذي يقع عليها أكبر من بقية أفراد المجتمع , قصص بعض الأرامل جعلتني اشعر أن مشكلتي ربما أهون كثيرا من مشاكل أكثر صعوبة تواجهها أخريات بشجاعة نادرة

وبسؤال مديرة مركز تدريب وتطوير الأرامل السيدة المحامية( سلوى العزاوي) عن أهداف المركز قالت : أن هدف المركز هو لفت انتباه الجهات المختصة والمهتمة إلى قضية الأرامل في العراق وإعطاءها حقها من العناية اللازمة كما نسعى إلى تطوير مهارات الأرامل بتنظيم ورشات تثقيفية ودورات تعلميه في مجالات مختلفة لتطوير قدرات المرأة بصورة عامة والأرملة بصورة خاصة لتحويلها إلى عنصر منتج وفعال وقادرة على الاعتماد وإعالة نفسها وأسرتها بشكل مشرف وزيادة وعيها وثقافتها لأنها المسؤولة عن تنشئة أجيال نطمح أن يكون السلام ونبذ العنف هي ثقافته الأساسية ,اعتقد أنكم لاحظتم جو التفاؤل والثقة والرغبة في المشاركة كان هو السائد إثناء محاضرات الورشة وهو مؤشر عملي لدرجة وعي المرأة العراقية ورغبتها في تطوير ذاتها وإدراكها لأهمية الثقافة..معظم الأرامل المشاركات تزوجن بأعمار صغيرة وفات الكثير منهن فرصة التعلم وهن ألان يدركن أهمية ما فاتهن ولذا نحاول بكل جهدنا تعويض ما فات
الجانب الأخر المهم هو زيادة الوعي القانوني للمرأة لمعرفة حقوقها القانونية التي ضمنها الدستور والقانون , وان للمرأة حقوقا قانونية ضمنها القانون كما ضمنها لكل أفراد المجتمع بدون تمييز وعليها أن لا تستسلم للممارسات الاجتماعية الظالمة والمجحفة بحقها كونها القوانين التي تتحكم بحياة ومصير المرأة
إضافة إلى دور المرأة المهم ألان في معرفة معنى العنف الموجه للمرأة وللطفل وللمجتمع بصورة عامه ودورها في الحد من هذا العنف ونشر ثقافة المساواة بين الجنسين

أن هذا النوع من التجمعات والنشاطات النسوية هو الجو الحقيقي لدراسة واقع المرأة العراقية وتشخيص السلبيات وإيجاد الحلول المثمرة والاهم دمج المرأة العنصر المهم في المجتمع لتقوم بدورها الكامل والمشرف
أن المرأة العراقية دوناً عن كل نساء العالم تصلح نموذجا للدراسة وتقييم بقية التجارب الأخرى قياسا لتجربتها التي جعلتها البديل الذي حمل على عاتقه بصبر وشجاعة وتفاؤل أعباء الأسرة لمدة أكثر من سبعة وعشرين عاما داخل وخارج البيت.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة