تعريف جديد ل -المرأة الزانية-!

جواد البشيتي
jawadlbsht996@gmail.com

2008 / 4 / 30


تعريف جديد لـ "المرأة الزانية"!

جواد البشيتي

لقد هالني ما سمعت، فمصادفةً ليس إلاَّ شاهدت إحدى محطاتنا الفضائية، فإذا برجل صغير السن، لا شارب له ولا لحية، يلبس بدلة، أي زيَّاً "غير "إسلامي"، يقف مُفْتياً في أمور ديننا ودنيانا أمام جمع صغير من الجنسين، وأمام جمع أكبر من المشاهدين، فيقول في فتواه، وكأنه سادن الحقيقة المطلقة، ويملك أفقاً يتسع لكل شيء ولا يسعه شيء، إنَّ المرأة التي تخرج من منزلها متعطِّرة هي "زانية"!

لا ألومه هو، ولا تلك المحطة الفضائية، بل ألوم الحكومة التي على ميلها المتزايد إلى التضييق على المجتمع عيشه الديمقراطي والاقتصادي تُوْسِع حرية الإفتاء على أناسٍ ينبغي لهم أن يفكِّروا ملياً قبل أن يجيبوا عن سؤال من قبيل "هل الساعة الآن العاشرة صباحاً أم العاشرة مساءً؟".

وددت لو كنت أملك إحصاءً عن عدد النساء في مجتمعنا اللواتي يخرجن من منازلهن متعطرات حتى أعرف عدد اللواتي اتهمهن بـ "الزنا"؛ وهي تهمة يجب أن يعاقَب عليها ليس "المتَّهَم"، وإنما "المتَّهِم"، لو كان لدينا أقل حرص على حقوق النساء في مجتمعنا.

إنَّ كثيراً ممن يمنحون أنفسهم حق الإفتاء في أمور تبدو صغيرة؛ ولكنها كبيرة في معانيها، لا يملكون شيئاً من سلطان المعرفة بوجهيها الديني والدنيوي، فهم متخلِّفون قراءةً، ومتخلِّفون في فهم ما يقرأون، تَعْظُم في عيونهم وعقولهم الصغائر من أمورنا، وتَصْغُر فيها العظائم منها.

من استمع إليه يظن أن لا عدو لنا إلاَّ المرأة بحقوقها التي ما زالت حرفا ميتا، ولا قضية تتحدَّانا أن نواجهها، وأن نستنفد جهدنا ووقتنا في مواجهتها، سوى قضية "ترويض"، والإمعان في "ترويض"، المرأة، وكأنَّها تملك من أسباب القوة الاجتماعية ما يتهدَّد مملكة الرجال!

ويكفي أن نعرف السبب حتى يبطل العجب، فهذا المسخ الذكوري للمرأة وحقوقها ومكانتها وللإنسان فيها إنَّما هو، في بعض من معناه وحقيقته، العاقبة الحتمية لكل مجتمع يفوق فيه عدد الذكور عدد الرجال، إذا ما فهمنا الرجولة حق الفهم.

والمأساة إنما هي في المقام مأساة الرجال أنفسهم، فهم مسخوا معنى الرجولة قبل أن يشرعوا يمسخوا "نصفهم الآخر الأقل أهمية"، فالرجولة التي يمارسون إنما هي الرجولة التي يكفي أن يمارسها الرجل حيث يمارسها الآن حتى يُمْسَخ معناه مسخا تَعْجَز حتى ساحرات الإغريق عن الإتيان بمثله. واحسب أنَّ أهم شيء يمكننا وينبغي لنا تذكير معشر الرجال به وهم يمضون قُدُما في حربهم الذكورية ضد المرأة أنَّ الرجولة تفقد جُلَّ معناها الحقيقي إذا ما ارتفع فيها منسوب "الأنوثة السياسية"، فمعشر الرجال عندنا يتشدَّدون في محاربة الحق الإنساني للمرأة مع كل خسارة يتكبدونها في حقهم السياسي.

وهل يحتاج النهار إلى دليل حتى نتوفَّر على إقامة الدليل على أنَّ مجتمعاً فيه ما يكفي من "الرجال الأحرار"، ومن "الرجولة السياسية"، لا يمكنه أبداً أن يضطهد المرأة فيه، فاضطهاد الرجل للمرأة عندنا إنما هو أرذل اضطهاد؛ لأنه اضطهاد عبدٍ لعبد!

هل سمعتم عن "القُصَّر" و"القصور" في مجتمعنا النسائي؟! وعن مبدأ قوامة، أو وصاية، الرجل على المرأة، والذي بموجبه ينبغي للمرأة أن تحصل على إذْنٍ من ذَكَر في عائلتها (من أبيها، أو شقيقها، أو ابنها) للعمل، أو الدراسة، أو السفر، أو الزواج، أو الذهاب إلى طبيب، بدعوى أنَّها مهما كبرت عُمْراً تظل قاصراً؟!

ولست بمجانبٍ للحقيقة، ولا بمغالٍ، إذا ما قلت إننا مهزومون في معاركنا القومية والديمقراطية والحضارية؛ لأننا ننتقل من نصر إلى نصر في حربنا الذكورية الدائمة على نسائنا، فإنَّ مجتمعاً يضطهد المرأة فيه لا يمكنه أبداً أن يكون حرَّاً، أو أن يكون جديراً بامتلاك أسباب حريته. وإنَّ مجتمعاً يعادي حقيقة أنَّ المرأة لا تُوْلَد امرأة وإنما تصبح كذلك لا يمكنه أبداً أن يكون مُقْنِعاً إذا ما زعم أنَّ أبناء الحقيقة فيه أكثر من أبناء الوهم.

ذات مرَّة سألتُ امرأةً "مُسْتَرْجِلةً" عن سبب "استرجالها"، الذي هو صفة لا أحبها في النساء، فأجابتني على البديهة قائلة: "قلة الرجولة في الرجال هي ما حَمَلَتني على الاسترجال"!

وإنَّه لقول حزن وأسى أن أقول إنَّ تاريخاً طويلاً من اضطهاد النساء في مجتمعنا قد تمخَّض عن رجال من ورق، وعن نساء من ورق، فرجالنا ما عادوا بالرجال، ونساؤنا ما عُدْن بالنساء، فهنا نرى "الترجُّل"، وهناك نرى "التأنُّث"، فمتى نراهما وقد تماثلا في كل شيء إلاَّ في ما قرَّرت الطبيعة أن يختلفا، وأن يظلا مختلفين، فيه؟!



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة