انتحار البنات فى المجتمع الكردستانى بين التقاليد الاجتماعية والتاثيرات النفسية

عبدالله مشختى
mishexti1@yahoo.com

2008 / 5 / 14

ان ظاهرة انتحار النساء والبنات بالاخص فى المجتمع الكردستانى تعتبر ظاهرة حديثة العهد ، فالمجتمع الكردستانى لم يعرف هذه الظاهرة قديما وانما ظهرت هذه الظاهرة منذ ما يقارب ال20 او ال30 عاما الاخيرة وكان نادرا ما يحصل حالة من هذه الحالات بشكل لم يكن يسمع بها احد لندرة حدوثها وكانت لو حدثت لاحدثت صدى واسعا فى اوساط المجتمع . علما بان المجتمع الكردستانى قبل هذه الاعوام التى اشرت اليها كان يعيش فى تخلف اجنماعى وثقافى كبير وكانت العادات والتقاليد العشائرية هى التى كانت سائدة وتتحكم بالاغلبلية من شعبنا ، وكان المجتمع يعيش عيشة بسيطة وخالية من التعقيد وكانت للمرأة احترامها المعروف داخل العائلة الكردية ، اما البنات فلم تكن لهن حرية اختيار شريك حياتها بل كان الامر يصل لدى سكان بعض المناطق الى حد تزويج الطفلة الرضيعة اى كانت محجوزة او يبادلها ذووها ببنت اخرى لشقيقها او والدها وكانت فى كل الاحوال لم تكن تخرج من العصبة او القرية او العشيرة .
ولو القينا نظرة الان على مجتمعنا نرى بان التقدم الثقافى والوعى الاجتماعى قد اخذ حيزا كبيرا فيها ، وانتشار العلم ووسائل الاتصال السريعة قد حول المجتمع من متخلف الى درجات من الرقى وتفهم الثقافى الاجتماعية ، وامست العملية عكسية حيث اصبحت المبادئ والقيم العشائرية اكثر قوة وشدة من ذى قبل وهذا بطبيعة الحال يختلف من جهة لاخرى ورغم حدوث اختلاط عام بين جميع الاطياف والعشائر بسبب الثورات الكردية وهجرة اهالى القرى الى المدن هربا من عمليات القصف والعمليات العسكرية واجراءات النظام السابق بتهجير الاف القرى الى المدن وداخل مجمعات قسرية انشئت خصيصا لتنفيذ سياساتها ولم يعودوا كما كانوا منعزلين داخل قرى صغيرة واصبحوا مختلطين مع بعضهم البعض . اضافة الى اليوم قد حدثت قفزة فى المجتمع بالنسبة لنسبة الفتياة الكرديات المتعلمات وانتشرت الثقافة بينهن بشكل كبير واخذن حيزا كبيرا فى المجتمع واصبحت الاغلبية منهن متحررات فى التحرك داخل المجتمع وهناك نسبة كبيرة جدا منهن اصبحت لهن الحرية لاختيار شريك حياتهن . وهنا يطرح السؤال الاتى نفسه : لماذا شاعت ظاهرة الانتحار الان بين الشباب واكبر بين الشابات فى ظل هذا التقدم الحاصل فى المجتمع وشيوع مفاهيم الحرية اكثر وزيادة الاختلاط بين الجنسين سواء كان فى المؤسسات التعليمية او الادارية وحتى فى الجيش والبوليس حيث هناك العديد من الفتياة الكرديات اللاتى تخرجن من كليات الشرطة ، فى ظل هذا التقدم الحاصل . ان القيم والتقاليد القديمة لازالت متجذرة فى مجتمعنا من حيث نظرة المجتمع الذكورى الذى ينظر الى النصف الاخر بانه يتوجب عليه ان يكون المقرر والحاسم الاول والاخير لمصير ابنته وعليه الواجب ان يختار نمط الحياة او العيش او نوع شريك الحياة لابنته او شقيقته من حيث عدم تزويجها بشخص غير مرتبط بالدم معه وخاصة فى الاونة الاخيرة حيث اثبتت السلطات والمحاكم حق المراة فى الارث وحصل تقدم حسن فى هذا المضمار حيث لم يكن سائدا قبلا مما ولدت عزوف عند البعض لتزويج ابنته او شقيقته لاحد الغرباء الذى سيكون مستقبلا له حصة من الارث العائلى . كذلك العقلية المتحجرة لدى البعض فى رفضهم لعلاقة الحب التى تحدث بين الفتاة واحد الشباب واتفاقهم على اختار نمط حياتهم المستقبلى الذين يعتبرون هذا التصرف شائنا عنما تتفق فتاة مع شاب بدون علم العائلة وكذلك انحرافا عن اصول العائلة وهى فى هذه الحالة تنتقص من شرف العائلة لان هذه العلاقة لم يتم عن طريق العائلة فيصبحون عائقا امام الفتاة فى تحقيق امنيتها بالاقتران بمن تحب .
وقد تم السؤال من مجموعة من الشباب الناضجين عقليا هل ترغبون باقامة علاقة مع فتاة من بلدتكم او قريتكم او محلتكم؟ فكان الجواب نعم للاكثرية . وعندما سئلت نفس المجموعة وهل تقبلون لاخواتكم او احدى قريباتكم باقامة علاقة من هذا النوع مع شاب اخر ؟ كان الجواب بالنفى القاطع من الجميع . هذا هو المجتمع الذكورى الذى نعايشه اليوم ، يعنى يحلون لانفسهم كل شئ ويحرمونها للفتاة .
الفتاة الكردية اليوم تعلمت وحصلت على شوط كبير من العلم والثقافة وامست تفهم حقوقها كونها انسانة فى عائلة ومجتمع وترى كيف يمكن للشاب ان يختار شريكة حياته ولكنها محرومة من هذا الحق وهى لن تتمكن ان تستعمل هذا الحق رغم ان القانون والمنظمات المدنية تدعمها فى حقوقها لانها ترى بانها لو تجاسرت وتمسكت بحقوقها ستؤدى الحالة الة جر العائلتين الى مشاكل قد تصل حد الاقتتال واراقة الدماء وبالتالى سيتم الانتقام منها من قبل ذويها مهما طالت الفترة . لذلك فهى تبقى اسيرة العوامل النفسية التى تؤثر فيها وتقفل كل الابواب والمنافذ امامها ولن تدع مجالا لها ترى فيها وميض امل وتتشائم من الحياة وهى تفضل ان تفدى بروحها بدلا من زج عائلتها واقربائها فى صراع دموى عائلى مع الطرف الاخر . والفتاة الضعيفة الشخصية والتى لاتملك العزيمة والارادة القوية هى التى تصبح ضحية نظرة المجتمع اليها والتى تقدم على الانتحار باحراق نفسها عكس الفتاة القوية الارادة والتى تتحدى الظروف والواقع وتظل تنتظر الى المستقبل بامل ريثما يضطر المجتمع على الخضوع لرغباتهخا وتحقق اهدافها وكم من حالات مثل هذه تحققت للفتاة ما ارادت بعد اصرار ومقاومة لكل المفاهيم واجتيازها لكل العقبات كونها كانت قوية الشخصية ولم تدع التشاؤم تنخر فى نفسيتها وقاومت الظروف النفسية التى المت بها ونجحت .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة