تركيا لماذا هذا الضجيج ؟؟ الحجاب مسالة سياسية وليست دينية

ابراهيم علاء الدين
Alaeddinibrahim@yahoo.com

2008 / 6 / 8

الغت المحكمة الدستورية التركية قانونا يسمح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعة على اساس انه مخالف للمبادئ العلمانية للجمهورية التركية على ما جاء في بيان صادر عن المحكمة. وعارض قضاة المحكمة ال11 القانون لانه يتعارض واحكام الدستور الذي ينص على ان تركيا جمهورية علمانية وان هذا المبدأ غير قابل للتعديل على ما اوضح البيان المقتضب.

وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والمنبثق عن التيار الاسلامي دفع باتجاه التعديل الذي سمح بارتداء الحجاب في الجامعات.
والبعض يعتقد ان هناك صراعا دينيا في تركيا بين مسلمين وغير مسلمين، علما بان 99 بالمائة من الشعب التركي مسلما غالبيتهم من السنة الحنفية ، وبالتالي فان تركيا لا تشهد صراعا دينيا يدفع المسلمين الى الدفاع عن دينهم ورسالة نبيهم؟؟
ولا احد على الاطلاق يقول ان تركيا تشهد حربا دينية بين المسلمين وغيرهم من اتباع ديانة اخرى.
اذن ما هي طبيعة الصراع الجارية في تركيا وما هي اهدافه؟؟
الدستور التركي يقول ان تركيا جمهورية علمانية ، اي ان الدستور العلماني يفصل بين الدين والدولة، كما هي الحال في جميع انحاء العالم تقريبا مع بعض الاستثناءات مثل ايران مثلا وجمهورية طالبان المقبورة.

حتى ان حزب العدالة نفسه يقر بمبدا فصل الدين عن الدولة ، ولذلك فهو لم يقم باجراء اي تعديلات على اي قانون يمس علمانية الدولة منذ مجيئه الى السلطة، ولم يسن اي قوانين جديدة على اساس اسلامي في اي من الميادين السياسية او الاقتصادية او الثقافية او الاجتماعية, وموضوع الحجاب اول موضوع له صلة بمسالة دينية وقد فشل فيها، ولم يظهر الحزب الذي يدعي الاسلام أي تغييرا في توجهاته وعلاقته الخارجية من وجهة نظر دينية، بل بالعكس عزز علاقات تركيا بالولايات المتحدة الامريكية، (التي تذبح المسلمين في العراق وافغانستان حسب وجهة نظر الاسلامويين المتعصبين) كما عزز علاقات تركيا مع اسرائيل التي تذبح الفلسطينيين المسلمين واقام معها معاهدات عسكرية واقتصادية وثقافية.

لذلك فان ما يجري في تركيا لا يخرج عن كونه صراعا سياسيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وما استخدام الحجاب الا وسيلة من وسائل حشد التأييد الجماهيري والصعود على ظهرها الى سدة الحكم.
ومن المعروف ان التيارات الدينية ترى ان عودة الحجاب يشكل ملمحاً أساسياً من ملامح الصحوة الإسلامية ، وأصبح الحجاب يشكل رمزاً من رموز الصحوة وشعاراً من شعاراتها.
فحزب العدالة التركي يستخدم الحجاب باعتباره يمثل رمزا دينيا في الثقافة الاسلامية لتحقيق مكاسب سياسية، واقتصادية ، فهذا الحزب يمثل في الواقع اتراك الاناضول الذين اتاحت لهم العلمانية الفرصة للتعلم والارتقاء في السلم الاجتماعي فجاؤوا الى اسطنبول ليقاسموا البرجوازية التركية التقليدية المنافع والمكاسب الاقتصادية، وتمكنوا من خلال استخدام الدين من الوصول الى السلطة، وهم حريصين اشد الحرص على الاستمرار يجلسون في قمتها.

لمحة تاريخية
وقد الصراع بين القوى السياسية التركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, فبعد تأسيس الجمهورية عام 1923 في مارس 1924 قرر البرلمان التركي إلغاء الخلافة الاسلامية، وإلغاء وزارة الأوقاف والشئون الدينية وتحويلها إلى مديريات عامة، وإقرار قانون توحيد التدريس. وفي فبراير 1926 أقر البرلمان القانون المدني والذي كان خطوة مفصلية في استبدال القوانين الالهية (الاسلامية) الى قوانين علمانية وضعية اي فصل الدين عن الدولة.
وكان دستور 1921 نص في مادته الثانية على أن "دين الدولة التركية هو الدين الإسلامي"، واستمر ذلك في دستور 1924. وكان في ذلك تناقضا بين اعتماد القانون المدني وكون دين الدولة هو الإسلام. لذلك أقرّ البرلمان بالاجماع في ابريل 1928 تعديل عدة مواد في الدستور، حيث الغيت من مادته الثانية عبارة " الاسلام دين الدولة " كما حذفت من المادة 16 كلمة "الله" من القسم واستبدالها "بشرفي" كما حذفت من المادة 26 عبارة "تطبيق الشؤون الدينية" اي تنفيذ الاحكام الشرعية". من مهام البرلمان.
ووتابعت عملية الانتقال بتركيا من دولة دينية الى دولة علمانية فجاء قانون توحيد التدريس وألغيت كل المدارس الدينية، الإسلامية والمسيحية. ثم تغيير الحروف العربية وتغيير الاعداد في نوفمبر 1928 ، كما الغيت جميع الالقاب التي كانت سائدة في العهد العثماني. واقر البرلمان حق المراة بالترشح والانتخاب للبرلمان وفي عام 1935 نجح في الانتخابات البرلمانية 18 امرأة .
غير أن التحول التاريخي كان في 3 فبراير 1937 عندما أقرّ البرلمان القانون رقم 3/15، بحيث تم اعتماد العلمانية في الدستور وتم تغيير المادة الثانية لتصبح "دولة تركيا: جمهورية، قومية، شعبية، دولتية، علمانية وثورية. لغتها الرسمية التركية، عاصمتها مدينة أنقرة". وبقيت المادة الثالثة على حالها: "السيادة بلا قيد وشرط للأمة". واستمرت الدساتير التركية اللاحقة (1961 و1982) تؤكد على علمانية الدولة في المادة الثانية منها.
وبالرغم من هذه التحولات والتعديلات في الدستور الا ان الدين ظل عاملا سياسيا اصيلا في الحياة السياسية التركية استخدمه العلمانيين بكفاءة لتحقيق اهدافهم.
ومن الجدير ذكره ان عصمت أينونو، خليفة أتاتورك لم يتردد عن استخدام الدينٍ للبقاء في السلطة. فحمل ملصق حملته الانتخابية عام 1946 صورة لامرأتين واحدة سافرة الرأس وأخرى محجبة. وفي مؤتمر حزبه عام 1947 وصف الدين بأنه "غذاء روحي للمجتمع"، وأوعز في يناير عام 1949 بفتح دورات لإعداد أئمة وخطباء.
وفي عام 1973 تآلف بولند اجاويد العلماني المتطرف مع نجم الدين اربكان زعيم حزب السلامة الوطني (الاسلامي) الذي حصل على نسبة مؤثرة من اصوات الناخبين في انتخابات ذاك العام. وحذا سليمان ديميريل حذو أجاويد وتحالف مع حزب أربكان الإسلامي ليصل إلى السلطة مرتين عام 1975 وعام 1977.
جتى العسكر "حراس العلمانية" لم يتوانوا عن استغلال الدين لمصلحهتهم، فمنذ عام 1960 بدا هناك تغير في الاتجاه العام الذي اتسم بالعداء الصارخ لتدخل المؤسسات الدينية في القضايا السياسية ، وقاد هذا التغير رجال العسكر , فبالرغم من قيامهم بتنفيذ انقلابين الاول عام 1960 والثاني عام 1971 تحت دعوى حماية العلمانية الا انهم مارسوا بشكل واضح استغلال الدين لتحقيق اهدافهم.
وهكذا فعل العسكر في انقلاب 1980 تحت شعارات محاربة اليسار بقيادة كنعان إيفرين الذي وضع قانون بالزام التعليم الديني في المدارس ، وكان يستخدم الايات القرانية في خطاباته، كما تضمنت الخطة الخمسية للتنمية التي أقرها النظام العسكري عام 1983 أن "دورًا كبيرًا يقع على المؤسسة الدينية من أجل حماية الدولة وعدم شرذمة الوحدة الوطنية" و"إن الدين ليس مذهبًا ينظم العبادات، بل إنه ضرورة اجتماعية".
وتعمقت عودة الدين الى الدولة التركية في فترة حكم طورغوت أوزال (1983 - 1993) الذي كان متدينًا ولعب دورا أساسيًّا في إطلاق الحراك الإسلامي اجتماعيًّا واقتصاديًّا. وكان اول رئيس حكومة تركي يؤدي مناسك الحج ويشارك بانتظام في صلاة الجمعة ، ومنع تدريس نظرية داروين في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. وأمر الفتيات بارتداء ثياب أكثر حشمة في استعراضات عيد الشباب والرياضة، ومنع الإعلان عن مشروب "العرق" في التلفزيون.
مما تقدم نرى ان تركيا تشهد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية صراعا سياسيا ضاريا بين قوى تمثل تيارات فكرية احدها علماني ولكنه على تماس مع الفكر الديني والاخر دينيا ولكنه على تماس مع الافكار العلمانية.
وهنا يدخل الحجاب كواحد من الرموز التي تشير الى البعد الفكري الديني كواحد من الوسائل المستخدمه لتحقيق مكاسب سياسية، خصوصا وانه رغم تعديل الدستور والقوانين المنظمة للمجتمع التركي الا ان الفكر الصوفي الذي ساد في الدولة العثمانية لاكثر من 500 عام لا تلغيه من جذوره تعديلات الدستور وتغيير القوانين, واذا حدثت تغييرات جوهرية في نظام الحكم واسسه , فان التغير على المستوى الشعبي ظل محدودا.
وواصلت التيارات الدينية نشاطها السياسي معتمدة على التراث الديني الذي لم يضمحل نهائيا حتى عند عتاة العلمانيين وبدات تكسب مواقع سياسية جديدة في ساحات النضال السياسي ، باساليب لا تختلف كثيرا عن اساليب العلمانيين في تسخير الدين لخدمتهم.علمانيين وتحويلها الى اداة لخدمتهم , وحققوا نجاحات ممتازة تكللت بفوز كبير لحزب الرفاه الاجتماعي ومن ثم لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الاخيرة واستلم الاسلاميين السلطة لاول مرة منذ سقوط الخلافة العثمانية بهزيمة تركيا بالحرب العالمية الثانية.
وبالطبع لم ينزوي العلمانيين ويخضعوا للهزيمة ويرفعوا رايات الاستسلام , وواصلوا كفاحهم بالتصدي لتوجهات الاسلاميين الرامية الى انتزاع المزيد من المكاسب.
واستغل حزب العدالة قضية الحجاب باعتبارها تمس معظم المسلمين وايضا كونها قضية صغيرة وهامشية نسبيا بالمقارنة مع القضايا الكبرى كالاقتصاد ، ومناهج التعليم او تطبيق الشريعة واعادة بعض النصوص التي تؤكد على اسلامية الدولة الى الدستور.
وتصدى العلمانيين لمحاولة عودة الحجاب الى الجامعات لادراكهم بانها لو نجحت تكتيكات حزب التنمية فستكون خطوة نحو المزيد من المكاسب لصالح التيارات المناهضة للعلمانية.
وجاء قرار المحكمة العليا ليحبط امال حزب العدالة وقد يعصف بالحزب كله ويؤدي الى حله وحرمان قادته من الممارسة السياسية وبذلك ستكون لحقت بالتيارات الاسلامية التركية هزيمة قاسية ستعيدهم للخلف سنوات عديدة الى الوراء .
وهكذا وكما كان الدين دوما اداة في خدمة النخبة الحاكمة لتحقيق مجموعة من المصالح السياسية والاقتصادية، فان استخدامه في تركيا لا يشذ عن هذه القاعدة, فالحجاب بحد ذاته لا يحتاج الى كل هذه الضجة، خصوصا وان ما هو مستخدم في تركيا اصلا ليس له علاقة بالحجاب حسب المواصفات والشروط الاسلامية المتزمته وهي : ان يكون الحجاب ساترا لجميع البدن (اي يغطي المراة من راسها الى اخمص قدميها)، وغير محدد لمعالمه، وفضفاضا سابغا، ولا يكون ثوب زينة او شهرة، ولا يكون ضيقا ولا يشف ولا يبين ما تحته، ولا يكون معطرا.



اما معظم الشابات التركيات فانهن يغطين شعورهن بغطاء راس انيق وذو الوان متعددة فيما يلبسن الجينز والملابس العصرية (بنطلونات او تنانير) فيزيدهم فتنة وجمالا، و لبس الحجاب في تركيا في الغالب دافعه مستمد من الاعراف الاجتماعية وقليلون جدا من النسوة من يلبسنه تدينا حسب الشريعة كما يراها فقهاء التزمت والشعوذه.بينما للحجاب في تركيا أشكال متعددة ومسـتـويات مختلفة؛ ففي الريف والأحياء الشعبية تغطي أغلب النساء شعورهن ولكن من قبيل الـعــادة والـتـقـلـيـد، ومن أكثر أنواع الحجاب انتشاراً حجاب يتكون من غطاء للرأس والرقبة، ومعطف (بالطو) طويل، ويُرتدى من تحته سروال، وقد يُرتدى معه قفازات للكفين، وتتخير المرأة ما تشاء من الألوان، وهذا الزي هو أكثر ما يميز ذوات التوجه الإسلامي. ويـوجـد النقاب أيضاً في بعض الأمــاكـــن، إلا أن التركيات يُظهرِن من خلف النقاب العينين وجزءاً من الوجه إلى أسفل الأنف !




https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة