الذّكوريّة المُتسلِّطة

زهير دعيم
zoherdaeem@hotmail.com

2008 / 9 / 4

إلى متى ستبقى الذكورية ترفع رأسها في شرقنا، وإلى متى سنبقى نتغنى بالرجولة والفحولة ، وندوس بحذاء الطنبوري الحقوق، والعدالة والمساواة والأنوثة؟!
أترانا ما زلنا في الجاهلية ، في وقت ظننا أننا عبرناه منذ قرون؟!
أترانا ما زلنا نتمسك بأوابد العادات ومقيتها ونحن في الواقع نحياها ونتنفسها ونعيشها، إلى متى ستبقى عقليتنا الشرقية ترفض أن تهضم مصطلح المساواة..وتعتبره مجحفًا في حقها .
فالأنثى، هذه الأخت والزوجة والحبيبة والابنة هي زهرة تسير على قدمين، ويملأ أريجها الماضي والحاضر والمستقبل، ويفيض حنانها تحنانًا ، وإحساسها شعورا، فتلوّن الدنيا والفضاء والآتي بقوس قزح بعد عاصفة غاضبة..
عجبي، وألف عجبي من هذا الشرق الذي يدّعي الحضارة والتاريخ ويرفض ان ينحني للحقّ، ويعتبر زلّة الأنثى جريمة وزلّة الرجل في ذات الفعل بطولة ودون جوانية وفحولة تخترق الجدران!!!
سألت نفسي عدة مرات أترى ذاك الذي يتخذ المساواة منّا نهجًا ، فيساعد زوجته ، ويعينها ، خاصة إن كانت هذه أمرآة عاملة ، ويستشيرها ويأخذ برأيها ويشاركها المسؤوليات والهموم ، ويشاطرها متاعبه وأفراحه ونجاحاته ..أيكون في قاموس الذكوريين مخنّثًا ، "ومدعوس على رأسه" في حين ان العالم المتحضر يعتبره رجلا وأيّ رجل... رجل ملء ثيابه ، يقدس الحياة والعدالة ويعرف الإله الذي خلقهما ذكرا وأنثى، خلقها من ضلعه ، وقريبا من فؤاده ومخزن أحاسيسه .
إن ما دعاني الى هذه المقدمة الطويلة هو حادثتان ، الأولى : واحد من أهلنا الفلسطينيين حفر قبرا قبل أيام معدودة ودفن ابنته المُطلَّقة وهي حيّة تُرزق ، حتى لاقت وجه ربّها ، لا لذنب عظيم !! بل لانها تريد أن تتزوج من جديد .
اما الثانية فها هي إحدى الخليجيات المثقفات تحكي لي بلغتها عن الظلم الذي لحق بإحدى الصبايا ، لأنها مارست حقّها في الحب فاصطدمت بخساسة وشراسة الرجولة والأهل الذين لا يعرفون للرحمة سبيلا..اقرؤوا الرسالة التي جاءت من الأخت الخليجية الباكية ، والتي تكبر في عينيّ يومًا بعد يوم : " اخي زهير دعيم ..... تحيه لك
الخبر مبكي و في الحقيقه لم استغربه لكونه منتشر بكثرة لدينا هنا ونسمع عنه .... و اقص عليك قصة هذه الفتاة... ... المهم تعرفت على شاب واحبته وارسلت له صورها و من ثم طلع هذا الشاب ( خسيس ) يهددها بالصور ليلبي رغباته وشهواته ... فرفضت وفضلت ان تنتشر الصور على ان يمس شرفها ويدنسها ... وبعد شهرين انتشرت صورها بالانترنت وبين الشباب في البلوتوث ( الصوره عاديه جدا جدا ) المهم وقعت الصور بالصدفه بيد اخو هذه الفتاة ... وبلغ والده .. فقام الوالد بضربها حتّى فارقت الحياة بسبب ( صور ) والغريب ان القاتل يسرح ويمرح ويسافر ويضاجع العاهرات في " الفلبيين " ولبنان وفي كل مكان وماضيه اسود . هذه نتيجة الثقافه الذكوريه المتسلطه ..... والله اني ابكي عندما قرأت هذا الخبر مرتين . شعرت بمراره وعروقي انتفضت .. كيف لأب يقتل ابنته بهذا الشكل اين الرحمه ؟؟ اين الشفقه ؟؟؟
كيف اقتل انسان بهذا الشكل فما بالك ان كان هذه الانسان ابني ؟؟؟؟؟؟؟؟ انه امر محزن يجعلني اتساءل اين الله وهو يرى هذه المسكينه تُدفن حيّه ؟ لا حول لها و لا قوة ؟؟ اتساءل دائما الا يوجد اعادة تأهيل ونصيحه وووو الخ بدل القتل بهذا الشكل ؟؟
لكن العرب عرب وان نغير الزمن وتطور فالعرب قديما ً يقتلون بناتهم واليوم يقتلونهن !!! ومئات الحالات سنويا ً".
ويبقى ان نتذكر الزانية التي امسكت بذات الفعل ، وجاء بها اليهود الى السيّد المسيح له المجد ، وطلبوا حكمه ، وشريعة موسى تطلب وتطالب بالرّجم حتّى الموت ، فما كان من السّيّد الا أن أخذ يكتب على التراب وقال لهم : " من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر" .
وجّمّد اليهود ، جمد الكبار والصّغار جميعهم ، وانسحبوا واحدًا واحدًا بدءًا من الشيوخ الى الصغار ، فرفع السيد رأسه ليجد الزانية وحدها فسألها : ألمْ يدينك أحد ؟ فقالت : لا ..فقال لها : " ولا أنا ادينكِ اذهبي ولا تخطئي ايضًا " .
قد تخطيء اختنا ، ابنتنا ، ولكن القتل ليس السبيل الى الطّهارة والقداسة وغسل الخطيّة ، بل مرْهَم المحبّة والمسامحة والإرشاد والتوبة المجبولة بالكرامة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة