المرأة ضحية نظام الإستهلاك والموضة , ومصادرة حرية الإختيار !؟

مريم نجمه

2008 / 10 / 7

المرأة ضحية نظام الإستهلاك " الموضة " , ومصادرة حرية الإختيار !؟
في بداية هذا العام 2008 , فتحت على أكثر من 20 – 30 محطة تلفزيونية كالعادة على الأقنية الفضائية الأجنبية والعربية واحدة بعد الأخرى , لأسمع الأخبار والمواضيع الأخرى منذ الصباح الباكر , أنتقل من قناة إلى الثانية , فهالني ما شاهدت حينها من مذيعات يرتدين جميعهن اللباس والثوب الأسود بكل تنوعه وأقسامه من البلوز , أو القميص , التنورة , إلى الجاكيت ,و البنطال ووو .... الخ , مع الشعر الأسود المصبوغ أيضاً ..!؟ وقررت منذ ذلك الحين أن أكتب عن هذه الظاهرة السلبية بنظري على الأقل , ويحق لي نقدها بكثير من الحب والأسف باّن , كامرأة وأم ومربية وكاتبة , ورأيت من واجبي أن ألقي بعض الأضواء على النواحي الإيجابية , أو السلبية في مجتمعاتنا التي أصبحت " عولمية " مقلدة , ومجرورة من الألف حتى الياء , من الشعر حتى الحذاء بكل صرعات الموضة .
حدَثت نفسي , حبذا لو أن مذيعة واحدة , أو فنانة , أو ممن استضافهن الإعلام للحديث في البرامج التلفزيونية , قد تمرَدت أو خالفت التقليد وارتدت أو ظهرت باللون الأزرق أو البني , أو الأصفر الأخضر أو أو ... ولكن عبثاَ ... هذا لم يحدث .. !

... وهكذا ... كل شهر , أو موسم , تظهر موضة جديدة , ولون جديد , ولون شعرجديد يكتسح المشهد والنظر في الشارع في الطريق في التلفاز مذيعات فنانات طالبات وهلم جراً .... وهكذا نصبح شيئاً فشيئاً ( أسرى الموضة ) بمعنى أصبحنا عبيداَ للتقليد والسائد , هذا لا يعني أنني أدعو ضد التجديد والتحديث والتغيير والإبتكار والفن في كل شئ , أبداَ بالعكس من ذلك . لكن التجديد ليس بالمظاهر والموضة بل بالسلوك الإنساني والتفكير والعطاء والإنتاج ..

فأنا أرغب أن يبقى للمرء , وللمرأة خاصة رأي واختيار واستقلالية بما ترتدي وما يخص شخصيتها هي وحدها من مكياج وصبغ شعر ولون ثوب وإكسسيسوارات ووووو الخ , أي التنوَع , والحرية , والبساطة .. وأن لا يذهب تفكير المرأة وخاصة - الطالبة على مقاعد الدراسة التي أصبح همها ملاحقة ومجاراة الموضة وتقليد أمها ومعلمتها - حتى على حساب ميزانية بيتها وعائلتها ..

.. نحن ضحايا سياسة الحزب الواحد والنمط الواحد والرئيس الواحد و ( اّل الواحد ) الواحد لعقود وأجيال من الإستبداد والظلم ... فما رأيك أختي القارئة وأخي القارئ أن تسيطر على عقول أجيالنا الموضة الواحدة والتقليد الأعمى دون حرية الإختيار ؟

المرأة اليوم في وضع متلقي فقط مع الأسف .. العالم موضة ... العالم " عولمة " ... تقليد أعمى إن كان مناسباً أم غير مناسب .
الشعر – الثوب – الوشم – المكياج – الإكسيسوارات – الريجيم – عمليات التجميل ... وووو قصة الشعر , ولون الشعر , شكل الحواجب ( الرفيعة ) الفوتوكوبي , اللون والموضة الجينز وغير الجينز والزخرفة عليه أو قصه وجرجرته على الأرض , والقصير والطويل وقشط البنطال للأسفل , الرسمالوشم على الجسد ( التاتو ( tatoeage , والخرز على الأنوف واللسان والشفاه , وإظهار الصرَة , والصدر , تكبير الشفاه , التدخين , شرب الشيشة , حمل الموبيل الهاتف النقال و التحدث في الشوارع ووسائل المواصلات وكل شبر في الطريق كأنهم يديرون العالم , سماع الموسيقى وسد الاّذان ... إلى غير ذلك من الصرعات .. أصبح التمييز بين فتاة وأخرى من الصعوبة بمكان ..!؟

وهذه الاّفة .. اّفة التقليد الأعمى , وحذف المبادرة الشخصية , لاحظتها في بلانا العربية أكثر بكثير من أي بلد اّخر , وهي ظاهرة بشكل أفقي , أي شملت كل الطبقات والمستويات , التقليد والغيرة في كل المناحي : من اللباس إلى بناء الفيلا إلى اختيار المهنة والأثاث ونوع ولون السيارة , ولون الحقيبة والحذاء و " الصمديات " والتحف في المنازل ... إلى غير ذلك ..!؟
لقد لاحظت بعد عرض مسلسل ( نور ) التركي - أصبح تقليد الحواجب الثخينة نوعاً ما عند النساء , واللون الأحمر هو الدارج ,............ وتخفيف الحجاب !!؟
حتى ظاهرة الحجاب وغطاء الرأس التي عمت المنطقة والعالم في هذا العقد كان تقليداً أعمى وخوفاً , أكثر مما هو إيماناً وتقليدا دينياً ..

ربما البعض يبرر هذه التصرفات والصرعات من قبل الأجيال الجديدة على أنها نوع من التمرد على الضغوط و الواقع المعاش , فهي رفض ووسيلة تعبير سلبية , أو حرية شخصية , ربما , ولكن تبقى ظواهر تثير الكثير من التساؤلات وإبعاد الشباب عن القضايا الأساسية , والأهداف الخطيرة من ورائها والسير في ركابها حتى النهاية .. وهناك الكثير من الظواهر السلبية الأخرى خارج هذا الموضوع لم أتطرق إليها ربما في مقال اّخر ..

لا تكوني فوتوكوبي إبنتي وأختي .. المرأة
حتى الشاب المراهق والطالب والرجل جرفه تيار التقليد والموضة حتى لو لم يكن مقتنعاً بها , وحتى لا يقال عنه أنه رجعي ومتخلف وووو ...!؟ قلد صرعة الوشم على الجسد وغيرها , وضع الحلق في الاّذان والخرز في الوجه والصدر , ونفش الشعر للأعلى وصبغه - ربما هذه الأجيال ترغب بالرجوع إلى تقاليد الشعوب القديمة والبدائية ولكن ليس هو الهدف والمخطط - وقص شعر الرأس على ( الزيرو ) ... ( وأتذكر في بولونيا مثلاً في عقد التسعينات عند بدء هذه الصرعة كان الناس يطلقون عليهم إسم العنصريون النازيون أو - سكين هيد ) ..!؟ ماذا تسمى اليوم هذه الظاهرة لا أدري ؟

إلى متى ستبقى المرأة أسيرة التقليد والموضة المستوردة والإستهلاك !؟
حقا ً إننا نعيش اليوم في الصراع بين ثقافة الإستهلاك , والقناعة والواقعية .
الصراع بين إثبات الذات والهوية وثقافة الإنتاج , وبين الضياع واللامبالاة والإستهلاك
الصراع بين التمسك بالقيم والمثل والمبادئ الإنسانية , ونسير مع الحداثة .. نتقبل الحداثة دون التخلي عن القيم والجوهر ..

...الأعراس أصبحت مسارح , حفلات الزواج والإحتفالات بأعياد الميلاد الشخصية , والمناسبات أصبحت مهرجانات ( فيستيفال ) المغالاة في التبذير والبذخ .. " البطر " والقصص الخيالية .. ظاهرة الغيرة والتشبه بالاّخر حتى لو لم يكن مناسباً للإمكانيات الذاتية .. !؟

أختي المرأة ... في عالمنا الحاضر عصر الصورة والمكياج والإستهلاك والمظاهر , لا تدعِ الإستهلاك يجرفك .
إنتبهي لئلا تكوني فوتوكوبي , نسخة عن غيرك . كوني إنسانة طبيعية , بسيطة , قنوعة , ولكن طموحة .
كوني أنت فقط , إنسانة متميزة ذي فرادة في كل شئ , دون أن تكوني متحجرة , أو غير مجارية للتطور .
عيشي عصرك , عيشي حريتك , دون أن تقلدي وتلغي شخصيتك وقرارك , .إرتدي ما يريحك ويريح جسمك , وحركتك , وما يناسب ذوقك ووظيفتك وميزانيتك ومستواك المادي والمعنوي , والثقافي ... فأنت الفن والفنانة والجمال والألوان ..
أنت الكائن الحي الخلاق .. أنت الروح والعقل والفكر والعطاء والإبداع .. أنت الإقتصاد والإدارة والإنتاج ..

الموضة الموضة .. الإنتشار السريع للموضة .. التقليد التقليد .. فوتوكوبي فوتوكوبي .. مصادرة الرأي والمبادرة الذاتية , تلغي التفكير الحر , والذوق الشخصي لدى المرأة وتقتل فكرة المبادرة والخلق , والعقل المتحرك المبدع , هذه الاّفة أصبحت تؤثر على مستوى الأسر الفقيرة تستدين لتقلد ... حتى لا تظهر أنها خارج السرب ... خارج ( المودرن ) , ونسيت أن المودرن ليس باللباس والمظاهر الخارجية والتدخين وحمل الهاتف النقال .. نسيت أن معايير الجمال وقيم الحضارة والتقدم والرقي ليس بالمال والسيارة الفخمة والأثاث الفاخر وتقليد الفنانة والمذيعة , الرقي في الأخلاق والقيم النبيلة والعطاء والإنتاج العلمي والثقافي والإنساني والفكر الحر !؟

إنسان عصر العولمة , عصر الإنفتاح اللامحدود على المشهد والإعلام المرئي والمكتوب والمقروء له إيجابياته وسلبياته , فعلى الإنسان وخاصة المرأة أن تحاكم عقلها , تدرس تقيَم تنتخب ما يلائمها وما يضرها , أو لا يلائم مستواها المادي والطبقي والعلمي وووو لكل إنسان ذوقه .. ووضعه المادي ومهنته , وخلفياته الفكرية والتربوية , ولكل إمرأة إختيار وذوق مستقل وحر في انتخاب الزوج في انتخاب البيت ونوع الستائر ولونها وكل قطعة أثاث في منزلها ..
فإلغاء الإختيار , والقرار , يعني إلغاء الشخصية الإنسانية . إلغاء فكرها وعقلها وإرادتها وحريتها بالتالي , التي هي أغلى وأحلى وأجمل ما تملك وتتميز من ذوق وحضور ..
الفرادة .. والتميَز , الخاصية , والحرية , كل هذا أصبح مصادراً من قبل مؤسسات الموضة على شريحة كبيرة من النساء في المجتمع , التي هي بالتالي صندوق التاجر والرأسمالي , الذي أصبح يستغل ويستثمر المرأة لترويج البضاعة ( السلعة ) . وهناك بالمقابل في البلدان المنسية نساء حافيات عاريات جائعات مريضات يلتحفن الطرقات والأكواخ والعراء يحلمن بغطاء ورغيف خبز وقطرة ماء .. لا يدري بهن أحد .. .. أنه عالم منخور بكل أمراض العصر !؟

تسليع المرأة في ظل العلاقات الرأسمالية والسلطة البرجوازية .. والنظام العالمي الجديد
التسليع .. والسلعة , المرأة أصبحت أداة للإستهلاك ( موديل ) للسلعة , ومادة للتسليع , أداة لتسويق إنتاج المعامل البعيدة , والإحتكار والربح , عارضات أزياء للتجارة وترويج التجارة , أي بمعنى أن الموضة أصبحت عبارة عن ( سلعة ) مع الأسف ..
واجبنا حماية الجيل من ثقافة الإستهلاك , حماية فكرهم من التشرذم والضياع والبدع , وعدم السير في صرعات الموضة والتقليد الأعمى إلى مالانهاية , ( الهاوية ) - يجب أن يكون هناك محطة , مسافة لنقول كفى ( STOP) .

لا تلغ ذوقك الخاص , ولمساتك الأنثوية أيتها المرأة والقارئة العزيزة , وما يناسب بشرتك , ولون شعرك , ووضعك المادي , لا تحذفي حريتك لا لا تكوني بعيدة عن العصر , عيشي عصرك وخطوط مساره ولا تحذفي قناعاتك وما يريحك .
.....
حقيقة ... هناك أسئلة كبيرة وخطيرة أمام هذا الواقع والظواهرالمرضية , علينا نحن المثقفات والمثقفين طرحها وتسليط الضوء عليها وإبداء رأينا وإعطاء بعض الحلول والتنبه لها .. فهي وليدة النظام العالمي الجديد الأميركي ( الهدَام ) , ومن تداعيات النظام الإستهلاكي وفتح الأسواق أمام البضائع والسلع الأجنبية دون ضوابط وحدود , وإغلاق ومصادرة معاملنا وتسريح العمال وإجهاض صناعاتنا الوطنية , هذا النظام الذي يمر في هذه الأيام في عمليات إنقاذ سريعة ومؤقتة من قبل الدول الغربية والصناعية الكبرى مستنفرة جميعها لمعالجة كوارثه على البشرية وبوادر قرب انهياره فهو موضوع الساعة وحديث وسائل الإعلام ..!؟

وأخيراً .. لا تكوني أيتها المرأة عبدة للإستهلاك لا تكوني أسيرة لكل ما يعرض أمامك . لا تجعلي الموضة وثناً تعبديه وتشعري بالحرج أمامه إذا لم تلبي الطلب .........كوني فاعلة في عصرك ومؤثرة وإيجابية , لا تكوني سلبية بل مبدعة وثبتي شخصيتك وعقلك وفكرك في العلم والعمل لبناء عالم أفضل ..
دعي ذوقك يظهر على أنوثتك , دعي جمال علمك وثقافتك وفكرك يملي على مظهرك الخارجي والداخلي أي على المضمون والشكل , على الروح والعقل والجسد ... وهي عملية تربوية ثقافية حضارية يومية ومستمرة ..... وكل عام وكل عيد وأنت متسلحة بالوعي والإقتصاد والتغيير لعالم أفضل .. متجددة دوماً بكل ألوان الفرح وكحل المحبة



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة