الحزب الشيوعي السوداني وقضية المرأة(2)

تاج السر عثمان
alsirbabo@yahoo.co.uk

2008 / 11 / 23

ثم بعد ذلك جاء انقلاب 25 /5/1969م الذي صادر الحقوق والحريات الديمقراطية وفرض نظام الحزب الواحد وحل الأحزاب والتنظيمات الديمقراطية والجماهيرية مثل اتحاد الشباب السوداني والاتحاد النسائي واتحادات الطلاب والروابط القبلية في المدن...الخ، وفرض تنظيمات فوقية سلطوية للشباب والنساء كانت معزولة. وبعد احداث 22 يوليو 1971 حدثت الردة الشاملة وانحسرت حركة النساء الديمقراطية وواصلت المقاومة السرية للنظام، وفي ظروف السرية كان الحزب الشيوعي يواصل تجميع النساء الشيوعيات لمواصلة النشاط في ظروف السرية لاستنهاض مقاومة المرأة ضد النظام وتنظيم الشيوعيات في فروع الحزب ، وعلي سبيل المثال صدر خطاب داخلي من سكرتارية اللجنة المركزية بتاريخ مارس 1980م حول العمل وسط النساء، أشار الخطاب الي اضرورة تنظيم الشيوعيات في فروع الحزب كيما يمارسن عضويتهن كشرط أولي واساسي لايستقيم بغيره أي حديث عن نشاط الحزب بين جماهير النساء، اضافة الي تجنيد عضوات جدد. كما أشار الخطاب الي المتغيرات بعد ثورة اكتوبر 1964م، ومشاركة المرأة في كل المجالات السياسية ومواقع المسئولية الشعبية وعلي مستوي الأحزاب والدولة، ويشهد علي ذلك الاهتمام المتواصل الذي تبديه الاحزاب اليمينية واحزاب البورجوازية الصغيرة والاحزاب الدينية المتعصبة كلأخوان المسلمين بكسب المرأة لصفها بعد ان فزعت من انعطاف المراة نحو الحزب الشيوعي بعد ثورة اكتوبر، فتراجع الخوان المسلمون عن معاييرهم السلفية المتزمتة وسمحوا بعقد الاجتماع المختلط للاخوان والاخوات، وتعرضت نساء الجبهة الوطنية(أحزاب:الامة، الاتحادي، الاخوان المسلمين.) للاعتقال والارهاب قبل المصالحة الوطنية التي تمت بين نظام مايو واحزاب الجبهة الوطنية في يوليو 1977م. كما يمارس الجمهوريون(انصار الاستاذ محمود محمد طه) نشاطهم الحزبي والجماهيري دون حاجز بين المرأة الجمهورية والرجل الجمهوري، وتبذل الحزاب الجنوبية جهدا منظما لكسب المراة الجنوبية في كل المستويات الرسمية في الحكم الاقليمي، وتزاود سلطة مايو كل يوم بشعارات تحرير المرأة وتخصيص 25% من مقاعد الحكم المحلي لها وتخصيص مقاعد فئوية للنساء في مجلس الشعب والمجلس الاقليمي وفي الاتحاد الاشتراكي والوازرة..الخ.
يواصل الخطاب ويشير الي ضرورة الانعتمد علي رصيد وتاريخ الحزب وللاتحاد النسائي وهذا لا يكفي، العمل المنظم والواعي واليومي من جانب الحزب في المركز والمناطق والقري، هذا هو السبيل الوحيد والذي لابديل له لكسب حركة النساء لصف الثورة الديمقراطية وتجنيد طلائعها للحزب وبعث حركة النساء الديمقراطية.
أشار الخطاب: علينا ان نؤكد ونحن عاي اقتناع كامل أن منطلقنا الفكري الشيوعي هو ان الزميلات يتمتعن بعضوية الحزب كمناضلات طليعيات اسوة بالزملاء يشاركن في النشاط اليومي والمسئولية ولسن متخصصات فقط في تنظيم فروع الاتحاد النسائي، من علي هامش الحزب، فقد تحملت الزميلات الاعتقال والتشريد والارهاب واقتسمن مع ازواجهن واخواتهن تضحيات النضال الثوري، وصمدن امام الارهاب الدموي للردة. كما أشار الخطاب الي أمثلة لنشاط النساء مثل:مواكب أسر المعتقلين في العاصمة والاقاليم، مواكب الغلاء في العاصمة، مشاركة المراة العاملة في النشاط النقابي والاضرابات، تنظيم عدد من الندوات والاحتفال بعام الطفل في بعض احياء العاصمة والمعاهد العليا بمشاركة العناصر القيادية للاتحاد النسائي من الديمقراطيات والشيوعيات، وبالتالي فان اتساع مشاركة المراة في النشاط السياسي والنقابي والاجتماعي يفرض علينا ان نرتقي بتجنيد المراة من مواقع النضال السياسي والنقابي والاجتماعي ومن وسط الطلائع بدلا من الطريقة القديمة: تجنيد الأخت والزوجة. وتعليم المرشحة(العضو الجديد) أن تصبح عضو حزب باستقلال عن الزوج او الأخ او الأب(علي سيبل المثال زميلات في انقسام 1970 انقسمن مع ازواجهن). كما أشار الخطاب الي انه لاتراجع عن العمل بين النساء الأميات، أي أغلبية النساء في بلادنا واستبدال ذلك بالعمل فقط في الاتحادات والنقابات. كما أشار الخطاب للضعف العددي للعضوية واهمال النشاط الجماهيري بين النساء. كما أشار الخطاب الي توسيع عملنا وسط النساء في الأحياء والجامعات والشبيبة النسوية وفي الخارج(الفروع).
أشار الخطاب الي المتغيرات الجديدة في فترة مايو التي لاتنحصر فقط في مصادرة الديمقراطية وسيادة الارهاب، بل والتغييرات الاجتماعية والطبقية والفكرية التي حدثت بين النساء، وبصفة خاصة بين طلائع الفئات النسوية التي كانت من الناحية العامة تقف مع الحركة الديمقراطية، وفي المقابل ظهور جيل جديد من النساء يتفتح بطريقته الخاصة علي قضية المراة ويستقي ثقافته ومعارفه عنها من مصادر متعددة محلية واجنبية لم تكن متوفرة قبل عشرة اعوام.كما أشار الخطاب الي ضرورة التركيز في جبهة عمل محددة في الاحياء ، في الجامعات: الجبهة الديمقراطية وتفادي خلق الواجهات الكثيرة.
كما أشار الخطاب الي الاهتمام بتقديم الدراسات الماركسية لمجموعة الزميلات اللائي يتم تنظيمهن: البرنامج، اللائحة، وثائق اللجنة المركزية، وهذا واجب مقدم لمواجهة النقص الحاد في استقرار التعليم الحزبي وضعف التكوين النظري الماركسي في مجموع الحزب وبين الزميلات بصورة خاصة.
واخيرا حدد الخطاب واجبات المركز في : اسنقرار اللجنة الحزبية للعمل النسائي، المساعدة في تنقيح دستور الاتحاد النسائي، المساعدة في اصدار وانتظام صوت المرأة.
كما صدر خطاب داخلي من سكرتارية اللجنة المركزية بتاريخ سبتمبر 1984م حول العمل وسط النساء، أشار الخطاب الي ان العمل وسط الزميلات من صميم بناء الحزب والي انه بعد ثورة اكتوبر 1964م تم حل رابطة النساء الشيوعيات كتنظيم تابع للحزب وتم استيعاب الزميلات في فروع الحزب، وكان ذلك الشكل الأرقي والمتجاوب مع تطور الحياة السياسية والاجتماعية، واصبح واجب العمل بين النساء من أجندة فروع الحي حيث تتواجد كل فئات النساء وأغلبيتهن، وكذلك في القرية والريف.
كما أشار الخطاب الي انه عندما نتحدث عن قضية تحرر المرأة كجنس وكطبقة في الثورة الاجتماعية، لانحصر التحرير في الشرائح الصغيرة للمتعلمات أو العاملات، بل نقصد المراة السودانية بكل فئاتها وحيث اغلبها تعيش في الريف، ويرتبط تحررها بالاصلاح الزراعي وحركة المزارعين ومحو المية ودخول المراة ميدان الانتاج...الخ، كما أشار الخطاب الي ضرورة دراسة ظاهرة تراجع نشاط الزميلات بعد الزواج.
كما أشار الخطاب الي أشكال الصلة: صوت المراة، دستور الاتحاد النسائي، الكتيب الذي يعالج قضايا المراة، الندوة لمخاطبة النساء في الحي، الصلة بنساء العالم.
كما أشار الخطاب الي بعض الأفكار الخاطئة التي يحملها زملاء وزميلات ومنها علي سبيل المثال: النظرة السلفية للمرأة في مجتمعنا أو النظرة الرومانسية في اوساط المتعلمين في مجتمعنا: في الحالة الأولي اهمال وعدم اهتمام بقضية تحرر المراة كجزء من قضايا الثورة الديمقراطية، وفي الحالة الثانية التعامل المثالي مع المراة كمناضلة وزوجة او مواطنة عادية، وفي الحالتين غياب للفكر الشيوعي: سواء في حالة اهمال الرجل أو في حالة سلبية المراة نفسها. من واقع الفكر الشيوعي نجند المراة الطليعية المناضلة للحزب بعد ان تكون قد برهنت عن ثوريتها خلال النشاط العملي، وليس بالانطباع الشخصي أو العلاقة الشخصية، وعندما تصبح عضوا في الحزب نتعامل معها كشيوعية عليها واجبات حزبية مثلها مثل اي عضو، نصعدها لموقع المسئولية اذا كانت جديرة ومؤهلة للمسئولية وليس لمجرد تمثيل النساء في الهيئات القيادية علي طريقة الاتحاد الاشتراكي واحزاب البورجوازية الصغيرة، وننتقدها وننزلها من المسئولية عندما تفشل في القيام بها.
كما أشار الخطاب الي خطا انعزال المتعلمات عن العمل بين جماهير النساء(الاهتمام بالعمل النقابي سريع العائد وهو عمل اكثر تقدما بالمقارنة بعمل الحي).
كما أشار الخطاب الي الظواهر الجديدة في حركة المراة مثل: اتساع صفوف المرأة العاملة وعدد الطالبات في المعاهد العليا والجامعات في الداخل والخارج، وتخلي الاجيال الجديدة من النساء المتعلمات عن العادات الذميمة المتخلفة، كما أشار الي سلبيات التفسخ، الدعارة الناتجة من ضغط الحوجة لبيع المراة لجسدها، الردة بين النساء المتعلمات لعادات بالية، البذخ في تقاليد الزواج وفي المعيشة والسلوك..الخ.
وأخيرا أشار الخطاب الي ضرورة استقامة الشيوعي في مجتمع لايفرق بين الدعوة والداعية، وضرورة تطوير طرحنا الماركسي لقضايا المراة بذاتيتها وخصائصها المحددة، وبما يجمع بينها وبين المراة في العالم.
5- وجاءت انتفاضة مارس- ابريل 1985م والتي فتحت الطريق امام النهوض الجماهيري ومن ثم تحسين عملنا بين النساء، وصدر خطاب داخلي بعنوان(ظروف مواتية لتطوير عملنا وسط النساء) بتاريخ فبراير 1986م.
أشار الخطاب الي انحسار نفوذ الحزب بصورة حادة وسط النساء خلال سنوات الردة، حيث انخفضت النسبة الي 13% في مديرية الخرطوم في مطلع الثمانينيات، وانخفضت اكثر في المناطق الأساسية، اضافة الي هامشية وضعف العلاقة، كما أشار الي الي تخلف معالجتنا النظرية لقضايا المرأة من منطلق الفكر الماركسي اللينيني، سواء في مستوي المعرفة الفلسفية والنظرية أو في الصراع ضد أفكار البورجوازية الصغيرة والابتذال الذي لحق بالماركسية نفسها علي يد المجموعة الانقسامية التصفوية فيما يختص بقضايا المرأة ودور الحزب في حركة النساء الديمقراطية ، كما أشار الي ظروف السرية والارهاب وأثرها في عزلنا عن التطورات والتجارب والأفكار الجديدة في الحركة الشيوعية والديمقراطية في العالم.كما أشار الخطاب الي أن مواطن القصور والضعف في اداء الحزب وسط النساء رغم لاتخرج عن الاطار الذي وضعته دورة ل.م سبتمبر 1984م حول نواحي الضعف في عملنا القيادي.
كما أشار الخطاب الي أهمية الارتقاء بمستوي التعليم الحزبي للزميلات، وتشجيع الزميلات النشطات المبادرات علي تحمل المسئولية الحزبية وفقا لقواعد تصعيد الكادر دون مجاملة أو استرخاء في تطبيق القواعد ، اضافة لحملة تعليم حزبي للزميلات والاهتمام بالمرشحات، اضافة للكتابة في مجلة الشيوعي حول قضايا النساء، وتطوير الصراع الفكري والقضايا النظرية حول قضايا المراة داخل الحزب، والارتقاء بطرحنا حول قضية المرأة في صحيفة الميدان، والصراع لتطوير ادلاداء في جبهة قضايا المراة وفق أسس وقواعد الصراع الفكري كما حددتها اللائحة.
كما أشار الخطاب الي فرع الحزب باعتباره المسئول عن تنظيم وتوجيه مجمل النشاط في الحي أو القرية وسط الشباب والنساء والتعاونيات، الاندية، والانتخابات..الخ، وان مجال السكن هو المجال الملائم لتنظيم حركة النساء الديمقراطية، أما ادوات مجال العمل فهي: فرع الحزب والنقابة والتنظيم الديمقراطي، باعتبارها الدوات التي تخوض بها الصراع الطبقي المباشر في مجالات العمل ويسهم فيها الرجال والنساء علي قدم المساواة، الي جانب اشكال اخري لتنظيمات ومؤسسات اجتماعية الطابع كالجمعية التعاونية، النادي وغير ذلك.
كما أشار الخطاب الي دور الاتحاد النسائي الذي يطرح مطالب المراة كجنس ، كنوع، كقوة اجتماعية فيها العاملة وربة البيت والجاهلة والمتعلمة، حق العمل والحقوق السياسية وحقوق الاحوال الشخصية، ومشاكل الامومة والطفولة ويحشد النساء علي اختلاف اصولهن الطبقية والفئوية في حركة جماهيرية متعددة الاشكال والمستويات لدفاع عن حقوق المراة.
كما أشار الخطاب الي ضرورة وجهة نظر ماركسية ناقدة للافكار والمدارس الجديدة حول قضية المراة مثل مؤلفات نوال السعداوي، سيمون دي بوفوار..الخ، ورفع المستوي الفلسفي والنظري لاعضاء الحزب زملاء وزميلات ، ومواصلة انتقاد الافكار البورجوازية القديمة والحديثة حول تحرر المرأة، ولايكفي أن يطلع الزملاء والزميلات علي اصول الماركسية في كتب ومؤلفات مثل: كتاب انجلز(أصل العائلة والدولة الملكية الفردية) أو كتابات لينين مع كلارازتكين وغيرها، هذا مهم ومفيد ولاغني عنه، لكنه وحده لايكفي، ولايقدم الاجابة علي الاسئلة المطروحة في عصرنا أو حلولا لمشاكل عصرنا، كما ان استيعاب الفلسفة والنظرية الماركسية لايكتمل بقراءة الكتب والاصول وحدها، ولابد من ان نتصدي لمواجهة الفكر البورجوازي خلال الصراع اليومي في كل الجبهات، كيما نمتلك ناصية الماركسية وجوهرها الديالكتيكي من جهة، وكيما نطورها من خلال التطبيق المستنير والخلاق علي مجتمعنا. والوجه الاخر لهذه المشكلة، هو استكمال معرفتنا ودراستنا اتيار النهضة والاصلاح الاسلامي الذي قاده عدد من المفكرين الوطنيين في مصر والشام ضد الجمود السلفي في قضية تحرير المراة، ولانكتفي فقط بالاستشهاد والمقتطفات من اعمالهم، بل نواصل ونطور في الصراع ضد الجمود السلفي في السودان، والاقتراب من الساسة ورجال الدين الاسلاميين الذين ينطلقون من تيار النهضة والتجديد، ويحاولون باخلاص أن يجدوا حلا اسلاميا لمشاكل مجتمعنا وعصرنا بما في ذلك قضية تحرر المراة، وقد ساعد نفر من هؤلاء كثيرا في بداية تنظيم حركة النساء في السودان وتصدوا بشجاعة للجمود السلفي(ص 25).



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة