إنصاف النصف الآخر

رياض الحبيّب

2009 / 3 / 9

في البدء أدعو القارئ الكريم إلى الوقوف دقيقتين من الصمت والتأمّل حداداً على النساء اللائي دفعن حياتهنّ ثمناً من أجل الحرّيّة والمساواة والإعتراف بحقوقهنّ كاملة طوال التاريخ وفي بقاع الأرض كلّها
هي الدقيقة الأولى من أجل الجنس الآخر الذي لمْ يُنصَف كما يجب وأمّا الثانية فهي من أجل النصف الآخر الذي يطالب بحقوقه المشروعة.
وهذان في الحقيقة نصف واحد لا ينقسم ولا يتجزّأ ولا يتعدّد. فليس من حقّ الرجل السويّ أن يكون لنِصْفه (نصفان) ولا ثلاثة ولا أربعة ولا ما ملك طغيانه واستبداده تحت أيّ مسمّى، سواء أكان دينيّ الأبعاد أم سياسيّاً أم قبليّاً، بل نصف واحد طوال حياته. فمن آذى امرأة آذى نصف جسده وقلبه وروحه وتالياً شخصه كلّه.

وأدعو منظمة الأمم المتحدة ممثلة بمنظمات حقوق الإنسان في العالم كلّه إلى البدء في تصميم علم الثامن من آذار رمزاً ليوم المرأة العالمي، على أن يتمّ تنكيس أعلام الدول، حداداً في هذا اليوم، على أرواح النساء اللائي بذلن الغالي والنفيس في الأصعدة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية ورفع علم الثامن من آذار بدلاً منه؛ تكريماً للمرأة الأمّ والزوج والأخت والإبنة وسائر القريبات-من جهة- وللمرأة العاملة في تخصّصات عدّة، في ميادين الحياة المختلفة، من جهة أخرى.
هذا مع الإقتداء بالصّين وروسيا وكوبا في منح المرأة العاملة إجازة مدفوعة الأجر، في هذا اليوم العظيم والذي قامت أرمينيا بتمديد الإحتفالات به شهراً كاملاً انتهاءاً بالسابع من أبريل- نيسان سنويّاً. علماً أنّ بيتسي روس Betsy Ross 1752–1836 هي التي صنعت العلم الأمريكي إبّان حرب الاستقلال الأمريكية 1775-1783

كما أدعو- من هذا المنبر المتمدّن- جميع السادة رؤساء دول العالم إلى تسليم مقاليد الرئاسة، فخريّاً في هذا اليوم المجيد، إلى امرأة العام التي يتمّ
اختيارها من فئات الشعب دولة ومؤسسات ومنظمات إلى أصغر خليّة عاملة.
ولا حاجة لذكر الخلفية التاريخية التي تمّ اختيار هذا اليوم العالمي من أجلها والذي كانت الإضرابات النسائية، التي حدثت في العالم المتمدّن، من أبرز أسباب انعقاد مؤتمرات النساء المطالبات بحقوقهنّ في العدل والحرّيّة والمساواة فوق المنبر الديمقراطي.
لكني أكتب رابط ويكيبيديا، الموسوعة الحرّة التي يحتاج القسم العربيّ فيه إلى إثراء في المعلوماتيّة
http://en.wikipedia.org/wiki/International_Women%27s_Day

وأدعو جميع وسائل الإعلام إلى إبراز دور المرأة في المجتمع بأنها كلّ المجتمع وليس نصفه، كما هو سائد في أوساط المثقفين، على أن تخصِّص تلك الوسائل جميعَ فعّالياتها لشؤون المرأة، مع الإفساح في المجال أكثر ما يمكن للسان المرأة كي يتكلّم ولقلمها كي يعبّر

ويسرّني- في مناسبة يوم المرأة العالمي- توجيه رسالة للرِّجال العرب، إذ لم أقرأ ما كتبوا في النساء من قبل وعنهنّ إلا قصائد حبّ ورسائل عشق وبعض مقالات الشوق وتطييب الخاطر. ومع أسف شديد لم أستطع الوثوق بكلام بعض الرجال- وأنا المحسوب منهم- الذين يحاولون أنْ يقنعوا القرّاء الكرام بمبادئ لا يطبقونها على أعضاء عوائلهم من النساء. فالعشق والتعليم وخلق فرص العمل حكر على رجال الأمة العربية والإسلاميّة. وأمّا المنزل فهو (سجن) النساء الدائم والشرعي- المشرّع بقانون من سماء القرآن. فيعفّ قلمي المتواضع- بهذه المناسبة الغالية في نفسي- عن تلويث هذه المقالة بكتابة نصوص لمهزلة إنسانيّة وردت في سورة البقرة: 223 و230 والنساء: 3 و11 وما تلا والأحزاب: 37 و40 و50 وغيرها- مما هو ساري المفعول ومما تمّ نسخه! ولقد سبقني متمدّنون كثر ومستنيرون- رجالاً ونساءاً- إلى البحث في هذا الموضوع وتحليله وتقويمه.

ولكنّ ما يحزّ في النفس هو أنْ أصبحت المرأة ناشئة على تعاليم مغلوطة ومعجونة منذ طفولتها بالخميرة الإسلامية والتي تخدم رغبات الرجل ونزواته. ومن هؤلاء النساء من يحملن شهادات دراسية عالية وهنّ - في تقديري- من أنصاف المتعلمات، بسبب دفاعهنّ غير المدروس عن الإسلام، أينما سنحت لهنّ فرصة. ولكنهن على أيّة حال قليلات العدد!

ولكنّ على خلافهن سائر النساء الأبيّات اللواتي يعرفن معنى الكرامة وحقوق الإنسان، حتى شاهدت نساءاً قد اخترقن حواجز عدّة من الضوء الباهت المُلقى عليهنّ والصوت الخافت الصادر منهنّ والصمت القانع من هدر حقوقهنّ والخيال الشارد من إغفال مصائرهنّ والحبّ الواعد بعد استنزاف طاقاتهنّ والإستبداد المتواصل بعد ضمان وقوف القضاء الإسلامي ضدّهنّ وتالياً الإضطهاد الذكوري الجاحد في مجتمع التقاليد والعقائد.

ومنهن من فرضن نفوسهن على الميدان الذكوري في حقب التاريخ قديماً وحديثاً؛ متحررات بعقولهنّ، غزيرة علومهنّ وقائم نفوذهن سياسيّاً وقضائيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً، بدعم من رجال مقرّبين لهنّ وبدونه، حتى كانت منهنّ النبيّة والملكة والكاتبة والعالمة والعاملة ونحو ما تقدّم. وقد سألت مرّة مضيفة في طائرة هولنديّة عن تاريخ قيادة المرأة الهولنديّة للطائرة التي أقلّتني من مطار أمستردام فأجابت: بدأ ذلك منذ العام 1996

هذا زمن فيه النّساء هنّ القوّامات على الرِّجال!
إذ لا رجُل يشبّ منذ طفولته سويّاً بدون حضن الأمِّ الدافىء والصّدر الحنون.

وبئس المثال محمّد الذي سأتطرّق إلى عبثيّاته بشيء ما، ليس جديداً على مرآى القرّاء الكرام، باعتباره داعياً لدين وتالياً جعل الدين منسوباً للإله الذي يعبد وبه يستعين
فهو الذي توفيت أمّه وهو صغير وتزوّج من امرأة أكبر منه سنّاً- بحوالي خمس عشرة سنة- فانتقم من النساء انتقاماً ما عرفت له مثيلاً في تأريخ البشريّة القديم ولا الحديث! وقد اتخذ من النساء جواريَ وإماءاً، منتقصاً من شؤونهنّ بغباء منقطع النظير، لأنّهنّ من خلائق الله الذي ليس في خلقه عيب ولا نقص- كما ورد في الكتاب المقدّس وهو كتاب أهل الكتاب- ولم يحسب حساباً لأمّه المرأة وزوجه المرأة وابنته المرأة من خشية المعاملة بالمثل لو انتصرت إحدى القبائل على قبيلته بغارة أو بغزوة من غزوات العرب المعروفة آنذاك بالنهب والسبي.

وهذا زمن النساء المنتفضات على الرِّجال واللاتي من حقهنّ أنْ ينتقصن من عقولهم ودينهم معاً، لماذا؟
لأنّ المرأة لو كانت ناقصة عقل ودين- بحسب الحديث المحمّدي الذي عفا عليه الزمن- فلا يمكن أن يولد رجل كامل- إن جاز الإفتراض بأنه كامل- من امرأة ناقصة، إذ لا يمكن تعبئة إناء فارغ من إناء منقوص منه حدّ الإمتلاء

وقد قُبر النبيّ المزعوم وعلى ذمّته تسع نساء! وقد حرمهنّ من الزواج من بعده بتشريع من سماء القرآن. فأين الإنصاف في وقتٍ تمتّع به في حياته- بما لذ وطاب وبما سارع ربّه في تلبية هواه

وقد رحل وعنده عبيد كان يسخّرهم لمن يشاء ويهديهم (هديّة لا هداية) لمن يشاء. ومن المنطق السويّ- والمفترض أن يحوز عليه الرسول المزعوم- هو تصحيح أخطاء الأعراف المغلوطة السائدة منها والشائعة؛ إن وجدت في مجتمع الرسول الذي بُعث من أجله، كما يفعل القادة السياسيون والمفكرون من أصحاب المبادئ الساميّة، لا أن يزيد عليها ويضفي في السياق ذاته طابع الشرعية السماوي

فماذا تظنّ بنفسك أيّها الرَّجُل العربيّ والإسلامي بعد ما تقدّم؟
إني أتمنى عليك أنْ تتأمّل قليلاً وتحكّم العقل لا المُسَلّمات البالية
وأن تردّ على ما يُثار بالقلم لا بالسيف- إنْ كنت رجُلاً عاقلاً ولم تدعْ رسولَ الإسلام يحوّل طبيعتك الإنسانيّة النقيّة إلى طبيعة وحش مُبرْمَج؟

وأهدي إليكُنّ أخيراً- سيّداتي النساء في العالم كلّه ولا سيّما المُعرّب منه والمؤسلَم- أطيب باقات من زهور القلب، قبل زهور الحدائق
وأزكى العطور من مروج الفكر، قبل شراء قنانيها من صالات الزينة
وأطيب كلمات من معين الروح، قبل دواوين الشعر وهي التي لكُنّ فيها أجمل القصائد. ومنها ما كتب الراحل نزار قبّاني:
عشرون عاماً يا كتاب الهوى--- ولم أزلْ في الصفحة الأولى!
فمهما قال الرجل في حقّ المرأة تقديراً وتكريماً ومهما فعل فهو لم يزل في الصفحة الأولى

وأطلب إليكنّ بمودّة وتواضع أنْ تجازين الرجال الذين يُحسنون التعامل معكنّ وأنْ تكرّمنهم- إن أمكن- في عيد الرجُل العالمي
والذي يوافق التاسع عشر من تشرين الثاني- نوفمبر
والذي كانت دولة ترينداد وتوباغو الأولى بالإحتفال به عام 1999 من القرن الماضي.

رياض الحبيّب
Sunday, March 08, 2009




https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة