الأنثى والخيانة (2)

عبدالحكيم الفيتوري
dr_elfitouri@yahoo.co.uk

2009 / 3 / 27

الأنثى والخيانة (2)

المحور الثاني: الحديث عند المفسرين

ينبغي التنبيه هنا بأننا لا نريد الوقوف عند الشطر الأول من الحديث ( لولا بنوا اسرائيل لم يخنز اللحم) حيث تكفي الاشارة السالفة لهذا الشطر من أن فساد اللحم وعفانته لا علاقة له بدين ولا بجهة ولا بلون وإنما تخضع لعوامل قررها العلم الحديث من بكتيريا وفيروسات وغير ذلك مما هو مقرر عند علماء العلوم الحديث، ولعل شطر هذه الرواية منتج من منتجات العنصرية الدينية والملية، لأن رائحة التدافع الملي بين المسلمين وغيرهم خاصة اليهود واضحة وجلية فيه.والذي يهمنا في هذا المقام الوقوف عند الشطر الثاني من الرواية (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) بغية معرفة حجم اعتداءات المفسر على النظم القرآني لصالح هذه الرواية، وما أفرزه من ثقافة ذكورية تحتقر الانثى وتزدريها بمنطق الدين والإيمان لدرجة إقتناع الأنثى ذاتها بتلك الثقافة الذكورية (العنصرية الذكورية) المخالفة لمنطق الوحي وقصديته.فنأخذ لذلك عينة تفسيرية تثبت مدى الترابط بين ما قاله المفسر في القديم وما نقله عن المفسر الحديث عنه على الرغم من تغير السياق التاريخي والمساق الثقافي والاجتماعي، وذلك من خلال تفسير ابن جرير الطبري وتفسير فتح القدير للشوكاني عفى الله عنهما.


العينة الأولى: تفسير ابن جرير الطبري

يبدو أن ابن جرير الطبري نظر إلى تفسير آيات البقرة التي تناولت قصة آدم وحواء وكيفية إستزلال الشيطان لهما من خلال روايات كعب وابن المنبه ومن روى عنهما، حيث نقلا عن كتب أهل الكتاب في العهدين حكايات إغواء الشيطان لحواء وما نالها من عقاب من الله سبحانه. والملحظ أن ابن جرير لم يجد حرجا في نقل تلك الحكايات والقصص وما هو مسطور في العهدين القديم والجديد من كتب أهل الكتاب،ولكنه أضاف لتلك الحكايات الاسرائيلية أسانيد تسندها لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سواء في قصة دخول إبليس إلى الجنة عبر الحية بطريقة درامية، أو في قصة تزينه لآدم وحواء الأكل من الشجرة، أو في قصة تعري آدم وأختفائه من الله سبحانه، أو في طريقة مخاطبة الله له بطريقة درامية، أو في قصة إنزال العقوبة على حواء وبنات حواء وذلك بالحيض والنفاس والإكراه في الحمل والوضع، وأخيرا بوصف الخيانة المستمرة لحواء وبناتها. وهذا يعني أن المفسر للآي القرآني كان خاضعا لسلطة الاسناد والرواية وإن كانت شاذة المتن ومخالفة لصريح الوحي وصحيح العقل، مما حمله ذلك تمزيق نسيج النظم القرآني وقطع سريان قصديته بانتساب وتناغم باعتبار التكامل بين السابق واللحاق في إطار الوعي بالسياق التاريخي والمساق الاجتماعي والثقافي والسياسي. وإليك بعض العينات لما سبق تقريره من تفسير ابن جرير الطبري خاصة فيما يدين المرأة ويلقي عليها ثوب الخيانة الدائم.


- كيف كان استزلال إبليس آدم وحواء: قال ابن جرير فإن قال لنا قائل: وكيف كان استزلال إبلـيس آدم وزوجته حتـى أضيف إلـيه إخراجهما من الـجنة؟ قـيـل: قد قالت العلـماء فـي ذلك أقوالاً سنذكر بعضها. فحكي عن وهب بن منبه فـي ذلك ما:حدثنا به الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مُهرب، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لـما أسكن الله آدم وذرّيته، أو زوجته، الشك من أبـي جعفر، وهو فـي أصل كتابه: وذرّيته ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها فـي بعض، وكان لها ثمر تأكله الـملائكة لـخـلدهم، وهي الثمرة التـي نهى الله آدم عنها وزوجته!!


- القصة الدرامية لدخول إبليس الجنة: فلـما أراد إبلـيس أن يستزلهما دخـل فـي جوف الـحية، وكانت للـحية أربع قوائم كأنها بُخْتـية من أحسن دابة خـلقها الله. فلـما دخـلت الـحية الـجنة، خرج من جوفها إبلـيس، فأخذ من الشجرة التـي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلـى حوّاء، فقال: انظري إلـى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها فأخذت حوّاء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلـى آدم، فقالت: انظر إلـى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها فأكل منها آدم، فبدت لهما سوآتهما..


- إبليس يخطط لأختراق الجنة: وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن لـيث بن أبـي سلـيـم، عن طاوس الـيـمانـي، عن ابن عبـاس، قال: إن عدوّ الله إبلـيس عرض نفسه علـى دوابّ الأرض أنها تـحمله حتـى يدخـل الـجنة معها، ويكلـم آدم وزوجته، فكلم الدوابّ أبى ذلك علـيه، حتـى كلـم الـحية فقال لها: أمنعك من ابن آدم، فأنت فـي ذمتـي إن أنت أدخـلتنـي الـجنة، فجعلته بـين نابـين من أنـيابها، ثم دخـلت به، فكلـمهما من فـيها، وكانت كاسية تـمشي علـى أربع قوائم، فأعراها الله، وجعلها تـمشي علـى بطنها. قال: يقول ابن عبـاس: اقتلوها حيث وجدتـموها، اخفروا ذمة عدوّ الله فـيها.

- مشهد خيالي درامي حواري بين إبليس والملائكة: يقول ابن جرير: حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: لـما قال الله لآدم:{ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الـجَنَّةَ وكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شئْتُـما وَلا تَقْرَبَـا هَذِهِ الشجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِـمِينَ }أراد إبلـيس أن يدخـل علـيهما الـجنة فمنعته الـخزنة، فأتـى الـحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير، وهي كأحسن الدوابّ، فكلـمها أن تدخـله فـي فمها حتـى تدخـل به إلـى آدم، فأدخـلته فـي فمها، فمرّت الـحية علـى الـخزنة فدخـلت ولا يعلـمون لـما أراد الله من الأمر، فكلـمه من فمها فلـم يبـال بكلامه، فخرج إلـيه فقال:{ يا آدم هَلْ أَدُلُّكَ علـى شَجَرَةِ الـخُـلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى }.يقول: هل أدلك علـى شجرة إن أكلت منها كنت ملكا مثل الله عزّ وجل، أو تكونا من الـخالدين فلا تـموتان أبدا.


- قصة أختفاء آدم من ربه: فدخـل آدم فـي جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب، قال: ألا تـخرج: قال: أستـحيـي منك يا ربّ، قال: ملعونة الأرض التـي خـلقت منها لعنة يتـحوّل ثمرها شوكا.قال: ولـم يكن فـي الـجنة ولا فـي الأرض شجرة كان أفضل من الطلـح والسدر.

- إبليس يتابع قراءة كتب الملائكة في صورة درامية:...وحلف لهما بـالله{ إنـي لَكُمَا لَـمِنَ النَّاصِحِينَ }وإنـما أراد بذلك لـيبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما بهتك لبـاسهما.وكان قد علـم أن لهما سوأة لـما كان يقرأ من كتب الـملائكة، ولـم يكن آدم يعلـم ذلك، وكان لبـاسهما الظفر.

- القرآن يقول فعصى آدم ربه فغوى: وابن جرير يقول: فأبى آدم أن يأكل منها، فتقدمت حوّاء فأكلت، ثم قالت: يا آدم كل فإنـي قد أكلت فلـم يضرّنـي. فلـما أكل آدم{ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهما وَطَفِقَا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الـجَنَّةِ }.

- مشهد اغواء آدم في ثوب سهرة أنسية: وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسوس الشيطان إلـى حوّاء فـي الشجرة حتـى أتـى بها إلـيها، ثم حسّنها فـي عين آدم. قال: فدعاها آدم لـحاجته، قالت: لا، إلا أن تأتـي ههنا. فلـما أتـى قالت: لا، إلا أن تأكل من هذه الشجرة، قال: فأكلا منها فبدت لـهما سوآتهما. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن سعيد بن الـمسيب، قال: سمعته يحلف بـالله ما يستثنـي ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل، ولكن حوّاء سقته الـخمر حتـى إذا سكر قادته إلـيها فأكل.

- حواء تتحمل معصية آدم: ثم قال الرب: يا حوّاء أنت التـي غررت عبدي، فإنك لا تـحملـين حملاً إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما فـي بطنك أشرفت علـى الـموت مرارا.

- العقوبة السرمدية لحواء وبناتها بنقصان العقل والدين: قال: وذهب آدم هاربـاً فـي الـجنة، فناداه ربه: يا آدم أمنـي تفرّ؟ قال: لا يا ربّ، ولكن حياءً منك. قال: يا آدم أنَّى أُتـيت؟ قال: من قبل حوّاء أي ربّ. فقال الله: فإن لها علـيّ أن أدميها فـي كل شهر مرة كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفـيهة، فقد كنت خـلقتها حلـيـمة، وأن أجعلها تـحمل كرها وتضع كرها، فقد كنت جعلتها تـحمل يسراً وتضع يسراً. قال ابن زيد: ولولا البلـية التـي أصابت حوّاء لكان نساء الدنـيا لا يحضن، ولكنّ حلـيـمات، وكن يحملن يُسْراويضعن يُسْرا.

- إشراك الحية في عقوبة حواء: وقال للـحية: أنت التـي دخـل الـملعون فـي جوفك حتـى غرّ عبدي، ملعونة أنت لعنة تتـحوّل قوائمك فـي بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بنـي آدم وهم أعداؤك حيث لقـيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقـيك شدخ رأسك.قال عمر: قـيـل لوهب: وما كانت الـملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.ورُوي عن ابن عبـاس نـحو هذه القصة.

ويختم ابن جرير حكاياته هذه بنقد من لا يصدق بهذه القصص الخيالية،والتي لا يعلم علمها وتفاصيلها إلا الله سبحانه وتعالى، والتي لم يذكر منها شيء في وحي الله سبحانه. فقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: قال ابن إسحاق: وأهل التوراة يدرسون: إنـما كلّـم آدم الـحية، ولـم يفسروا كتفسير ابن عبـاس. ثم قال: وقد رويت هذه الأخبـار عمن رويناها عنه من الصحابة والتابعين وغيرهم فـي صفة استزلال إبلـيس عدوّ الله آدم وزوجته حتـى أخرجهما من الـجنة. وأولـى ذلك بـالـحقّ عندنا، ما كان لكتاب الله موافقا، وقد أخبر الله تعالـى ذكره عن إبلـيس أنه وسوس لآدم وزوجته لـيبدي لهما ما وورى عنهما من سوآتهما...الدلـيـل الواضح علـى أنه قد بـاشر خطابهما بنفسه، إما ظاهراً لأعينهما، وإما مستـجنًّا فـي غيره. وذلك أنه غير معقول فـي كلام العرب أن يقال: قاسم فلان فلاناً فـي كذا وكذا، إذا سبب له سببـاً وصل به إلـيه دون أن يحلف له. والـحلف لا يكون بتسبب السبب، فكذلك قوله: فوسوس إلـيه الشيطان، لو كان ذلك كان منه إلـى آدم علـى نـحو الذي منه إلـى ذريته من تزيـين أكل ما نهى الله آدم عن أكله من الشجرة بغير مبـاشرة خطابه إياه بـما استزله به من القول والـحيـل، لـما قال جل ثناؤه. فأما سبب وصوله إلـى الـجنة حتـى كلـم آدم بعد أن أخرجه الله منها وطرده عنها، فلـيس فـيـما رُوي عن ابن عبـاس ووهب بن منبه فـي ذلك معنى يجوز لذي فهم مدافعته، إذ كان ذلك قولاً لا يدفعه عقلٌ ولا خبرٌ يـلزم تصديقه من حجة بخلافه، وهو من الأمور الـمـمكنة. والقول فـي ذلك أنه قد وصل إلـى خطابهما علـى ما أخبرنا الله جل ثناؤه، ومـمكن أن يكون وصل إلـى ذلك بنـحو الذي قاله الـمتأوّلون بل ذلك إن شاء الله كذلك لتتابع أقوال أهل التأويـل علـى تصحيح ذلك.... ثم قال أبو جعفر: ولـيس فـي يقـين ابن إسحاق لو كان قد أيقن فـي نفسه أن إبلـيس لـم يخـلص إلـى آدم وزوجته بـالـمخاطبة بـما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به ما يجوز لذي فهم الاعتراض به علـى ما ورد من القول مستفـيضاً من أهل العلـم مع دلالة الكتاب علـى صحة ما استفـاض من ذلك بـينهم، فكيف بشكه؟ والله نسأل التوفـيق.(انظر:ابن جرير الطبري،تفسير آيات البقرة)


العينة الثانية: تفسير فتح القدير:

لخص الشوكاني ما قاله ابن جرير الطبري بزيادة بعض الاسانيد والمتون الأسطورية، فقال في تفسيره فتح القدير:وقد أخرج قصة الحية، ودخول إبليس معها، عبد الرزاق، وابن جرير، عن ابن عباس.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر من طرق، عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهى الله عنها آدم السنبلة وفي لفظ: البرّ. وأخرج ابن منيع، وابن المنذر، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس. قال: قال الله لآدم: ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: يا ربّ زينته لي حوّاء، قال: فإني عاقبتها بألا تحمل إلا كرهاً، ولا تضع إلا كرهاً، وأدميتها في كل شهر مرتين.

وربط الشوكاني تلك القصص بحديث الباب بطريقة تمجيدية، حيث قال وأخرج البخاري، والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها. وقد ثبتت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين، وغيرهما في محاجة آدم، وموسى، وحجّ آدم موسى بقوله: أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن أخلق؟(انظر:فتح القدير للشوكاني تفسير آيات البقرة)

واللافت للنظر أن الشوكاني ومن صار على نهجه في نقل تلك الاسانيد والمتون المخالفة لمنطق العقل والوحي يؤسسون بذلك فكرة تحويل العقل من أداة فهم إلى مستودع حفظ،ومن آلة استكشاف إلى آلة استذكار،كذلك ينشرون ثقافة العنصرية الذكورية باسم الدين والتي تمارس عمليات الاضطهاد والإزدراء للأنثى على كافة مراتبها.






https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة