جرائم الشرف: من الكتاب الى الإنترنت

أمل الأندري

2004 / 4 / 27

أظهرت ارقام عالمية رسمية أنّ في ثماني من اصل عشر حالات من جرائم الشرف في المجتمعات التقليدية, تكون الضحية بريئة من التهمة التي الصقت بها وتظهر ذلك عملية تشريح الجثث التي تشهر حقيقتين مخجلتين هما ان الفتاة التي قتلت ما زالت عذراء وانّ الجهل ما زال يطبق على تلك المجتمعات. ويشكّل كتاب نورما خوري "الشرف الضائع, الحب والموت في الأردن" شاهداً على ذلك, فهي تتحدث عن مقتل صديقتها الأردنية على يد اخيها بسبب "جريمة" لم ترتكبها. وكالعادة تم الافراج عن الأخ - الجاني في غضون اشهر.

سعاد حالة اخرى تجسد المشكلة. ذنبها الوحيد انّها احبّت رجلاً في شرق وصفه نزار قباني بأنه "يصنع تاج الشرف الرفيع من جماجم النساء" ولا تسع سماؤه "رسائل النساء الزرقاء".

قصّة سعاد تبدأ عندما حملت من رجل تحبّه ما دفع زوج شقيقتها الى محاولة حرقها محواً للعار "الذي لا يغسل سوى بالدم". نجت سعاد وهربت الى اوروبا حيث اعتصمت بقناع يحميها من ملاحقة عائلتها لها في المنفى, تلك العائلة التي اتفقت ببناتها وشبابها على قتل ابنتها لاستبدال الراية السوداء على سطح المنزل بأخرى بيضاء كدليل على غسل العار.

كتبت سعاد سيرتها في كتاب سمّته "كيف أحرقت حيّة" (راجع المقالة في مكان آخر), وقبلها اختصره نزار قباني في قصيدته "رسالة من امرأة حمقاء" حيث تتوجه امرأة الى رجل تحبّه في رسالة تخبره فيها عن خوفها من افتضاح امرها, "فشرقكم يستعمل السكين والساطور كي يخاطب النساء".

اليوم, تزداد الاصوات المطالبة بتشديد العقوبة على جرائم الشرف خصوصاً بعد أن فضح الانترنت ما يدور في عقر كل مجتمع, شاهراً للعالم فظاعاته. وتملأ قصّة سعاد التي هربت من الاردن مواقع الانترنت, كوسيلة لابراز ما تتعرّض له النساء في الشرق الاوسط, باكستان, افغانستان, بنغلادش, تركيا وغيرها.... لن تتمكّن المجتمعات من طمر جرائمها ضد النساء في جنح الظلام كما كانت تفعل من قبل, فالانترنت شكّل وسيلة جديدةً, فعّالة وواسعة النطاق لفضح ممارسات قمعية وجاهلة لمجتمعات ما زالت التقاليد تتحكّم بها حتى حدود القتل, وابراز قضايا عديدة نسائية واجتماعية منها جرائم الشرف.

صورة سعاد على احد المواقع تظهر عينين حزينتين تبدوان كأنهما تنظران الى المتصفح, لتشعرانه بلاسبب بالذنب, ذنب انك تركت هذه الجريمة تمرّ من دون ان تحرك ساكناً. عيناها تلقيان اللوم على النساء قبل الرجال, على القوانين والتقاليد...

حوادث كثيرة تقع كل يوم, ودم جديد ينسال كل صباح وكل مساء, والعائلة تلاحق طفلتها لغسل العار حتى بعد عشرين سنة مثل الكردية التي هربت الى السويد لكنها لم تنجُ منها. لبنان لا يرحم بناته ايضاً, فأخيراً قتل شقيق شقيقته غسلاً للعار. وتغيير العقليات لا يتم بين ليلة وضحاها خصوصاً اذا كان ثلث النساء اللواتي يعشن في بيئة مماثلة اعتدن الامر حتى وجدنه طبيعياً!

نزار قباني الذي تحدّث عن قمع النساء وذبح الربيع في قصيدته لم يؤثر في احد, مجرّد قصيدة جميلة وشاعرية تدخل طي النسيان بعد قراءتها, لكن اليوم يأتي الانترنت ليشهر صورة في وجه العالم واحصاءات وشهادات وقوانين مجحفة, صورة امرأة بقناع ابيض تجتاح نظراتها عمقنا وتشعرنا بالالم, لاننا لم نحرّك ساكناً ولاننا المسؤولون المباشرون عن مصيبتها.

مواقع الانترنت تتحدّث عنها, وعن جرائم الشرف في العالم, القوانين ذات الصلة, شهادات نساء هربن من بلدهن واخريات فضّلن السجن لانه يحميهنّ من شرّ عائلاتهن, وقصص اخريات لم ينجون, اضافة الى الارقام والاحصاءات وقصص كثيرة لم توفّر أي مجتمع مهما كان متكتّماً ومهما احتال لاظهار صورة حضارية ومتقدّمة عبر التستّر على ممارسات مماثلة. لكن كل هذا لا يمكن ان يعبّر بالزخم عينه الذي تعبّر فيه عينا سعاد ولا شيء يدعو الى البكاء أكثر من عينيها المحدقتين بك عبر الانترنت.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة