ثوْرة أكثرُ نعومة

محمد أبوعبيد
mohammad.abuobeid@mbc.net

2009 / 8 / 11

بين كل الثورات التي شهدتها العقود الأخيرة بمسمياتها المختلفة، ثمة ثورة أخرى لم تحجز مكانها بعد وسط موج القمع والقهر المتلاطم، وقد حان وقت تفجرها، هي ببساطة ثورة النساء.. نَعَم.. ثورة النساء.
ولتكن تحت أسماء متعددة، فإن اختلف الاسم اتفق المُسمّى. لتطْلق النساء الثورة الناعمة، أو القرنفلية، أو ثورة الورود أو الثورة المخملية، وإنْ كانت نساء الطبقة المخملية لسْنَ الانعكاس الواقعي لحال "الأنثى" المشرقية في الأصقاع التي تنتمي إليها، إذ يحاول البعض الذكوري من خلال تلك الطبقة تضليل مَنْ فيه قابلية للتضليل بأنّ المرأة في أفضل حال ولديها وفرة مال.
الثورات التي عرفناها تفجرت من أجل خلق تبدلات جذرية تتماهى مع متطلبات العصر، أو لوصول سيل القهر زُبى المقهورين، أو للموضوعية أكثر، من أجل أن تنسجم مع القوى الأقوى في بعض منها، فمنها ما كان دموياً عنيفاً، ومنها ما وردت توصيفاتها في مستهل المقال، وما يرجوه المرء من المرأة هنا، هو الثورة التي لا تستخدم معاول العنف، إنما أدوات السلم للانقلاب على شمولية السلوك الذكوري في مجتمعاتنا، وهو السلوك الذي لا يجعل من الأنثى في حالات كثيرة سوى متعة ووسيلة للانجاب لا أكثر.
ليس المطلوب من ثورة النساء الناعمة الانقلاب الجذري على الرجل وعلى "جنوسته" ودوره، لأنه، بيُسْر الكلمات، ليس المطلوب منها أخذ أدوار الرجال والاسترجال، إنما عدم الخضوع لقهر الرجال وللقمع الذكوري لأنوثتها بالحجج التي يزيّيها البعض أثواباً بتوصيفات متعددة. هي ثورة ناعمة لاجتثاث العادات الخشنة، والتقاليد القاسية التي نَجِد الدِين براءً منها.
ليس من العقلانية الظن في أن ثورة ناعمة بأيدي وحناجر الجنس الناعم ستكون بمثابة الخدمة لأهداف القوى الغربية الاستراتيجية من باب الأطماع فينا أو من باب الفوضى الخلاقة، أو من قبيل سلخ الأخلاق عن المرأة، فما أسهل علينا أن نضع، نحن الشرق، في خانة مؤامرات الغرب كل خطوة تحررية هي إنسانية قبل كل شيء. ثمة أسباب كافية وشافية من المفترض أنها حركت كل ساكن، مكبوت أو كامن، في دواخل "الإناث" لإطلاق ثورتهن.
ولا تخفى على المبصر ولا البصير، مسألة وأد البنات على خلفية"جرائم القرف" لا الشرف، والقتل بمعاول الظن، وبعضه إثم وقذف للمحصنات، وكذلك العنف الممارس ضدها، وتحديد دورها كأداة من أدوات اللذة الذكورية، وأيضا على أنها تنُكح للانجاب ولا أكثر، وانعدام حقها في حرية خياراتها، وفحْص عذريتها قبل الزواج وهو ما أفتى بعدم جوازه ثلة من رجال الافتاء.
صحيح أن عناصر إشعال الثورة الناعمة هذه متوافرة ومختمرة، بيد أن ما قد يجعلها شاقة هو خنوع وخضوع بعض الإناث لواقعهن، بل وقناعتهن بأنه الواقع الأمثل لهنّ والأكثر تناسباً مع جنسهن، لذلك تصبح مهمة الثائرات الناعمات مزدوجة: مهمة انتشال المقتنِعات المقنّعَات القانعات بظروفهن، إما جهلاً أو قهراً، من قعْر قناعاتهن، ومهمة الانعتاق من السيطرة الذكورية الشمولية الخشنة بالأدوات الناعمة.




https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة