ختان الفتيات في كوردستان جريمة مع سبق الإصرار...إلى متى؟؟

علي الأسدي
draliridha@hotmail.co.uk

2009 / 8 / 19

لا أحد يعرف متى بوشر بممارسة عمليات ختان الفتيات في المجتمع الكردستاني ، أو تحت تأثير أي شريعة أو عرف سوغ لتلك الممارسة الهمجية وسمح لها أن تستشري وتتجذر خلال كل تلك السنين دون وازع أخلاقي أو إنساني. تاريخيا كانت الفتيات تُختن في مصر القديمة كما يقول المؤرخ " سترابو " وقد يكون على الطريقة المتَّبعة في النُّوبة وبلاد السودان التي يسمُّونها " الختان الفِرْعَوْني ". كما تورد بعض الأخبار بأن الفتيات كانت تُختن عند العرب قبل الإسلام بينما لا توجد أي أدلة موثوقة تؤكد على ممارسته في الحقبة الاسلامية برغم محاولة تجار الفتاوي المشعوذون لإيجاد قاعدة فقهية بقولهم - " بما أن الرسول لم يحرمها فهي جائزة شرعا " وهو هراء لا ينبغي أن ينطلي على أحد في زماننا ، وأن السذج والجهلة وحدهم من يقع في شركهم الخبيث. وحتى لو وجدت روايات تدعي بأنه قد أخذ بختان الفتيات في ذلك الزمن فلا يعني أنها صحيحة وينبغي الأخذ بها ، لأن التطورالعلمي الذي بلغته البشرية في زماننا قد أثبت ضررها وخطورتها على حياة المرأة.
خلال بحثي عن مسوغات ختان الفتيات لم أجد لا في القرآن ولا في السنة النبوية التي نشأت عليها كما نشأ عليها الأخوة الكورد ما يشير ألى أي تبرير لها ، ولأن ختان الفتيات يسبب الأذى الجسدي والنفسي ، ولأنه يتم دون رغبة أو موافقة الشخص المعني فإنه دون أدنى شك يعتبر خرقا فظا للديانة الاسلامية التي أزعم أن المجتمع الكوردي يقدسها. ولأن مبادئ حقوق الطفل والإنسان تحتل يوما بعد يوم مساحة أكبر في علاقات الدولة بمواطنيها ، وفي علاقات العائلة مع بعضها البعض ومع المجتمع فإن من الواجب أن يتوقف هذا الفعل الشائن بقوة القانون ، وأن تفرض عقوبات قاسية على كل من يخترقه. إن المجتمعات المتحضرة قد قطعت شوطا بعيدا في تحررها من الأعراف والتقاليد الرديئة الموروثة من المجهول ، وإنها تعيش وتعمل في ظل فضاءات أرحب ، تعترف بحرية الانسان في جسده وعواطفه وفي سبل بناء حياته ومستقبله ، وليس من المعقول أن يستمر هذا التعذيب الجسدي والنفسي في مجتمعنا إلى ما لا نهاية بدون عقاب أو حساب.
في عام 2006 حذر تقرير اصدرته منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (1) من مخاطر ختان الإناث على صحة النساء الحوامل وعلى أطفالهن. وقال التقرير الذي نشر في موقع "لانسيت" العلمي إن هذه العملية تزيد بنسبة 50% من حاجة النساء الحوامل اللاتي تعرضن لها لإجراء ولادة قيصرية عند الوضع.
وأجرت المنظمة دراسة على 30,000 سيدة من دول أفريقية تضم بوركينا فاسو، غانا، كينيا، نيجيريا، السنغال والسودان هي الأولى من نوعها التي تتناول المخاطر الصحية التي يسببها الختان للإناث على المدى البعيد. وتنتشر هذه العملية بين المسلمين والمسيحيين في دول عديدة لاعتقادهم أنها تًعف البنات. وفي هذه العملية تتم إزالة الأجزاء الخارجية من العضو التناسلي للأنثى، كليا أو جزئيا. المخاطر الصحية على المرأة كثيرة ، حيث تزداد الحاجة لإجراء عملية قيصرية عند الولادة لدى 31% من النساء التي خضعن لعملية الختان. ويحتاج 66% من أطفالهن للعناية المركزة بعد ولادتهم مباشرة ، بينما يموت 55% من هؤلاء الأطفال قبل أو عقب ولادتهم. وتزيد المشاكل الناجمة كلما زادت عملية الختان عمقا. ويقول "جوي فومافي"، مساعد مدير منظمة الصحة العالمية لشؤون الأسرة والمجتمع إن "الدراسة وفرت، ولأول مرة، دليلا بأن عملية الولادة لدى من تم ختانهن أكثر خطورة وتعقيدا من غيرهن." وستشكل الدراسة أساسا، كما تقول المنظمة لحماية المجتمع في المستقبل. وتضيف المنظمة إنه بالرغم من قيام العديد من الدول بسن قوانين تمنع ختان الإناث، إلا أن تلك القوانين لا تطبق بفعالية. ويمارس الختان في 28 دولة أفريقية أغلبها تقع في منطقة الصحراء الكبرى. وتقدر أعداد النساء اللواتي خضعن للختان حول العالم بـ100 مليون انثى، وتخضع 3 ملايين فتاة تحت العاشرة من العمر للختان سنويا.
فيما كشفت دراسة أخرى حديثة ، أجرتها منظمات أجنبية مستقلة شملت 190 قرية ومدينة بإقليم كردستان العراق أن نسبة تتراوح من 70-95 في المائة من النساء اللواتي استطلعت آرائهن الدراسة تعرض للختان. إن الظاهرة تغذيها معتقدات اجتماعية مدانة في العلن ، لكنها تمارس في السر بشكل واسع تنفذها قابلات أميات يرتزقن بواسطتها مقابل مبلغ قد لا يتجاوز دولارين. إن ما تقوم به تلك القابلات ليس مداواة لجروح أو معالجة للسعة أفعى سامة ، أو إجراء عملية توليد عسيرة ، إنها ببساطة عملية تقطيع أوصال ، إزالة أجزاء سليمة عزيزة وثمينة من أجساد الفتيات المظلومات قسرا وتحت القمع والترهيب العائلي. كل هذا يجري ولا يرف للمسئولين جفن ، فيما تستكين المقموعات لموس الجلادات بإشراف أولياء الأمور وبمباركتهم وتهليلهم. إن هذه المجزرة البشرية تجري بصمت منذ عهود في كوردستان ، والغريب لا أحد يحتج عليها من قادة وأعضاء الأحزاب السياسية التي تدعي التقدم وتجاهر بتبنيها لمبادئ حقوق الانسان. إن من يتابع معاناة الفتيات والقسوة التي يعاملن بها لابد ويخرج بقناعة بأن البشرية تعود القهقرى إلى العهد الفرعوني الذي شرعن هذه الجريمة البشعة.
تؤكد ناشطات في حركة المجتمع المدني في كردستان أن وجود ظاهرة الختان، بصرف النظر عن حجمها، يثير الكثير من المخاوف ، نظرا لآثارها النفسية والاجتماعية المتفاقمة على الفتيات اللواتي يتعرضن لعملية الختان. وتقول إحدى الناشطات إن الدقائق القليلة التي تستغرقها العملية، تتبعها معاناة تستمرمع الفتاة طوال حياتها. وتذكر طبيبة أشرفت على علاج فتيات تعرضن لمضاعفات معقدة بعد عملية الختان التي أجرتها قابلات أميات أن العملية تجعل من الصعب على الفتاة الضحية ممارسة علاقة زوجية طبيعية ، لأن الجنس يرتبط في ذاكرتها بالعنف والألم.
إن هذا التقليد البدائي الذي أورثه الفراعنة ، ما يزال يمارس بحرية دون أية قيود في كوردستان، ومع استمرار ممارسته فإن المعاناة مستمرة ، إلا إذا اتخذت حكومة إقليم كوردستان إجراءات رادعة لتحريمها ومعاقبة أولياء الأمور والقابلات والأطباء الذين يجرونها. لا استطيع أن أتصور أن ترتضي العائلة الكوردية بهذا التعذيب الجسدي لأطفالها الذين بلاشك هم موضع حبهم وعنايتهم ورمز أحلامهم.
علي ألأسدي
البصرة 18 / 8 /2009
___________________
1- BBCArabic.com
http://news.bbc.co.uk/go/pr/fr/-
2006/06/





https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة