الديمقراطية وحقوق المرأة في ظل ظلم عمره آلاف السنين

جاسم المطير
j.almutair@kpnplanet.nl

2009 / 9 / 4

تزايد تأثر المجموعات الاجتماعية الضاغطة والموازية لسلطة الدولة
وراء لجم الحركات النسوية التحررية

الديمقراطية وحقوق المرأة في ظل ظلم عمره آلاف السنين

جاسم المطير

مع بداية الألفية الثالثة أصبح الحوار حول قضية " حرية المرأة " يحتل المرتبة الأولى في كل مكان من العالم بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، خاصة وان الكثير من المظاهر في نفس هذه الفترة أوضحت في العديد من دول العالم في القارات جميعها أن المرأة ما زالت فاقدة لكثير من حقوقها حتى في البلدان الديمقراطية المتقدمة.صرنا نرى سهولة فقدان المرأة، ليس فقط حريتها بل حياتها أيضا، لأن هناك "قوى رجولية" تعتبر نفسها "قوة" تريد الاستيلاء على حقوق المرأة بكل شكل من الأشكال. يمكن القول على هذا الأساس أن حرية وحقوق وحياة السيدة مروة الشربيني قد استولت عليها إرادة فاشية فردية قضت على حياتها في ألمانيا التي تعتبر مثالا متقدما في الديمقراطية، بينما استولى جهاز دولة قسري على حرية لبنى حسين في السودان.

كما تتيح مظاهر كثيرة من انتهاكات حقوق المرأة في العراق وأفغانستان والصومال وغيرها لتأكيد أن مجتمع الذكور ما زال يصنع أدواته لتقييد حرية المرأة وحقوقها الإنسانية. هذا الواقع يفرض علينا العودة إلى دراسة العلاقة بين الحرية وقضايا المرأة، بين الديمقراطية وحريتها. هذه العلاقة تحتاج إلى مواصلة الدراسة العميقة والتفصيلية من قبل الباحثين في شؤون التطبيقات الديمقراطية لمتابعة الجهود التي بذلت بهذا الصدد منذ أكثر من قرنين من الزمان حين بدأت (ماري ولستونكرافت) أول محاولة نسائية جادة للبحث في موضوع (علاقة الحرية بقضية المرأة) في كتابها الشهير حول الدفاع عن حقوق المرأة في عام 1792 ويظهر نفس الارتباط في أعمال (جون ستيوارت ميل) و (هاريت تايلور) في إعمالها (حول إخضاع المرأة) في 1869 حيث أوضحا ((التناقض بين القيم الديمقراطية الليبرالية من ناحية وقهر المرأة من ناحية أخرى، إلاّ أن النظرية الليبرالية تعرضت لانتقادات حادة من جانب الفكر الاشتراكي النسوي وحتى من الجانب الراديكالي فقد عابا على التوجه الليبرالي فرديته وإغفاله لعلاقات القوى القائمة فعلياً في الواقع ومخاطبته الوسطى في الأساس)) . أما أذا عدنا إلى التاريخ الإنساني الشرقي القديم فيمكن تلخيص وضع المرأة في المجتمع الإنساني بصور بائسة عديدة يمكن الإشارة الى بعضها:

(1) نموذج السيادة الذكورية:
كانت السيادة فى الدولة السومرية الأولى (2400 ق.م.) للرجل، وكان للمرأة بعض الحقوق المالية مثل حق التملك والأجر من العمل،وكذلك حق الميراث إذا لم يوجد ذكور في الأسرة،وكان للمرأة في هذا المجتمع حق الزواج بأكثر من رجل في آن واحد (تعدد الأزواج) وأُبطل هذا القانون في الدولة السومرية الثانية.

أما فى بابل ــ حسب شريعة حمورابى ــ فكان للزوج حق إهمال و تطليق زوجته متى شاء وليس للمرأة ذلك الحق، كما عرف تعدد الزوجات، كما ساد نظام عاهرات المعابد خدمة لزوار المعابد والكهنة وإرضاء للآلهة.

وعانت المرأة في البلاد الفارسية من تدنى منزلتها دون الرجل وكان لها بعض الحقوق مثل حق الميراث والتملك إذا كانت من طبقة عالية. وساد في المجتمع الفارسي الزواج بالأخوات والأمهات.

(2) إخضاع المرأة للفلسفة الدينية:
الديانة الهندوسية وضعت المرأة فى مفهوم دونى أُلبسوها فلسفة دينية وهو أن الإله "تواشترى "خلق المرأة من بقايا خلق الرجل فهي بذلك دونه فى المنزلة.

المرأة لدى الهندوس رمز الغواية والشر للرجل وهى ــ حسب عقيدة مانو ــ "خلقت للزينة والفراش والتجرد من الشرف وهى مخلوق دنس كالباطل ذاته ومصدر الرذائل". وحُرمت المرأة الهندوسية من حق الملكية والارث (أسوة بالعبيد) واستمر هذا الوضع حتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين عندما عدل قانون الأحوال الشخصية فى الهند إذ رأى بعض مثقفى الهند أن الإسلام قد أعطى المرأة حقوقا كاملة قبل 1400 عام.

سادت فى الهندوسية القديمة عقيدة "ساتى" وهي "حرق الأرملة بعد وفاة زوجها وفاء منها له، حتى منعها الإمبراطور (أكبر شاه) إذا كانت ضد رغبة المرأة، وعند أولئك الذين لا يحرقون المرأة كان على الأرملة عمل كل ما يحبه زوجها أثناء حياته وأن لا تنظر إلى الرجال بقية عمرها وتقتات على الفواكه والأزهار ليضمر جسمها".

ساد الزنى من خلال نظام "خادمات المعابد" حيث كان من العرف والواجب على المرأة الهندوسية قضاء جزء من حياتها كمومس في المعابد لإسعاد الزوار والكهنة وجلب المال للمعابد إرضاء للآلهة، كما ساد نظام اتخاذ الخليلات، وفى بعض القبائل الجبلية في الهند كانت الزوجة مشاعا بين الأخوة.

(3) نموذج المرأة تحت وصاية والدها:
مع أن المجتمع الاغريقى كان متقدما فكريا لأنه قام على أنقاض حضارات سابقة مثل حضارة بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي النيل إلا أن وضع المرأة لم يكن بأفضل مما هو عليه فى الحضارات الأخرى، ففي أثينا بقيت المرأة تحت وصاية والدها حتى زواجها وهى وصاية سلطوية كان للأب فيها كامل الحق في تزويج ابنته من شاء ومتى شاء وكذلك التصرف المطلق في أموالها وبعد الزواج تنتقل السلطة إلى الزوج .

كانت المرأة محرومة من التعليم إلا الموسيقى والرقص وما يتصل بعملها كزوجة وأم في المستقبل كالطبخ والحياكة.

في كل التاريخ البشري تحت ظل النظام الإقطاعي والرأسمالي الكلاسيكي كانت المرأة ناتجا ثانويا تابعا للرجل وحقوقها اقل من حقوقه. وفي العصر الرأسمالي الحديث تنامت حركة الحقوق النسوية واتسعت نضالات المرأة حتى حققت الكثير من الحقوق في العصر الحديث خصوصا في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.

وجه الفكر الاشتراكي انتقادات لمفهوم (المساواة) كما يطرحه الاتجاه الليبرالي ورأى أن قهر المرأة يرتبط بالنظام الرأسمالي وان الرجال داخل هذا النظام هم بدورهم فئة مستغلة وأنهم كانوا وكلاء لهذا النظام الاستغلالي. هكذا فان الحديث عن المساواة مع الرجال كما يطرحه التيار الليبرالي لا معنى له من وجهة نظر التيار الاشتراكي ما دامت هذه الفئة بدورها مهدورة الحقوق داخل نظام يسوده الفساد.

تطورت النظرة العامة للمرأة مع تقدم وانتشار الفكر الاشتراكي بانتشار أفكار كارل ماركس وفريدريك انجلز حيث صارت النظرة إلى مكانتها وحريتها تقاس على أساس موقعها في الميدان الاقتصادي أي النظرة إلى الفاعل الاقتصادي في ممارسة المرأة لوظيفتها في الإنتاج والاستهلاك والتوظيف ونسبة ما تتقاضاه من الأجور قياسا إلى ما يتقاضاه الرجل. لقد أعتبر التيار الاشتراكي النسوي ( (أن النظام الأبوي مرتبط بالنظام الطبقي في المجتمع وانه حالة خاصة من علاقات القوى بين الطبقات في نظام الملكية الخاصة وانه يأتي أخيرا في مرتبة ثانوية بالنسبة للطبقات) ) .

من الناحية الجوهرية ظلت قضية المرأة تتأرجح بين الرموز الدينية القريبة والرموز الاقتصادية البعيدة إذ ظلت قضية حريتها مثل حقوقه تمس الخاص والعام وربما من هذه الزاوية يكمن طابعها الإشكالي. الحرية فيها اقرب الرموز وأبعدها.

الصورة العامة السائدة في الوطن العربي، حاليا، تعكس بوضوح تقلص الحضور السياسي للمرأة وتقلص مشاركتها في السلطة التنفيذية والقضائية إضافة إلى تقلص دورها ووجودها في السلطة التشريعية وضعف مساهماتها في الانتخابات النيابية أو انتخابات المجالس البلدية أو غير ذلك من الانتخابات، فالوعي الاجتماعي والديمقراطي ما زال متأثرا بالفكر المتخلف الموروث.

تعاني المرأة العربية من مشاكل ثقافية تضعها في الرفوف المتأخرة من قضية الديمقراطية. وقد حدد د. جابر عصفور مشكلات عديدة هي:

1) الميراث الثقافي التقليدي الجامد.
هذا الميراث لا يزال مهيمناً بنزعاته المتحجرة على المجتمع. ميراث لا يزال ينظر إلى المرأة على أنها ناقصة عقل ودين مستنداً في ذلك إلى موروثات متناقلة من جيل الى جيل والى تأويلات بشرية مغلوطة لنصوص دينية، والى نظرة متعصبة تبرر كل شيء على أساس الماضي. لا تكف عن تحقير النساء وسوء الظن بهن والتقليل من شأنهن وضعف آرائهن وإنزالهن إلى أسفل الدرجات.

2) التمييز بين الرجل والمرأة في المكانة الاجتماعية. فالزوج وفق الموروثات هو الحاكم المطلق. وعلى المرأة الطاعة والإذعان والتبعية.

3) غياب الحرية السياسية عن المرأة في الأقطار العربية ولو بدرجات متفاوتة الأمر الذي ينعكس به القمع السياسي على المجتمع وبخاصة على الرجل.

4) تصاعد تأثير المجموعات الاجتماعية الضاغطة الموازية لسلطة الدولة المدنية والمناقضة لها في الوقت نفسه، وأوضح ما يكون ذلك في مجموعات التطرف الديني التي تعادي حرية التفكير والإبداع، وتناهض كل ممارسة اجتماعية خلاقة للمرأة، كما تقاوم كل ما تسعى أليه من تقدم، وهي مجموعات أسهمت في تصاعد درجات العنف في المجتمع سلوكاً ومخاطبة وأفعالاً، كما أسهمت في تكريس تقليدية الخطاب الديني ونمطيته وعدم تجديده بما يواكب متغيرات العصر.

5) تكريس التمييز بين الرجل والمرأة وخاصة من قبل الأنظمة التعليمية وتأكيد الموروثات التقليدية الجامدة التي تسهم في إشاعتها أجهزة الأعلام مما يفرض المطالبة بتغيير جذري في مناهج التعليم وعلى كل المستويات.

6) إشاعة الثقافة المتخلفة عن مكانة المرأة لحراسة القيم الجامدة والعادات المتحجرة. تعمل معظم الدول النامية على إنشاء ما يسمى (دولة المؤسسات) ويتكلم مسؤولوها في كل المناسبات عن فوائد تأسيس دولة عصرية دائمة. يقال أنها (دائمة) لأن مادة الفكر الانقلابي (العسكري خاصة) ببواعث عديدة ومختلفة تهدم بنياناً ديمقراطياً بساعات كما أحدثه في الباكستان المعنى الانقلابي لحركة الجنرال برويز مشرف. فهل من الضروري إنشاء مثل هذه (الدولة الدائمة) في زمن التغييرات الدولية الكبيرة أي هل باستطاعة هذه المؤسسات الدستورية تحديد مفاهيمها وأعمالها المعقدة والتفاعل مع كل جديد في الداخل والخارج..؟

أن الاهتمام الشائع بدولة المؤسسات يعكس، في الحقيقة، تجاوباً مع التيار الديمقراطي، لكنه تجاوب (إعلامي) بمعنى استخدامه في الدعاية الحكومية، أو الحزبية، أو الانتخابية. أما التطبيق فيعتبر أقل النسب في هذا الاهتمام.

أهم نقطة في أحكام الدستور الديمقراطي الغربي هي (كفالة) عمل المؤسسات الدستورية المنبثقة عن مبادئ الديمقراطية، وإذا ما تأكد لدى ثقافات الدول النامية بأن الديمقراطية (منهج) وليست (عقيدة) فأن الأساس الواقعي للمؤسسات الدستورية يقوم على ما يلي:

1 ـ أن دولة المؤسسات تبقى قائمة وعاملة مهما كانت التقلبات السياسية، والإدارية،والاقتصادية،والاجتماعية، ومهما تغيرت الحكومات، والقيادات الحزبية الفاعلة في الدولة.

2 ـ إن إنشاء المؤسسات أو دولتها لا يتم بالمزاج أو الرغبة أو بالمصادفة أو غصباً عن قيادات وطنية مهيمنة أو غير مهيمنة، بل أن إنشاءها يتطلب وجود عقلية وذهنية مناسبة ومتطورة على رأس هرم الدولة تعكس ممارسة في السياسة والإدارة على كل المستويات، فلا ديمقراطية من دون ديمقراطيين. إنشاؤها يعني ان على الجميع ان يعمل ضمن القوانين الشاملة والعادلة والمؤسسات القوية المستمرة،أي تحت سقف صلد من القانون.

3 ـ تنجح المؤسسات الدستورية وتصبح مع الزمن عاملاً رئيسياً من عوامل تغيير المجتمع إذا اقتنع الشعب بها وتغلغل دوره في أعماقها، وإذا أصبح رقيباً،بواسطتها، على المسؤولين لتوطيد اتجاه ووسائل اعتمادها وتطبيقها وإذا اختارهم على أساسها وحاسبهم على أعمالهم في هذا الخصوص.

4 ـ إن دولة المؤسسات لا تأتي من الطبيعة أو تفرض بأوامر فردية بل هي عملية تطويع جماعية لحياة الأفراد، وفقاً لمبادئ القوانين والمساواة، والمؤسسات الدستورية تنبع من القاعدة، تمارس من الجميع دون استثناءات بدءاً من رأس الهرم نزولا.

السؤال هنا: أين تكمن الضرورة في وجود المؤسسات الدستورية..؟

أكدت تجربة الديمقراطية في العالم الغربي، التي استغرقت أكثر من قرنين لكي تكتمل مقوماتها، أن هناك متطلبات مسبقة اقتصادية واجتماعية يجب تهيئتها. فماذا عن الديمقراطية في بلدنا التي تتميز ببدائية الزراعة وعدم وجود القاعدة الصناعية، وانخفاض الدخل الفردي، وقلة استهلاك الطاقة الميكانيكية، ووجود نسبة عالية من التضخم، وارتفاع نسبة الأمية، وانخفاض المستوى الصحي، وارتفاع نسب الوفيات، وزيادة معدلات النمو السكاني..!

مهما كانت نجاحات تطبيقات الديمقراطية في هذا البلد الغربي أو ذاك، إلاّ أنه لا يجب أن يفهم أن تلك النجاحات يمكن أن تحدث بنفس المستوى او السرعة او التأثير في البلدان المتخلفة، أو يفهم معناها أن يعم الرخاء والرفاهية على المواطنين، أو تحقيق المساواة الفعلية. أنها ليست عصا سحرية قادرة على قلب البلد المتخلف إلى بلد متقدم.

وإذا كانت هناك فوائد سياسية واجتماعية وإنسانية لدولة المؤسسات فهل لها منافع اقتصادية..؟

لا شك أن الديمقراطية عنصر إيجابي وأساسي في الاتجاه نحو القضاء على التخلف الاقتصادي، وهي أيضاً شرط من شروط النجاح الاقتصادي الفردي والجماعي واقتصاديات الدولة أيضاً.

في ضوء تجارب بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة وفي ضوء تجارب (مشروع باندونك في خمسينيات القرن العشرين) في تنمية دول العالم الثالث في الخمسينيات والستينيات يبدو أن لا عودة لتركيز السلطة الاقتصادية والاجتماعية بيد الدولة والقلة المسيطرة عليها في بلد متخلف لأن ذلك يعيق تطور التطبيق الديمقراطي بصورة صحيحة.

تفسح الديمقراطية طريقاً واسعاً للاستفادة من منجزات العلم والتكنولوجيا كلما تخلصت الدولة من أساليب تركيز السلطة بيد القلة الحاكمة، أو بيد الطبقة الحاكمة.

أن الغاية التي تستهدفها الدولة القائمة على المؤسسات الديمقراطية هي من دون شك التنمية الاقتصادية وتحسين شروط حياة المجتمع. لذلك فأن الصفة الأساسية لدولة المؤسسات يمكن أن تأخذ بالاعتبار أفكار د. لويس حبيقة الأستاذ بالجامعة الأميركية ـ بيروت التالية:

1- يؤثر وجود المؤسسات الدستورية كثيراً على كلفة المبادلات والإنتاج. وتلعب المؤسسات دوراً في تحديد فوائد وكلفة ومزايا التبادل الاقتصادي في المجتمع.

2- يقول دوكلاس نورث الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 1993 ان المؤسسات هي جزء من قواعد اللعبة في المجتمع ومنها تتحدد طريقة وسرعة تطور هذه المجتمعات.

3- ينتج عن وجود المؤسسات الدستورية أتساع الأسواق أي ازدياد المنافسة. وهذا يسمح بانتظام العلاقة بين فرقاء الإنتاج، وبالتالي بازدياد التبادل السلعي والخدمي في ما بينهم.

4- وجود المؤسسات يعطي الضمانات لأطراف العقد بحسن التطبيق إذا ما وقعت خلافات أو تباينات في وجهات النظر. هنا تكمن أهمية مؤسسات القضاء الفاعلة والمحايدة التي توحي بالثقة والتي تلزم الأطراف تنفيذ القرارات القانونية. كما أصبح اليوم للتحكيم الصادر عن مؤسسات دولية كبيرة ومعروفة دور كبير في بحث الخلافات السياسية والاقتصادية بين الأفراد (قضية كلينتون ومونيكا لوينسكي) والمؤسسات (قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن الخلاف حول انتخابات الرئاسة الأميركية بين جورج بوش وأل كور..) او حتى بين الدول نفسها (محكمة لاهاي في الخلاف البحريني القطري بشأن الجزر الحدودية) .

5 ـ إيمان المواطنين بحسن سير المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية يدفعهم الى القيام بمزيد من التبادل، والى مزيد من الاستثمار والاستهلاك.

6 ـ تسهم المؤسسات في ايجاد الأسواق الفاعلة والحوافز المناسبة لاكتساب المعلومات والتعليم، والتدريب، كما للأبداع التجاري والزراعي والصناعي.

الديمقراطية، في ظل كل الظروف، تحتاج الى مقوماتها الأولية لكي تظهر وتتطور وتتنفذ. مع كل هذا فإنها، في ظل نظام برلماني أو رئاسي، أو كانت انتخابية أو ليبرالية، تحتاج الى البيئة المناسبة لوجود المؤسسات الدستورية، ولا توجد البيئة إلاّ باحترام مبدأ سيادة القانون وتطبيق المساواة القانونية، ,احترام حقوق الإنسان، ونشر التعليم بكل مراحله، واحترام حرية التعبير، والسماح بتشكيل التنظيمات الاجتماعية والنقابية والحزبية، والفصل بين السلطات الثلاث، وممارسة أجهزة الرقابة على أجهزة الحكم، وإقرار التعددية السياسية على أسس غير قبلية وغير مذهبية وغير طائفية، وتأمين مستوى لائق من الكرامة والحاجات الأساسية والخدمية للمواطنين، وتوسيع نشر الثقافة السياسية والآداب والفنون.

لقد ظهرت عدة مظاهر وتعريفات وتقسيمات خاصة بالديمقراطية، وحمل قاموسها مصطلحات عدة يمكن تعداد بعضها:

(1) الديمقراطية النيابية

(2) الديمقراطية الليبرالية

(3) الديمقراطية المركزية (لدى الأحزاب الشيوعية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي)

(4) الديمقراطية الشعبية (في الصين الشعبية وفي دول أوربا الاشتراكية سابقاً) ..

(5) الديمقراطية الاسلامية فقد اعترفت حركات إسلامية عديدة، خلال العقدين الماضيين، إلى هذا الحد أو ذاك، بوجود طموحاتها في ديمقراطية إسلامية. و ان بعض الأحزاب الإسلامية في كثير من الدول الإسلامية صارت تدعو إلى الديمقراطية والى شكل من الأشكال البسيطة لحرية المرأة المسلمة بعد ان ظهرت الكثير من التجاوزات على حرياتها وحقوقها خاصة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي منعوا عنها حتى ارتداء بناطيل الجينز.

هذه ميزة غير متوفرة في البلدان العربية بما فيها العراق، بالرغم من أن قانون حمورابي الذي سنه العراقيون منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة دعا إلى العدل، والتخلص من الفساد، وحماية الضعيف من ظلم القوي، وحماية حقوق المرأة، وتنظيم شؤون المجتمع. وبالرغم من أن قيم ومبادئ الإسلام قد ركزت على المساواة والحرية، والعدل، وعدم التمييز بين الناس، وضمان حقوق الإنسان، إلاّ ان العراق لم تتعين (تجربته..!) الديمقراطية عن طريق التراكم.، إذ انتشرت الأفكار الديمقراطية وتبلورت تجاربها خلال الموجة الأولى من الثقافة التي نشرتها الأحزاب الوطنية واليسارية والحزب الشيوعي العراقي منذ أربعينيات القرن الماضي، ويعود فضل ما في هذه النتيجة الى الطلبة العراقيين الذين كانوا قد تلقوا تعليمهم خارج العراق وإلى برامج بعض الأحزاب التقدمية مثل الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي (حزب كامل الجادرجي) والحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب مصطفى البارزاني)، كما يعود للإشعاع الفكري الحر في الإنتاج الثقافي لصحف بيروت ومطابعها التي كانت تدخل إلى العراق خلسة وعلانية.

لقد وجدت أول بنية للديمقراطية في العراق، خلال (الموجة الأولى) منها، بصورة محدودة، وكان الديمقراطيون في غالبيتهم مبشرين حقيقيين لها لكنهم متواضعين في تطبيقها، فلم يكن للديمقراطيين الأوائل ميول للصعود إلى السلطة واستلامها، بمعنى أنها كانت لدى أغلب حامليها مجرد وجهات نظر. كانت الأسئلة حولها وحول تفاصيلها كثيرة، وظلت الأجوبة تلتمس التجربة الذاتية. حتى الوقت الحاضر ما دامت الذاتية هي التي تميز الطريقة والمبدأ الضمني لأجوبة الأسئلة في هذه المرحلة أو تلك وظلت الصلة بين الديمقراطية والحكم تكاد تكون مقطوعة خلال ثمانين عاماً. النتائج التطبيقية على هذا الضوء بقيت منحصرة في حدود الذاتية المنعزلة داخل (حزب واحد.. أو شخص واحد.. أو مجموعة واحدة..) . و أظن ان الحق يدعونا أن ندرس أولاً مسمر بلدنا منذ ستة قرون بأوضاع قلقة فيها الكثير من الغزو الأجنبي والعدوان والاحتلال مما أدى إلى أيجاد نظام قبلي، وقد حاولت الكثير من الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق الإبقاء على حالة القبلية وأعرافها وتقاليدهاتوى مجتمعنا الحالي من جميع الجوانب والتسلسلات والمؤسسات وشبكات المصالح الاقتصادية والطبقية، ومن ثم ندرس حاجته الاجتماعية والسياسية إلى اللون الديمقراطي المطلوب.

لقد مر بلدنا منذ ستة قرون بأوضاع قلقة فيها الكثير من الغزو الأجنبي والعدوان والاحتلال مما أدى إلى أيجاد نظام قبلي، وقد حاولت الكثير من الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق الإبقاء على حالة القبلية وأعرافها وتقاليدها، التي تحولت في كثير من الحالات والأماكن والأرياف إلى بديل عن القوانين. ولا يمكن نسيان أن عملية الفتك بحسين كامل وصدام كامل عام 1996 تنصل عنها نظام حزب البعث العربي الاشتراكي بعد ان ألقى جريمة الفتك على عاتق " عشيرة " المجني عليهما التي هي نفس عشيرة رئيس الجمهورية السابق صدام حسين.

تحدث قادة نظام صدام حسين عن الديمقراطية وتطبيقاتها، كما جرت، عدة مرات ممارسة انتخابات (المجلس الوطني) واعتبرت من قبل أجهزة النظام شكل من أشكال الممارسة الديمقراطية البعثية. لم تكن تلك الممارسة مصحوبة بتزوير أو تدخلات واضحة أو سافرة، لكنها كانت موظبة بطريقة أمنية مضمونة تتيح فوز من تراه الأجهزة الأمنية مناسبا لعضوية البرلمان البعثي.

لم يكن المواطن العراقي، آنذاك، قد وضع الانتخابات وأهدافها وأساليبها في اعتباراته الجدية ولم تبدُ له الانتخابات طريقاً يؤدي الى الديمقراطية أو الى حلول لمشاكله ومشاكل مجتمعه المعقدة ولا حتى إلى أي شكل من اشكال الحلول الواقعية لقضية تحرير المرأة. فالقلق السياسي والخوف من الجوع والبطالة والموت، خاصة في فترات الحرب مع إيران والحصار الاقتصادي، لا تساعدان حتى على ظهور الحد الأدنى من الحس الوطني أو من اهتمام المواطن بشؤون الدولة، التي صارت في زمن طويل عمره 35 عاما دولة عائلة واحدة وفرد واحد. بينما تبقى نفس الدولة التي خاضت مجابهتين عسكريتين في عقدين من الزمان عاجزة عن حل المشكلة الرئيسية اليومية للمواطنين وتدبير لقمة العيش لهم. ومع بقاء هذه المشكلة اليومية فأن الثقة الشخصية في إنسان يرشح نفسه للبرلمان أو لقيادات عليا في الحزب أو الدولة تغدو مسألة لا يؤمل من ورائها أي نتيجة إيجابية فلا يعيرها المواطن اهتماماً بقدر ما يؤدي واجباً (مجبرا عليه تحت ضغط الأجهزة الأمنية الصدامية) انتخابيا هامشياً في حياته خوفاً من إجراءات الدولة القهرية في حالة (المعارضة) أو حتى (الممانعة) في المشاركة الانتخابية.

لقد أخذ حاكم الدولة العراقية منذ الربع الأخير من القرن العشرين (المُلك) كله، وادّعى انه وريث آبائه وأجداده في أرض الوطن. في صوته نبرة لويس الرابع عشر يحاول رسمها بنبرة صلاح الدين الأيوبي، يعتبر نفسه حلقة هامة في سلسلة الربط بين ماضي الأمة العربية ومستقبلها. أحتكر لديه ولنفسه التقاليد والعادات والمعتقدات، الدينية والسياسية، وأصبح هو صائغ المراسيم وآمر تنفيذها. لم يعد يفكر إلاّ في نفسه وفي سلطانه، معتمداً على أجهزته الإعلامية التي تصوره بأنه الأب، والقائد، والرمز، والإنساني، الذي لا يكرس وقته إلاّ للشعب.

باختصار يمكن تحديد وضع المرأة العراقية في عهد صدام حسين وحزب البعث بالصور التالية:

(1) ربات البيوت القيادية أي زوجات قادة الحكومة والحزب ابتداء من زوجة الرئيس صدام وزوجات الوزراء وزوجات أعضاء مجلس قيادة الثورة وأعضاء جميع مكاتب الحلقة الاولى المحيطة بالرئيس. هؤلاء النسوة كن محظيات لدى الدولة يتمتعن بامتيازات خاصة لا تعد ولا تحصى.

(2) المرأة الحزبية أي عضوات حزب البعث الحاكم ولهن حظ من الحرية والامتيازات الشخصية و الاحترام في اجهزة الدولة كافة.. كما لهن حق التمتع بالسفر إلى أي دولة في العالم بدافع السياحة والتسوق.

(3) المرأة الموظفة وأكثرية هذه الفئة غير منتميات للحزب الحاكم مما جعلهن مجرد منفذات لخطط الحكومة وحزبها.

(4) الفتاة الجامعية كانت في غالبيتهن تحت سيطرة وتوجيه المنظمات الطلابية البعثية وأجهزة الأمن الجامعية وكن يجبرن على الانتماء إلى الحزب الحاكم كشرط لقبولهن في الجامعة سواء كانت استاذة جامعية او طالبة جامعية. تظل الجريمة الغامضة في مقتل الأستاذة الجامعية التقدمية الدكتورة حياة شرارة مثالا بشعا لقمع المرأة المثقفة في العراق.

(5) المرأة اللعوب. نشأت في العراق طبقة المحظيات (العشيقات) وهن مومسات أو راقصات ومغنيات غجريات او غيرهن يقدمن اللهو والمتعة لقادة النظام من كبار القادة العسكريين والقادة الحكوميين والبعثيين امثال عدي وقصي نجلي الرئيس صدام حسين وبرزان التكريتي وسبعاوي وصدام كامل ووطبان ابراهيم وغيرهم من القادة في المحافظات كافة. وقد أصبح لأولئك المحظيات دور كبير في جميع خطط الأجهزة الأمنية واعمال التجسس. كان لهن حظ من التعيين في المراكز التجسسية والسفر والتسوق من الأسواق الحكومية الخاصة وكذلك الرقص والغناء داخل احتفاليات العائلة الحاكمة، ولكن لم يكن لهن احترام في المجتمع.

(6) اكثرية نساء المجتمع. الأرامل اللواتي تكاثر عددهن مع ازدياد الحروب الخارجية والداخلية ومع اتساع حملات القمع البوليسي وقد تجاوز عددهن حتى الان 3 ملايين ارملة ولم يكن لهن حقوق البتة.

(7) منعت المرأة العراقية طيلة عقود من الزمن من ابسط حقوق المواطنة وهو حق السفر وتم الاشتراط عليها بمصاحبة رجل محرم.

في بعض الدول العربية والدول الإسلامية يوجد حاليا بعض التحرك الايجابي لربط حقوق المرأة. ففي3 أيار/مايو، 2007- احتلت النساء مكان الصدارة في المؤتمر السنوي الثامن لمركز دراسة الإسلام والديمقراطية (مداد) في واشنطن وأعربن عن آرائهن في ما يتعلق بحقوق المرأة في الإسلام والمجتمعات الإسلامية.

لقد شكلت النساء غالبية الحضور في المؤتمر المذكور الذي عقد في 27 نيسان/إبريل 2007 وكان جميع المشاركين في جلساته تقريباً من النساء في الاجتماع الذي استمر يوماً واحداً في حين كان جميع مديري الحوارات من النساء، باستثناء واحد فقط.

لقد تراوحت الشخصيات المشاركة في الحوار ما بين أستاذة حقوق في جامعة رتشموند استشهدت كثيراً بالقرآن الكريم لإثبات صحة رأيها القائل إن القرآن يؤيد المساواة بين المرأة والرجل وسيدتين كنديتين تحدثتا عن تجربتهما الشخصية في استقطاب سيدات من الأقلية المسلمة في كندا للانخراط في العملية السياسية في ذلك البلد الديمقراطي. وكانت المشاركات الأخريات من بريطانيا وإيران والفليبين.

اختلف هذا المؤتمر من حيث تركيزه على قضية واحدة بعينها عن جميع المؤتمرات السابقة لمركز دراسة الإسلام والديمقراطية، وهو منظمة غير ربحية تتخذ من واشنطن مقراً لها، التي كانت تعالج فكرة تساوق الإسلام مع الديمقراطية الأوسع.

أشار رئيس المركز، رضوان المصمودي، في كلمته الافتتاحية في المؤتمر إلى ما وصفه بأنه سوء فهم أساسي حول قضية حقوق المرأة في الإسلام، "في العالم الإسلامي وفي الغرب على السواء."

عاد المصمودي إلى جذور الإسلام مشيراً إلى أن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أكد في خطبة الوداع على حقوق المرأة وحث جميع المسلمين على ضمان تساوي المرأة بالرجل. ولكنه أقر بأنه " في حين أن الإسلام منح المرأة حقوقاً كانت ثورية قبل 1400 سنة، مقارنة بالديانات والحضارات الأخرى،... إلا أنه لم تتم المحافظة دوماً على ذلك الوضع للأسف. " مضيفاً " لقد أصبحنا الآن، للأسف،... متأخرين عن الثقافات الأخرى في هذا الميدان. "

تركزت في هذا المؤتمر مثلما في غيره من المؤتمرات الاقليمية والمحلية أفكار رئيسة أخرى عن علاقة الديمقراطية بحقوق المرأة وكرامتها الإنسانية أجملها بما يلي:

(1) إن المؤتمرات النسوية في كل مكان تعتبر بمثابة جبهة واحدة في "معركة أفكار حول ما يعنيه الإسلام في القرن الحادي والعشرين" تتصدى "لآراء المتطرفين القائلة إن الديمقراطية وحقوق المرأة مخالفتان للإسلام" .

(2) علينا أن نظهر أن الديمقراطية وحقوق المرأة ليستا متساوقتين فقط مع الإسلام وإنما يأمر بهما الإسلام. هذا هو ما يفرضه الإسلام وهو أمر بشر به الدعاة المتنورون من الإسلاميين منذ القرن التاسع عشر.

(3) لقد تم إسكات النساء في معظم المجتمعات المعاصرة في العالم العربي، لذلك آن الأوان لأن تخرج المرأة العربية عن صمتها وتعاضد مع نضال أشقائها من الرجال الذين يجاهرون بما يعرفون أنه صحيح في الدين الإسلامي، الذين يجاهرون بالحاجة إلى إحلال الديمقراطية في مجتمعاتنا.

(4) ضرورة تطوير السمات المحددة للديمقراطية داخل المجتمع الإسلامي إذ يتعين أن تكون الديمقراطية نابعة من الداخل، وأن تتم تنشئتها ورعايتها، ولا يمكن فرضها على أي شعب.كما ان من المهم ان تعي الأحزاب الإسلامية ذات النهج الديمقراطي أن حرية المرأة وتأمين حقوقها أمر ضروري كضرورة المياه الجارية في نهري دجلة والفرات بالنسبة للعراقيين.

(5) نظراً لكون المرأة هي المسؤولة عن تربية وتعليم الأولاد " فهي التي تقرر مستقبل المجتمع الإسلامي " مما يجعل معاملتها كشريك كامل إلى جانب الرجل أمراً حيوياً لمستقبل العالم الإسلامي.

(6) تنمو في العالم الإسلامي كله حركة نسوية إسلامية (تطالب بالمساواة السياسية والاقتصادية بين الجنسين) غير ان هذه الحركة ما زالت فتية ولكنها قوية وسريعة النمو. وهي بالتالي يجب أن تسمح للمرأة بدور القيادة في هذا الجهد (الرامي إلى تحقيق المساواة).... إن الحقوق لا تُعطى أبداً، إنها تؤخذ دوما.... " لن يأتي من يقدم لكن حقوقكن على طبق من فضة يا نساء العراق".

أشارت السيدة إريكا باركس- رغلز، نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، في ملاحظاتها الاستهلالية للمؤتمر المذكور، إلى كونها تجولت في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، و"أُعجبت جداً بقوة وذكاء وثقافة وتصميم النساء على لعب دور هام في مستقبل مجتمعاتهن."

وقالت إنه "أصبح يتم سماع آرائهن بشكل متزايد. ونحن ننسى أحياناً كم من الأمور تغيرت في السنوات القليلة الماضية" في المنطقة. ونوهت، في مجال المشاركة بالعملية السياسية، بالتقدم الذي تم إحرازه- في مجال التصويت ومجال الانتخاب لشغل منصب، أو في المجالين معا- في كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت والمغرب والأردن وحتى في إيران. وأضافت أن بعض النساء هناك أصبحن يشغلن مقاعد في البرلمان في حين "تظاهرت أخريات بنشاط في السنوات القليلة الماضية" رغم إجراءات الحكومة الصارمة وقيامها بسجنهن.

أردفت: "كان من دواعي سروري" في جميع أنحاء المنطقة، "تعاوني مع النساء اللاتي يتصدرن الجهود الرامية إلى تحسين التعليم والرعاية الصحية وتوفير التدريب الأفضل كي تتمكن المرأة من لعب دور في الاقتصاد العالمي الجديد، وإلى ضمان إنصاف النساء والأطفال في مجتمعاتهن."

أضافت باركس-رغلز، في سياق استعادتها لأحدث اجتماعات في الأردن في العام 2006، أنها وجدت "ما تقوم به تلك النسوة... تعزيز مهارات النساء في مجتمعاتهن المحلية ومنح النساء والفتيات فرصة المشاركة بشكل تام في حياة أسرهن، وفي مجتمعاتهن المحلية، وفي مجتمعهن العام، مثيراً جداً للإعجاب."

كما أكدت المسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية، مثلها في ذلك مثل المصمودي، على أنه يتعين أن تكون الجهود الناجحة لزيادة حقوق المرأة " مدفوعة من الداخل، من أي من المجتمع المحلي من اجل المجتمع المحلي نفسه " مع قيام المؤسسات الخارجية بدور مساند فقط. ومضت إلى القول: "نريد نحن...في الحكومة الأميركية، العمل ضمن شراكة مع تلك الحكومات ومع المجتمع المحلي وقطاع الأعمال والمواطنين العاديين أثناء عملهم على تشييد مجتمعات تحترم حقوق جميع مواطنيها وتوفر فرصاً لجميع مواطنيها. ونحن نريد القيام بذلك بطريقة تحترم الحساسيات والثقافات المختلفة... ونريد القيام بذلك أثناء تركيزنا أيضاً على " الحقوق الأساسية الجوهرية " الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الحقوق في مجالات حرية الكلام، والاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، والخصوصية، والتعبد وإقامة الشعائر الدينية، والمساواة أمام القانون.

كل ما تقدم من كلام وقرارات المؤتمر الذي أشرت إليه هو أمر في غاية الأهمية لكن الشيء الذي يجهد الديمقراطيون العرب لمعرفته هو مدى قدرة هذه المؤتمرات والمواقف على توليد طاقات حقيقية فاعلة ومحركة للحركات النسائية في الدول العربية والإسلامية ومنها العراق. إذ لا يمكن ان نسمع صدى واسعا لهذه اللهجات في الكلام الخطابي داخل أروقة المؤتمرات العالمية والمحلية بل هناك الكثير من الأمثلة الواقعية في بلادنا تشير إلى تراجع مكانة المرأة العراقية بعد سقوط دكتاتورية صدام حسين ووفقا لبرامج وسلوكيات بعض الأحزاب الإسلامية في العراق فان واقع المرأة العراقية قد تراجع مئة مرة عما كان خلال خمسينات القرن الماضي.

يمكن القول انه ليس في عراق صدام حسين فقط بل حتى ما بعد سقوطه ظلت المرأة العراقية بلا حرية حقيقية رغم وجود 67 امرأة داخل البرلمان الا انهن لا يملكن أية قوة حقيقية موحدة لوضع المرأة العراقية في مكانها الذي تستحقه. فالمرأة غير المحجبة تقتل في الشارع أو أمام بيتها والمرأة المسيحية أو الصابئية تختطف وتغتصب ثم تقتل كما جرى ويجري في الموصل وبغداد والبصرة، كما رجمت عام 2006 فتاة يزيدية بألف حجارة لمجرد أنها أحبت فتى مسلما. وفي بعض محافظات العراق انتشرت ظاهرة زواج المتعة وغيره. الأرامل يزداد عددهن وهن بلا ابسط شكل من أشكال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. الأطفال اليتامى يجوبون الشوارع الرئيسة في المدن بحثا عن لقمة العيش فيقعون ضحايا للعدوان الجنسي.

لقد أعلن الرئيس بوش (رئيس الدولة التي احتلت العراق) في إستراتيجيته للأمن القومي وفي خطاب حال الاتحاد العام عام 2007 أن أميركا ستقف دائما موقفا ثابتا إلى جانب الكرامة الإنسانية التي لا مساومة عليها وسيادة القانون والحد من سلطة الدولة واحترام المرأة والملكية الخاصة وحرية التعبير والتساوي أمام القانون والتسامح الديني.

إن وضع قضية احترام المرأة على هذه القائمة أمر له أهمية عظيمة لأنه غالبا ما يطلق اعتباطا على بعض القضايا الثانوية " قضايا المرأة " بيد أن كل القضايا هي قضايا المرأة ابتداء من الحرب ضد الإرهاب الذي يهدد الرجل والمرأة والعائلة على حد سواء الى قضايا الصحة والتعليم والاقتصاد والتجارة. وإن ضمان احترام حقوق المرأة يعود بالخير ليس على الأفراد المعنيين وعائلاتهم فحسب بل إنه يعزز الديمقراطية والازدهار والاستقرار كما أنه يشجع على التسامح وعلى قيام عالم ينعم بالسلام والاستقرار.

المفروض بالبرلمان العراقي سن قوانين رئيسة تتعلق بحقوق المرأة العراقية كما هو المطلوب من جميع الأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني ان تسعى جاهدة وتعثر على حلول للمشاكل التي تؤثر على المرأة بالدرجة الأولى كالعنف المنزلي والتحرش الجنسي والاتجار بالبشر. إن المرأة في العراق الحالي والمستقبلي تحتاج إلى قوانين مدنية وإجراءات عملية حاسمة تحميها من التمييز الاقتصادي ضدها حيث تمكنها هذه القوانين من تحدي ممارسة أي تمييز في التوظيف ضد المرأة. إن الدولة العراقية يجب ان تكون ملتزمة تماما بفتح المجال أمام المرأة للاستفادة الكاملة من تقنية المعلومات وتكافؤ الفرص والحد من النشاطات المخالفة للقانون التي تتم عبر شبكة مافيا الاتجار البشري والتي تتم من خلالها عمليات المتاجرة بأجساد النساء الفقيرات الباحثات عن لقمة العيش، والتي من شأنها المساهمة في الإساءة إلى النساء واحتقارهن إلى أقصى درجة، ووضع برامج حكومية في القرى والأرياف للتعليم والتدريب اللازمين لتمكين النساء من تحقيق قدراتهن الإنسانية وتولي المناصب القيادية.

التاريخ العراقي يظهر لنا حقيقة الانتقال، تدريجيا، في حقوق المرأة من تصور سلبي واضح من قديم الزمان إلى حاضره السكوني، حتى مع وجود تصور ايجابي وديناميكي لبعض حقوق المرأة العراقية في العصر الحالي فحقوق المرأة ما تزال معرضة حاليا رغم قلتها إلى التهديد الدائم والى الاضطراب في تحديدها بسبب ضعف النظام الدستوري الكافل لها والمتكفل بحمايتها إذ لا يوجد في القوانين العراقية الحالية ما يضمن الوقوف فعليا بوجه استعمال السلطات الفردية والجماعية ضدها إذا ظلت حقوق المرأة مجرد حقوق صورية أو وهمية.

فكما هو معروف ان المرأة في الدول الديمقراطية الغربية نالت الكثير من حقوقها في ضوء اطار دستوري وتطبيقي ثابت كوسيلة أساسية من توفير شروط السلم الاجتماعي طبقا للمتطلبات الإنسانية. القول ان المرأة العراقية نالت بعض حريتها بعد سقوط الدكتاتورية عام 2003 يتطلب وجود وسائل مادية وحقوقية وديناميكية ومؤسساتية يخلقها دستور متكامل ضمن حركة جماعية اجتماعية تحقق عدالة أوسع لكل المواطنين، رجالا ونساء.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة