أوقفوا ختان البنات

منى الطحاوي

2004 / 7 / 1

من الصعب ان تلتقي بالابطال في كل حين. ولذا وجدت نفسي أجلس في الجهة المقابلة من الطاولة، ليس مع بطل واحد وانما مع اربعة، ادركت انني كنت محظوظة. اما الاربعة فهم زوجة وزوج من اثيوبيا وشقيقتان شابتان من كينيا. هؤلاء الاربعة ابطال لأنهم وقفوا ضد عبء قرون من التقاليد ليقولوا: «لا» لممارسة ختان الاناث.
عندما تزوجت جينيت جيرما من أديسي أبوسي في كيمباتا باثيوبيا، فانها وضعت على ثوبها شعاراً يقول: «رفضت الختان.. تعلمن مني». أما زوجها، فقد ارتدى شعارا يقول «أنا سعيد جداً بالزواج من امرأة غير مختونة». كانت جينيت قد تمردت على الخضوع لاحدى الممارسات التي تمر بها الفتيات في ذلك الجزء من اثيوبيا: الختان.
أعرف نساء نزفن حتى شارفن تقريبا على الموت اثر عملية الختان وهن في سن السابعة. والممارسة شائعة في بلدي (مصر) وانا اعرف أن محض صدفة في عملية الولادة فقط هي التي ابقتني على قيد الحياة.
كيف نجت جينيت وأديسي؟ الذي حصل هو ان المجموعة النسوية لبلدة كيمباتا ساعدتهما، وهما لا يزالان في المدرسة، على الربط بين الختان والصعوبات التي رأى كل منهما كيف تعرضت لها الأم اثناء الولادة. نجحت جينيت في الهرب من المنزل ونجت من الختان. ثم تبرأت أسرتها واسرة أديسي من الزوجين، لكنهما تماسكا وقررا ان يكون حفل عقد القران علنيا لابلاغ رسالة معارضتهما للختان. لقد حضر نحو الفي شخص حفل الزواج الذي غطته اجهزة الاعلام الاثيوبية بكثافة. ومنذ حفلهما اقدم عشرة ازواج آخرين على السير في الطريق نفسه.
إدنا وبياتريس كاندي، الشقيقتان من كينيا، تستحقان ايضا صفة البطولة. انهما تتحدثان بسعادة كيف انهما لم تنقذا نفسيهما فقط من الختان، بل انقذتا ايضا اربعا من شقيقاتهن، والعديد من الفتيات الاخريات من الختان، بل انهما تستطيعان الافتخار بدورهما في تغيير القانون في بلديهما. وقد بدأت القصة بعدما علمت الشقيقتان من قسيس ان الانجيل تحدث عن ختان الاولاد فقط، فسارعتا الى ابلاغ والديهما بانهما لن ترضخا لعملية الختان.
تقول بياتريس، وهي الآن في الخامسة عشرة: كان والدنا عدوانياً للغاية مما دفعنا الى الهرب من البيت، وقد تخلى عنا المجتمع كله، ومعظم اصدقائنا، لكنهم قبلونا الآن، ومنذ نجاح قضيتنا لم يتم ختان اي فتاة في قريتنا، وانا سعيدة بذلك.
كيف نجحتا؟ بعد هروب بياتريس وإدنا من منزلهما اتصلتا بالمحامي كين وافولا، وهو احد الناشطين في حقوق الانسان ايضا، فساعدهما في استصدار قرار محكمة بحمايتهما، وقد منع القرار والدهما من اجبارهما على الختان. وقادت هذه السابقة الى اصدار قانون في كينيا يعتبر الختان جريمة.
إن جينيت، وأديسي، وإدنا، وبياتريس، اللاتي أتت بهن الى الامم المتحدة منظمة حقوق المرأة (المساواة الآن) هن طلائع حركة صغيرة في منطقة شبه الصحراء الافريقية تكافح هذه العادة التي نادرا ما تتعرض للاسئلة. والواقع ان الختان ليس ممارسة خاصة بدين ما، أو طبقة محددة. انها ممارسة اقدم من المسيحية والاسلام. ويقال ان هناك علامات تدل على الختان تظهر على المومياءات في مصر. وحتى خمسينات القرن العشرين ظلت الازالة الجزئية للبظر توصف كعلاج طبي في اوربا الغربية والولايات المتحدة لامراض الهستيريا والصرع والاختلال العقلي عند النساء.
وتخضع الفتيات للختان في نحو 28 بلداً، معظمها في افريقيا. وقد اتى بعض المهاجرين بهذه العادة معهم الى الدول الغربية. وهي تجرى لاسباب عديدة، ومنها التحكم في الطاقة الجنسية، وتأهيل الفتاة لدخول مرحلة النضج كإمرأة. ويقول الاطباء ان الختان يتسبب في جراح نفسية دائمة، بالاضافة الى الالم المبرح، والالتهابات المزمنة وحالات النزيف، والخراج، والاورام، والتهابات مجرى البول والعقم.
إن على المجتمع الدولي ان يرفع صوته عاليا مطالبا بمنع ختان الاناث. يجب طرح برامج تعليمية لمكافحته وتقديم بدائل للمجتمعات المنتشرة فيها هذه الممارسة. اما هؤلاء الذين يترددون في انتقاد ختان البنات، توقيرا للثقافات الاخرى، فيجب ان يستمعوا الى ما تقوله بوغاليتش غيربي التي تعرضت للختان في سن السادسة: «عندما تؤثر الثقافة بتماسك شخصية الانسان، وعندما تنتهكها ـ سواء كان ذلك على صعيد النوع أو البعد الاثني ـ فإن تلك الثقافة يجب ادانتها، لأنه اينما أصيب احدنا بأذى أو انتهاك فإن ذلك انتهاك لنا جميعاً».



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة