نساء حقيقيات أم دمى بلاستيكية

هادية حسب الله
tamono@hotmail.com

2010 / 2 / 6

عادة ما تشتغل الإعلانات كصدى لصوت الثقافة الذكورية الزاعق والذي لا يرى في المرأة الا جسداً يلزم حبسه او الاتجار به ! والملاحظة الدقيقة لما تبثه هذه الإعلانات تري بوضوح التسويق الاستهلاكى المذل لجسد المرأة ، فيكاد لا يخلو إعلان من جسد مكشوف لإمرأة ، وقد تشاهدى إعلاناً عن سيارة مثلاً فاذا بك تتلقى فجأة صوراً لنساء شبه متعريات لتتساءلى لماذا هن هنا ؟ وليس مصادفة ان الكثير من موديلات العربات الجديدة يطلق عليهن اسماء نساء"كليلى علوى او مونيكا فى استبطان مضمر بسلعية العربة والمراة! وتصور تشابه علاقة مشترى العربة "والماخد المرأة"!!
شخصياً تزعجنى كثيراً الإعلانات التى تحط من كرامة المرأة وأرى فيها ذلك العنف الناعم الذى يحاول ارجاعنا لعصر الحريم..ورغم صعوبة ذلك بدلالة تجوال أجسادنا فى الطرقات العامة، الا ان ذلك ليس مستحيلاً بالمطلق ،ولحدود معينة فان ارواح الكثير من النساء قد تم حبسها فى اسر الصورة التى رسمت ولاتزال ترسم لنا كمجرد أجساد ! فإعلان لشامبو" هيد أند شولدرز" مثلاً يظهر أن المرأة لن تجد عملاً مالم يكن شعرها جميلاً ، حيث تأتى فتاة الإعلان بعد إستعمالها للشامبو لتمسح عبارة "لايوجد عمل" بشعرها المتطاير الجميل ولتمسك بعقد عملها سعيدة وسط خصلاتها المعتنى بها ليترسخ لدى المشاهد أن المرأة تعمل فقط لأنها جميلة تجيد الإعتناء بشكلها، وليس لما تملكه من قدرات وكفاءة، خصوصاً وإن الوظيفة لصحفية ، اى وظيفة ذات طابع ذهنى! وكذلك فإن تعليمها لايؤبه له فشركة" فير اند لفلى" تقوم بحملتها لتسويق منتج جديد من كريمات تفتيح البشرة تحت شعار:" إعداد الفتاة الجامعية للحياة العملية" وكأنما هذه الفتاة مهما تعلمت فلن يجدى ذلك بدون تفتيح بشرتها ! وفى إعلان آخر لذات الشركة فان لجنة الإختيار ترفض طلب توظيف إعلامية لان هناك بقعة فى الزجاج الذى يفصلها من اللجنة فبدت البقعة وكأنها على وجهها لتمسح الفتاة الزجاج بأثر "فير اند لفلى" فيتم توظيفها مباشرة !

وكثيراً ماتصور الاعلانات المرأة ككائن غريزى بصورة مبالغ فيها فمثلاً إعلان شيكولاتة" جلاكسى" يظهر المرأة وكأنها تمتلىء شبقاً لايهدأ، اذ تتلوى فتاة الاعلان فى ايحاءات جنسية لاتمت للأكل بصلة ! كما تودع فتاة إعلان أخرى لذات الشركة زوجها فى جو رومانسى لتعود فتخرج قطعة الشيكولاته لتلتذ بها وكانها بديل الزوج المغادر !.
وإعلان آخر يصور المرأة كقليلة الذكاء عاجزة عن ارضاء زوجها الا عبر ماتطبخه او تغسله او تنظفه ، فغالب إعلانات الصابون مثلاً تدور حبكتها حول امرأة تسعد زوجها لانها وجدت الحل لبقع ثيابه! وحتى " الشيف أسامة السيد" الطباخ المشهور- والذى كان من المفترض بطبيعة مهنته أنه أقرب للنساء - الا ان زوجته أيضاً مهمومة بجعله يتمتع بحريته فى العمل دون القلق على بقعه، لتصبح بذلك المرأة المثالية فى نظر المشاهد هى التى تنتصر على البقع! ويالها من معركة تافهة بالنسبة لمعاركنا الحقيقية!

وغالب إعلانات العطور ترسل رسالة أن المرأة انما تتعطر لجذب الرجال وللجنس، فى الوقت الذى يبدو فيه الرجل في إعلان عطر رجالي عميقاً وحراً متقافزاً على جسر ومازجاً بين عطره ورائحة البحر!
بما يعنى ان الرجل يستخدم العطر اما لحاجته النفسية الذاتية او لعلاقته بالخارج_ عملاً او ترفيهاً اورياضة_ ولكن ليس حصراً للاستعداد لممارسة علاقة جسدية ،اى عكس دعايات العطور النسائية،والتى غالباً ما تغيب المرأة عن النشاطات خارج الغرف المغلقة_ علمية أو سياسية او بحثية_ مما يؤكد بان (الثقافة) الاعلانية تهدف بصورة واعية او غير واعية الى تأبيدالوضعية الدونية للمرأة.
أن علاقة الفرد بجسده علاقة معقدة وهامة ، وعندما تحشر النساء فى سوق نخاسة الجسد والتسليع المذل يصير من الطبيعى أن يؤثر ذلك سلباً على صورتهن أمام ذواتهن. ولتبيان مدى تأثير هذه الثقافة على الشابات قامت الطالبة مناهل عبد الله من مدرسة علم النفس بجامعة الأحفاد باشراف د. سعاد موسى ببحث: sexualization of advertising media and its psychological impact on girls(8-14)years old-" الطابع الجنسى للاعلان واثره النفسي على الفتيات من عمر8-14سنة" والذي أوضح إن البرامج التلفزيونية تستقطب غالب وقت الفتيات إذ أن 75% أجبن بأنهن يقضين مابين 1-3 ساعات من وقت فراغهن في مشاهدة التلفزيون، كما أن 62% منهن تجذبهن البرامج التي تعرض النساء في ملابس أنيقة، و75% يتابعن برامج الموضة والمكياج، و72% يعتبرن شخصياتهن المفضلة هن الممثلات والمغنيات، و65% يرغبن أن يكن على الصورة الجسدية لبطلاتهن ، وأجابت 55%منهن أنهن يعرفن كل استعمالات أدوات المكياج، كما أجابت 62% بأنهن يستعملن المكياج بعض الأحيان و40% يستعملن المكياج طوال الوقت!
إننا لا نطالب أن تفقد النساء اهتمامهن بجمالهن والذي هو مثار تميز لهن ، ولكن عندما يختزل للفتاة اليافعة إن كل قيمتها هي في هذا الجسد الفاني فهذا يعنى إفراغ روحها وعقلها، وان الثقافة التي تؤطر لذلك انما ثقافة ترغب في ابقاء النساء فى أوضاعهن الدونية ، بل ويتم استخدام وجودهن بالخارج بهدف حبسهن داخل أسوار الجسد الغرائزى.
وكما الاعلان كذلك أغانى "الفيديو كليب"، فبحسب بحث:صورة المرأة في الأغاني الشبابية المصورة(الفيديو كليب) والذي أعدته الطالبتان: أفراح احمد وإيناس مصطفى من مدرسة العلوم الإدارية بجامعة الأحفاد تحت مظلة وحدة توثيق الدراسات النسوية وبإشراف أ. إخلاص نوح فان 69% من الجمهور يتابع القنوات الغنائية الفضائية وغالبية هذا الجمهور من الشباب إذ ان اعلي فئة عمرية من 25-31عاماً وتمثل 57%، وبين هذه الفئة تمثل النساء نسبة 43% !! ويرى 51% من هذا الجمهور إن الصورة التي تقدمها اغانى الفيديو كليب غير مفسدة للذوق وغير مدمرة للأخلاق، و33% يرون إن هذه الأغاني تقدم الجديد في عالم الفن .كما أن 40% من الإعلاميين يرون إن المرأة قد نجحت في تقديم نفسها باغانى الفيديو كليب رغم وجود بعض التكلف في أدائها، وحتى عندما تم الانتباه إلى سلبية الصورة التي تقدمها الفيديو كليب للمرأة فان البدائل التى اقترحها غالب افراد عينة الددراسة هى نفسها اشكالية، فقد اتفق 51%من الجمهور إن مجرد ظهور المرأة بالحجاب كفيل بتغيير الصورة السلبية المضمنة فى الأغنيات!
ولا يمكن الاستهانة بأثر الإعلانات فقد صارت نمط اتصال معولم له خطابه بالغ التأثير حتى وان لم يستخدم الرسائل المباشرة، فانه عبر الصور والايحاءات يتسرب ويؤثر عميقاً فى الطبقات اللاشعورية لنفوس المتلقين، وبذلك فانه يساهم فى تشكيلهم ثقافياً واخلاقياً وسلوكياً .
ولذا فان الحركة النسوية تحديداً لابد وان تضع فى اجندتها الصورة المضمرة للمرأة فى الاعلانات والتى تنمط وضعيتها التابعة وتتسوق باذلالها لترويج السلع والخدمات.
وطبقاً لدراسة أجراها الأستاذ مصطفى متبولى ونشرها الكتاب التاسع لتجمع الباحثات اللبنانيات فان تحليل 30 اعلاناً يبث في القنوات العربية أكد إن النساء يبرزن في الإعلانات بصور محدودة: كجسد للغواية، الجسد المغيب والممتهن ، اوفى صور كلها تستغل جسد المرأة للحث على الاستهلاك.
إن هذا الواقع المعيب لن يختلف مالم تبذل النساء أنفسهن جهداً للخروج من هذه الشرنقة. ويتوجب خصوصاً على اللاتي يعملن في المجال الأعلانى أن يضربن عن توظيفهن كدمى بلاستيكية بلا روح.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة