المرأة السعودية .. القانون أولى بأمري

رائد قاسم
raedqassem2014@hotmail.com

2010 / 2 / 9

يعتبر القانون في النظم الاجتماعية المتقدمة بمثابة الولي في المجتمعات الانصهارية، فالقانون الحديث يحمل بعدين رئيسيين متوازيين، الأول عنصر الحماية ، والثاني عنصر الحقوق ، فبالحماية التي تضطلع بها أجهزة تطبيق القانون يمكن للفرد ممارسة حقوقه بكل حرية واتزان، من دون الحاجة لولاية مباشرة ، وذلك بطبيعة الحال عند بلوغه السن القانونية التي تؤهله لممارسة حرياته والتمتع بحقوقه ، وقبل ذلك يكون بحاجة لولي ، يمارس عليه وصايته ، ليتمتع بحقوقه وحرياته في إطار سلطته ، التي يمارسها في إطار سلطة القانون، الذي هو بمثابة السلطة العليا وصاحب الولاية الكبرى على الأفراد وعموم المجتمع .
في واقع المجتمع السعودي الذي يفتقد للكثير من التشريعات والمقررات القانونية والحقوقية تبرز معضلة المرأة السعودية، فغياب أنظمة قانونية واضحة المعالم ، ومحكمة الأطر والتنظيم ، لا يمكن للمرأة أن تمارس حرياتها وحقوقها، وقد استعيض عن النظم القانونية بالتعاليم الدينية الموضوعة منذ مئات السنوات، وفي مقدمتها قاعدة سد الرائع، الذي حرمت بسببها المرأة الكثير من حقوقها وحرياتها، وسدت أبواب الحياة أمامها ، بحجة إنها قد تستغلها في سلوك غير شرعي، وتطبق هذه القاعدة في الكثير من اتجاهات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية بشكل عام، إلا إن العنصر النسائي عانى منها وتضرر بسببها أكثر من غيره من عناصر المجتمع ، ونظرا لكون هذه النظم تعود إلى ما مجتمع ما قبل المدنية ، أي المجتمع الذي لا يقوم على اطر قانونية وتشريعية محكمة ، فقد تعرضت المرأة السعودية بناء عليها لعملية غسيل دماغ مستمرة، حتى يمكن أن يمارس عليها منظومة الوصي الشرعي( المحرم) وسد الذرائع ، وذلك ابتداء بنظام التعليم المتسم بالقسوة والشدة والتلقين ، وانتهاء بالنظم الاجتماعية الصارمة ، والقيم الثقافية المتحجرة ، ونظام الرقابة المكثف ، والتابو المنتشر في كافة مجالات الحياة ، بحيث حول حياة الفرد وخاصة المرأة ، إلى أغلال هوجاء وجعل الحياة الاجتماعية بمثابة سجن كبير، لا مجال فيه سوى الالتزام بالتعاليم والقيم الحاكمة، من دون إتاحة الفرصة لممارسة أنماط وادوار مغايرة .
في النظام الاجتماعي الحديث تحتم القواعد القانونية والمنطقية التي يقوم عليها البناء الحقوقي أن لا تتعارض القوانين ومتطلبات الأمن أو الرخاء مع الحقوق والحريات ، أي إن حرية الفرد أو الجماعة منوطة بان لا تتجاوز حريات الأفراد والجماعات الأخرى، وان لا يطغى حق على حق أو حرية على حرية موازية ، أو منظومة فرعية على حساب منظومة فرعية مقابلة، ذلك هو الأصل المتبع حتى تستمر عجلة التنمية والازدهار في الخلية الاجتماعية الكبرى.
في المجتمع السعودي تجاوزت السلطات الدينية حقوق وحريات المجتمع بدعوى محاربة الفساد والرذيلة والطموح الجامح نحو إقامة مجتمع العفة والفضيلة ، ولكن كان ذلك على حساب حقوق المرأة السعودية ، التي ينظر إليها الفكر الديني التقليدي على أنها أداة للفساد والانحراف، فتعطلت التنمية وساد التأخر ، وأصبح المجتمع يعاني الكثير من المعطلات ومنشغلا بالكثير من القضايا الهامشية التي نخرت في إمكانياته وقدراته ، وحطمت آماله وطاقاته ، وسببت له التراجع والنكوص، بينما تجاوزتها العديد من المجتمعات الأخرى، بل وحتى المجتمعات الدينية التقليدية ، كإيران ومصر وماليزيا ، حيث تم وضع نظم تم بها تخطي الكثير من العوائق ، لصالح توجيه الحراك الجمعي والهم العام إلى قضايا أكثر إشكالية وأهمية وفاعلية ، فكأن السلطات الدينية في المملكة قد ارتأت أن قيادة السيارة خلفت خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات وان الحل هو حظر قيادة السيارات الخاصة وتوفير مواصلات عامة ، فكانت النتيجة فعلا هي انخفاض ملموس لضحايا الحوادث المرورية وتدني في الخسائر المادية ، ولكن كان ذلك على حساب حق أصيل للفرد وهو الحصول على وسيلة مواصلات خاصة ! .
وبالرغم من التشدد الديني والتطرف الاجتماعي القائم على تقديس النظم وتطرف العمل بالموروث والتفسير المتشدد للنصوص المقدسة والمعتبرة ونظام الاجتماع المتسم بالمحافظة ذات الطابع السلبي ، لم يحل ذلك كله من كون المجتمع السعودي علاوة على عدم انجازه تنمية حضارية متناسبة مع ثرواته الطبيعية ووفرته المالية لم يحقق أية نسبة معتبرة من انخفاض معدلات تجاوز التعاليم الدينية والاجتماعية والأخلاقية ، ولم يكن بأفضل المجتمعات في هذا المضمار، بينما تسجل العديد من المجتمعات المتقدمة ، لا سيما في الدول الاسكندينافية نسبة جريمة وعنف وتجاوز لأحكام القانون هي الأدنى في العالم ، بالرغم من كونها تعتنق الديانة المسيحية وتدير شئونها العامة من خلال أنظمة وضعية، مما يدفع بالقول إن الدين ليس عاملا من عوامل الحضارة وإنما نظام للتعامل مع إفرازاتها ومتطلباتها ونتائجها على مستويات مختلفة وفقا لإرادة واختيار الأفراد والجماعات في إطار نظام اجتماعي مفتوح .
في المجتمع السعودي بسبب فرض الوصاية اللاقانونية واللاشرعية على النساء السعوديات فقد أصبحت
المرأة السعودية الأقل حظا على مستوى العالم، فالمرأة السعودية الأقل مشاركة في سوق العمل عالميا، والأقل حقوقا، والأقل حرية، والأقل دخلا في مقابل الرجل( من بين كل رجل يحصل على 1000 ريال تحصل امرأة على 120 ريال فقط! ) والأقل مشاركة في إدارة بلادها على مستوى العالم ( 0% في مجالس الوزراء والشورى والقضاء)
بيد إن الواقع المظلم أكثر حلكة وطغيانا، فبالرغم من سهولة الاتصال بالخارج وتبادل المعلومات، إلا إن الطغيان الاجتماعي والاستبداد الأسري والتخلف الثقافي والرقابة الدكتاتورية على الفكر جعلت المرأة السعودية لا تعي شيئا من واقعها ومدى تخلفها عن نظيراتها من نساء العالم ، وكونت لها كافة هذه العناصر
المتوحشة بيئة اصطناعية شبه متكاملة جعلت إحساس نسبة ليست بالقليلة من نساء المجتمع السعودي بواقعهن الكارثي شبه ميت، وجعلتهن ينسجمن مع هذه البيئة الغير إنسانية ، بل وتكونن من عناصرها وعواملها فغدون كائنات بشرية رديئة ، إلا إن ما تشهده المجتمع السعودي عموما والمرأة السعودية خصوصا من قضايا وأوجاع وهموم لا تكاد تخلو منها الصحافة وأجهزة الإعلام والمجالس العامة والخاصة دليلا على الرفض الاواعي للمجتمع بشكل عام والمرأة خاصة لهذه البيئة المعادية لفطرتها الإنسانية وكينونتها البشرية ، ولكن من دون الإقرار والاعتراف بفداحة الواقع وحتمية تغييره بسبب هيمنة الفكر والثقافة المتطرفة والموغلة في الصنمية في كافة أرجاء الحياة .
ثمة مقارنة ظريفة ، فالمجتمعات العربية والإسلامية الأخرى مجتمعات محافظة كذلك ، أي إنها متمسكة بهويتها والكثير من نظمها الاجتماعية وأطرها الثقافية وتعاليمها الدينية والأخلاقية إلا أنها تعاملت مع متطلبات التنمية الاقتصادية والإنسانية بمرونة وايجابية ، فالمرأة في الخليج كالكويت والإمارات والبحرين تمكنت من التفوق على المرأة السعودية وتخطتها بمراحل عديدة وتخلصت من الكثير من التعقيدات والعقبات ذات الطابع الديني والاجتماعي والقانوني وانطلقت مرحة ومنتجة ومتألقة قياسا بالمرأة السعودية التي ما تزال تخوض معركة مع صورتها على بطاقة الهوية ! وعملها في المرافق العامة ، وزواجها وهي طفلة لم تتجاوز ال12 عاما ! فالمرأة الخليجية أصبحت وزيرة وسفيرة وعضوه في السلطات الثلاث ، وأصبحت تمارس ادوار إنتاجية ومثمرة ، وكل ذلك مع المحافظة على هويتها الاجتماعية وانتمائها الوطني والقومي والديني ، وكذلك المرأة الإيرانية ، فالزائر للمدن الإيرانية الكبرى كطهران وشيراز وأصفهان يشاهد بأم عينيه المرأة تعمل إلى جانب الرجل في كل مكان ، ولها حضور واسع في مختلف الأدوار والمهام ، في دوائر الدولة والمجتمع على حد سواء، وفي الآونة الأخيرة عينت حكومة الرئيس محمود احمدي نجاة أول امرأة في منصب حكومي منذ الثورة الإسلامية عام 1979م ، ولا شك أن المرأة الإيرانية متفوقة على المرأة السعودية بشكل ساحق ، ورغم ذلك فان تفوق المرأة في إيران لم يكن على حساب هويتها الدينية والوطنية ، بينما تعيش المرأة السعودية على زبالة الفكر البشري! فالكثير من النظم التي تسير حياتها وتدير شئونها قذفتها المجتمعات الأخرى في زبالة الفكر ومنظفة نفايات الثقافة الإنسانية منذ أمد بعيد !!
وبالرغم من ذلك فان الكثير من النساء السعوديات يعشن في الخارج وأبدعن في حياتهن العلمية والعملية ، وانفتحن على العالم واستفدن من فرصه الواسعة ، مع المحافظة على هويتهن المركزية كنساء عربيات شرقيات كالعالمة السعودية حياة سندي والعالمة الدكتورة غادة المطيري وغيرهن الكثير ، كنت قد تابعت قضية مواطن سعودي معتقل في أمريكيا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وكانت زوجته تخرج للمجتمع الأمريكي بنقابها ، وتتعامل مع مختلف أفراده واتجاهات من دون كشف وجهها ، وتقوم بإحياء الاجتماعات والمهرجانات وتظهر في أجهزة الإعلام دعما لقضية زوجها ، وقد حظيت باحترام واسع النطاق ، ولم يتجرا عليها لنقابها والتزامها بشخصيتها الشرقية إلا المتطرفون ، فقد كانت ملتزمة بقناعاتها الدينية والأخلاقية والثقافية في إطار القانون من دون انكفاء على الذات وعزلة قسرية أو اختيارية تحرمها من ممارسة دورها الإنساني والاجتماعي .
في ما يمكن الاستشهاد به في مضمار ولاية القانون على الفرد خاصة المرأة ، ما روته امرأة أمريكية أنها عاشت في جده وكانت تعاني من نظرات تلاحقها لكونها امرأة أمريكية لا ترتدي زيا النساء السعوديات المعتاد في الأماكن العامة ، تقول إنها كانت لا تشعر بالأمان في جده رغم الحضور الأمني المكثف ، وإنها لم تكن تامن على نفسها ، خاصة عند خروجها بالليل ، وتقارن حياتها في جده بحياتها في نيويورك ، حيث كانت تخرج في أوقات متأخرة من الليل وتستقل المترو بأمان تام ومن دون تمييز ، ونشرت الصحف السعودية قبل فترة قضية امرأة كندية تعيش في أوضاع اقتصادية سيئة ، فتظاهر الآلاف مواطنيها الكنديين رافعين صورها وهي محجبة ، مما اضطر الحكومة الكندية للتدخل لدى الحكومة السعودية لمعالجة قضيتها ، ووصل الأمر إلى حد تهديد بعض النواب بقطع العلاقات ما لم تحصل ابنتهم على مستوى لائق من العيش الكريم !! وأتذكر أن احد المواطنين تزوج بامرأة أمريكية مسيحية وأنجب منها 3 أبناء، فما كان من رجال الدين إلا أن تدخلوا في حياته الخاصة بدعوى أن الأبناء يجب أن يعيشوا مسلمين خالصين، وان عليه إجبار والدتهم على اعتناق الإسلام، وشنوا على الأسرة في هذا الاتجاه ضغوطا متزايدة ، فما كان من الزوجة إلا أن لجأت إلى قنصلية بلادها ، التي سارعت إلى التدخل وتحذير الزوج من مغبة انتهاك حقوق زوجته وواجباته نحوها وحرياتها وقناعاتها الخاصة، وانه سيواجه عقوبات وخيمة إن لم يتقيد بذلك !!
إن الأحكام الفقهية المعمول بها في المجتمع السعودي وضعت على أساس واقع مجتمع ماضوي كان يفتقد للإمكانيات والتقنيات التي تمكنه من تحقيق الأمن الذي يمكن به تحويل القوانين والأنظمة إلى كونها ولية ووصية
على الأفراد ، لذلك كان ولا بد من جعل الأفراد الأقوياء أوصياء على الأفراد الضعفاء ، بحيث يمكن لأجهزة الحكم والإدارة والأمن الوصول إليهم والتعامل معهم بسهولة ، لذلك كان الرجال أوصياء على النساء، ، والأحرار أولياء على العبيد، إلا إن المجتمع الإنساني المعاصر أصبح بفضل وسائل المواصلات والاتصالات والمراقبة ودخول آلاف المخترعات والتقنيان في خدمة الإنسان من إنشاء إدارة قانونية متكاملة ، وتدشين منظومة امن وعدالة وحرية وحقوق غاية في الديناميكية والمرونة وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع أبناء المجتمع .
إن القانون اليوم هو الذي يجب أن يكون ولي أمر المرأة ، هو محرمها عند سفرها وترحالها ، هو وليها عند زواجها وتعاملها مع بقية أبناء المجتمع، القانون هو الرقيب عليها والعين التي تسهر على حمايتها وصونها ، هو من يضبط سلوكها وتصرفاتها، وبأجهزة تطبيقه تحمى حقوقها وتصان حريتها ، وتأمن على جسدها ونفسها ، وتحض به بفرص متساوية مع الرجل في الاستفادة من كافة مغانم الحياة ومكاسب الانتماء الإنساني والوطني والاجتماعي والاقتصادي ، إن الحرية أمانة والحق مسئولية ، وكل من يخون الأمانة أو يستخدم حقه في غير ما خصص لأجله ، فان القانون هو الذي يعاقبه ويحظر عليه حريته وحقه حتى يعاد تأهيله ليغدو مواطنا صالحا في المجتمع ، يستخدم حقه وحريته من غير إضرار بالآخرين وفي نطاق ما يصرح به القانون ، الذي يسعى إلى درء المفسدة وجلب للمصلحة ، ويقوم على عدم تزاحم الحقوق وتضارب الحريات ، وفي هذا المعنى يروى أن الخليفة عمر قال للصحابة من حوله : لو إني رأيت رجل يزني بامرأة . أكنت أقيم عليهما الحد وأنا أمير المؤمنين ؟ . فقام له علي ابن أبي طالب مجيبا: كلا ما كان هذا لك بل نقيم عليك أنت الحد !! فقال له: لما وأنا أمير المؤمنين ورأيت منهما ما رأيت ؟ فأجابه علي: يجب أن يشهد عليهما ثلاثة غيرك وان كنت أمير المؤمنين !!
نعم هذا هو القانون الذي يجب أن يصبح ولي أمر المرأة السعودية خصوصا والمرأة العربية والمسلمة على وجه العموم ، حينها فقط ستستعيد المرأة السعودية حريتها وحقوقها وكرامتها ليكون لها وزنا كإنسانة مكتملة الإنسانية ، ومواطنة معتبرة ومسئولة أمام أبناء مجتمعها ، في إطار ولاية القانون والنظام ليصبح لسان حالها يقول { القانون أولى بأمري} .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة